Saturday 8th march,2003 11118العدد السبت 5 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الاتصال الإنساني 2/5 الاتصال الإنساني 2/5
د.ناصر الجهني

الدماغ والتخاطب
يعتبر الدماغ البشري من أكبر أدمغة الحيوانات حجماً، إذ يصل حجمه إلى حوالي ألف وستمائة سنتمتر مكعب، وهو يفوق في حجمه حجم أدمغة أكثر القرود ذكاء حيث يصل حجم دماغ كل من الشمبانزي والغوريلا إلى ستمائة سنتيمتر مكعب، وحجم دماغ الأورانجوتان إلى خمسمائة سنتيمتر مكعب، إلا ان الإنسان لا يأتي على رأس القائمة بالنسبة لحجم الدماغ وفاعليته، فدماغ الدلفين يفوق من حيث الفاعلية دماغ الإنسان. ففي الحجم يتساوى دماغ الإنسان مع دماغ الدلفين إذ يصل حجم كل منهما إلى ألف وستمائة سنتيمتر مكعب، إلا ان دماغ الدلفين يحتوي على تلافيف تساوي ضعف التلافيف الموجودة في دماغ الإنسان، وهذا يعني قوة دماغية أكبر كما ان في دماغ الدلفين ثلاثة أضعاف ونصف ما في دماغ الإنسان من خلايا.
وينقسم دماغ الإنسان كما هو معروف إلى قسمين، أيمن وأيسر، وهما مستقلان ومتطابقان تماما ولكنهما يتصلان ببعضهما بجسور من الأعصاب، والمراكز المسؤولة عن الكلام في دماغ الإنسان عديدة، ويقع أهمها في الجانب الأيسر من الدماغ أي ان الجانب الأيسر هو الذي يسيطر على الكلام عند الإنسان على الرغم من وجود مركز ضبط نغمة الكلام Intonation Contours في الجانب الأيمن من الدماغ والأفازيا Aphasia هو الاسم العلمي للمشاكل والإعاقات الكلامية عند الإنسان التي ترتبط بخلل ما في الدماغ. وللتدليل على تلك الإعاقات هناك ثلاث مناطق في الجانب الأيسر من الدماغ يؤدي الخلل في كل واحد منها إلى نوع معين من الأفازيا، وهذه هي منطقة بروكا Broca ومنطقة ويرنك Wernicke ومنطقة هشل Heschl وتسمى الأفازيا الناتجة عن الخلل في كل من هذه المناطق باسم المنطقة نفسها والمأخوذ أصلا عن اسم العالم الذي اكتشف تلك الأفازيا. والخلل في منطقة بروكا يؤدي إلى صعوبة كبيرة في الكلام وسوء النطق وفقدان الكلمات الصغيرة مثل حروف الجر وواو العطف والخلل في منطقة ويرنك يؤدي إلى عدم وجود معنى في كلام المصاب على الرغم من ان كلامه من ناحية الكلمات والتراكيب سليم، ويغلب على المصاب استخدام كلمة (شيء) في كلامه -هذا الشيء- ذاك الشيء- بدون ان يكون لهذه الكلمة ما تعود عليه، أما الخلل في منطقة هشل فإنه يؤدي إلى ما يسمى بصمم الكلمات Word Deafness والمصاب بهذا الخلل لا تصل الأصوات إلى دماغه بالترتيب التي خرجت به من فم المتكلم، فأنت تقول كلمة كتاب وهو يسمعها تكاب، وهكذا، أو قد تصل بعض الأصوات فقط إلى دماغ المصاب، وفي الحالتين فهو لا يدرك قصد المتحدث لعدم إدراكه الكلمات المنطوقة لأنه غير قادر على سماعها صحيحة. ويجب ملاحظة ان هذا النوع من الأفازيا ليس له علاقة بأي خلل في أي من أجزاء الجهاز السمعي، وإنما الخلل كما أسلفنا في الدماغ نفسه.
ويرتبط الشعور والإدراك لدى الإنسان ارتباطا مباشرا بمراكز الكلام في الدماغ، فنحن نعرف ان الشبكية في عين الإنسان تنقسم إلى قسمين: يمين ويسار والأجزاء اليمنى في العينين تنقل الصور إلى الجزء الأيسر من الدماغ، والأجزاء اليسرى في العينين تنقل الصور إلى الجزء الأيمن من الدماغ. وتصل بين جزئي الدماغ، كما أسلفنا، جسور عصبية منها العصب البصري الذي ينقل الصور القادمة من يمين شبكية العين اليمنى إلى الجزء الأيسر من الدماغ، والصور القادمة من يسار شبكية العين اليسرى إلى الجزء الأيمن من الدماغ بينما الصور القادمة من يسار شبكية العين اليمنى تنتقل مباشرة إلى الجزء الأيمن من الدماغ والصور القادمة من يمين شبكية العين اليمنى إلى الجزء الأيسر من الدماغ، والصور القادمة من يسار شبكية العين اليسرى إلى الجزء الأيمن من الدماغ بينما الصور القادمة من يسار شبكية العين اليمنى تنتقل مباشرة إلى الجزء الأيمن من الدماغ والصور القادمة من يمين شبكية العين اليسرى تنتقل مباشرة إلى الجزء الأيسر من الدماغ.
بقي ان نعرف ان هناك نوعاً من الصرع يسمى Epileptic Seizure ناتج عن خلل في إرسال الإشارات بين جزئي الدماغ عبر الجسور العصبية الموصلة بين الجزأين هذا الصرع لاتتم معالجته إلا بقطع تلك الجسور الموصلة بين جزئى الدماغ، وبعد قطع الجسور العصبية يعيش الإنسان حياة طبيعية نوعا ما، ولكن مع قطع هذه الجسور يتم قطع العصب البصري الموصل بين جزئي الدماغ وبذلك تنحصر الرؤية عند الإنسان على الجزء الأيسر من شبكية العين اليمنى والجزء الأيمن من شبكية العين اليسرى، وهي الأجزاء التي تنقل الصور مباشرة إلى الأجزاء اليمنى واليسرى من الدماغ على التوالي. وهكذا فإن مجال الرؤية الأيمن الذي كانت تتم رؤيته بالأجزاء اليمنى من شبكيتي العين يصبح مرئيا فقط بالجزء الأيمن من شبكية العين اليسرى، ومجال الرؤية الأيسر الذي كانت تتم رؤيته بالأجزاء اليسرى لشبكيتي العينين يصبح مرئيا فقط بالجزء الأيسر من شبكية العين اليمنى. وحيث ان مراكز الكلام هي في الجزء الأيسر من الدماغ، وحيث ان الجسور العصبية بين جزئى الدماغ قد تم قطعها ولم تعد تنقل المعلومات عن طريق الإشارات بين جزئى الدماغ، فقد أجريت تجارب على من عملت لهم عملية قطع تلك الجسور العصبية، منها تجربة كانت بوضع كلمتين أمام الشخص واحدة في مجال الرؤية الأيمن وواحدة في مجال الرؤية الأيسر، ثم سئل عما يرى. فأجاب بأنه رأى الكلمة الموجودة في مجال الرؤية الأيمن فقط. وهي تلك التي تصل إلى الجزء الأيسر من الدماغ حيث مراكز الكلام، ولهذا لم يتمكن الشخص من التحدث عن الكلمة التي في مجال النظر الأيسر. فهل كان الشخص يرى الكلمة الأخرى ولكن لم يمكنه التحدث عنها أم انه كان لايراها تماما؟ لمعرفة ذلك أجريت تجربة أخرى وذلك بوضع صورة شيء عادي، كتفاحة مثلا، في مجال النظر الأيمن، وصورة امرأة عارية في مجال النظر الأيسر، وكان الشخص الذي أجريت عليه التجربة هو امرأة معروفة بخجلها وحيائها الشديدين. عند سؤال المرأة عما ترى أجابت أنها رأت صورة تفاحة فقط ولم تر أي شيء آخر، إلا ان وجهها كان قد أحمر، وعندما سئلت عما تشعر أجابت بأنها تشعر بخجل شديد، وعند سؤالها عن السبب أجابت بأنها لا تعلم يدلل هذا على ان المرأة كانت ترى صورة المرأة العارية في الحقيقة ولكن تلك الصورة كانت تصل إلى الجزء الأيمن من الدماغ فقط، حيث ان الجسور العصبية بين جزئي الدماغ مقطوعة ولذلك فهي لم تصل من الجزء الأيمن من الدماغ إلى الجزء الأيسر. وحيث ان مراكز الكلام هي في الجزء الأيسر اتضح من التجربتين ان الإنسان يستطيع ان يتحدث فقط عما يصل إلى الجزء الأيسر من الدماغ، بمعنى آخر، ان ما يدركه الإنسان ويكون في الشعور لديه هو فقط ما يستطيع ان يتحدث عنه بينما ما لايستطيع ان يتحدث عنه مدرك في اللاشعور فقط.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved