Monday 10th march,2003 11120العدد الأثنين 7 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الفصل الأول من مسلسل الصعود الأوروبي إلى قمة النظام السياسي الفصل الأول من مسلسل الصعود الأوروبي إلى قمة النظام السياسي
الأزمة العراقية هل تعلن بداية نظام عالمي جديد؟

  * القاهرة - أ.ش.أ:
أدى الانقسام الواضح في مجلس الأمن بشأن الازمة العراقية بين معسكرين.. الأول تتزعمه الولايات المتحدة الامريكية وآخر تتزعمه ألمانيا وفرنسا إلى قيام كتلتين متنافستين إلى العلن.
ويعد الا صرار الألماني الفرنسي على عدم تمرير مشروع قرار جديد لمجلس الأمن يحمل في طياته آلية جديدة لاستخدام القوة ضد العراق بشكل تلقائي بمثابة الفصل الأول من مسلسل الصعود الأوروبي إلى قمة النظام السياسي العالمي وتدشين أوروبا بقاطرتها الالمانية الفرنسية قطبا عالميا جديدا في العالم الأحادي القطبية الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية منذ انهيار الاتحاد السوفيتى وكتلته الشرقية0
وبالرغم من انضمام انجلترا وإسبانيا وهي دول أوروبية عتيدة إلى المعسكر الأمريكي ومعهم بلغاريا التواقة إلى الالتحاق بالغرب إلا أن الموقف الألماني الفرنسي يتخطى عملية المناقشات في مجلس الأمن حول الازمة العراقية ليطول بنية النظام السياسي العالمي.
وأعلنت الادارة الامريكية أنها سوف «تنزع سلاح العراق» أو تشن الحرب ضد بغداد سواء بغطاء من الامم المتحدة أو بدونه وهو ان حدث سوف يعني أن الأمم المتحدة ليس لها الآن الا دور شكلي وأن وظيفتها قد تقادمت باعتبارها انعكاسا لتوازنات القوى بعد الحرب العالمية الثانية وفقدت قدراتها على فرض ارادتها ناهيك عن تمثيلها للشرعية الدولية.
وتقف السياسة الدولية بالاضافة إلى ذلك على أعتاب فوضى عارمة وموجة من الازمات والمخاطر.. فلم يشهد التاريخ أبدا مثل هذه الحالة التي يوجد عليها العالم الآن من حيث وجود قدرات عسكرية يمكن لها نظريا ان تبيد الحياة على سطح الكرة الارضية عدة مرات في ظل غياب آليات واضحة لنظام دولي متعارف عليه.
وسواء انتهت الأزمة العراقية سلميا أو باستخدام الوسائل العسكرية وهو الاحتمال الأرجح فإن بنية النظام السياسي العالمي لم تعد كما كانت عليه قبل تصاعد الأزمة العراقية وقبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي أعلنتها واشنطن علامة فارقة في تاريخها الحديث وفي تاريخ السياسة الدولية بالتالي.
وربما كانت الأزمة العراقية والمداولات الدائرة في مجلس الامن مؤشر ولادة عصر جديد يضع أوروبا أمام مسؤولياتها التاريخية والحضارية في مواجهة سياسة الاستفراد بالعالم التي تمارسها الإدارة الأمريكية.
ولكن القوة العظمى لا تصبح هكذا بمجرد الرغبة في ان يصبح بلد ما أو مجموعة من الدول كذلك وإنما لا بد من توافر شروط متعددة كما تحددها أدبيات السياسة العالمية وكما عرفها استراتيجيو التاريخ الحديث ابتداء من كلاوزفيتز وليس انتهاء عند بريجينسكي.
ويعتقد الخبراء أن مقومات وشروط القوة العظمى تتلخص في مجموعة من العناصر الهامة الضرورية وهي اولا القوة الاقتصادية العملاقة التي لها مجال للدخول إلى المواد الخام بسهولة ويسر ولها سوق داخلية قوية سواء من حيث الحجم او الكفاءة والدور القيادي الملموس في التجارة العالمية كما في الاسواق المالية العالمية وكذلك القدرة على التطوير والتجديد لفروعها الاقتصادية.
وتتوافر هذه الشروط الآن في الحالة الأمريكية تحديدا والحالة الأوروبية وإن كان ينقص أوروبا مجال الدخول بسهولة إلى المواد الخام ولعل الحرب المقبلة على العراق هي التأكيد على ذلك واحتكار المادة الخام الأهم في العالم أي النفط لمصلحة واشنطن وحرمان أوروبا منها إلا بالشروط الأمريكية.
ولا يفوت في هذا السياق ملاحظة أن الحرب على العراق والاستيلاء على موارده النفطية سوف تحرم أوروبا من الوصول إلى المواد الخام بشروط السوق الدولية وتوازن بالتالي المزايا النسبية الاقتصادية التي تحرزها أوروبا في مقابل أمريكا وتجعل الافضلية لواشنطن على الرغم من المزايا الأوروبية.
ويزيدالناتج المحلي الإجمالي لأوروبا بنحو 15 بالمائة عن مثيله في الولايات المتحدة الامريكية.. ويبلغ نصيب أوروبا من الانتاج العالمي ما قيمته 35 بالمائة مقارنة بحوالي 27 بالمائة للولايات المتحدة كما أن نصيب القارة العريقة من التجارة العالمية يبلغ 30 بالمائة مقارنة بحوالي 18 بالمائة فقط للولايات المتحدة الامريكية.
ويضع خبراء الاستراتيجية عامل الوزن السكاني في المرتبة الثانية في لائحة المقومات اللازم توافرها في القوى العظمى.. والذي يشتمل على درجة عالية من التعليم للسكان وبنية أساسية متطورة ومتقدمة وطاقة استيعابية كبيرة.
أما القدرات العسكرية الجبارة والقادرة على ردع الخصوم العالميين فيضعها هؤلاء في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية في عصر تكنولوجيا المعلومات والكمبيوتر.
وتتركز شروط القوة العظمى رابعا في نظام مجتمعي ومنظومة قيمية جذابة قادرة على انتزاع اعجاب السكان في الكتل المنافسة وبخاصة المجاورة منها اقليميا وهو ما تشترك فيه أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية على حد سواء.
ويولد الشرط الرابع رديفه الخامس والمتمثل في نظام سياسي متطور قادر على وضع كل هذه الامكانات لتوظيف دور عالمي وصوغ تحالفات عالمية عابرة للقارات وهو ما تتفوق فيه أمريكا على أوروبا الخارجة من حربين عالميتين كبيرتين في القرن الماضي.
أما الشرط السادس والضروري لأية قوة عظمى فهو الاتفاق المجتمعي للسكان على ضرورة لعب دور قيادي على الساحة العالمية وهو ما تعود عليه الأمريكيون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وتنطبق الشروط على الولايات المتحدة بشكل أو بآخر في حين تفتقر باقي القوى إلى شرط أو أكثر.. حيث تفتقر الصين إلى تركز رأس المال اللازم لها للوصول إلى مرحلة القوة العظمى على رغم الحجم الكبير لاقتصادها كما تفتقر إلى النظام السياسى الذي يحوز على الاعجاب.وفي حالة اليابان يبدو ظاهرا أن قدرتها على الوصول بنفسها إلى المواد الخام محدودة جدا.. وأن قدراتها الدفاعية المستقلة غير موجودة وليست لها قدرات ردع بالرغم من انطباق أكثر من شرط عليها.
وفي المقابل منها لا تتوافر مقومات القوة العظمى في روسيا حاليا الا فيما ندر وتتمتع فقط بمزيتين هما الموارد الطبيعية الموجودة في أراضيها وقدرات الردع النووي دون توافر باقي الشروط.
ولا يستطيع لا الحجم السكاني ولا القدرات التسليحية النووية أن يجعلا وحدهما من الهند قوة عظمى.. حيث تعاني من النزاعات الاقليمية وعدم تجانس مجتمعها طائفيا وعرقيا.
ونظراً لهذه الاعتبارات يمكن القول إن قدرات الاتحاد الاوروبي هي الاقرب لقدرات الولايات المتحدة الامريكية بل وتتفوق عليها في بعض الجوانب خاصة في الجوانب الاربع الأولى من الشروط المذكورة.
ولكن أوروبا تعاني من الفجوة القائمة بين بنيتها السياسية الحالية وبنيتها المطلوبة للعب دور عالمي والقدرات السياسية العالمية اللازمة لإدارة مصالحها في بيئة عالمية متغيرة وهو الأمر الذي لا تزال واشنطن تمسك بناصيته باقتدار واصرار.
وازداد الأمر وضوحا بعد نجاح واشنطن في اسقاط الاتحاد السوفيتي السابق ومعه منظومته الاشتراكية.. حيث تحول النظام العالمي من ثنائي القطبية إلى نظام أحادي القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة الامريكية، وهو ما يتعارض مع درجة التعقيد والتعدد التي تميز هياكل الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية وتحالفات الاقطاب المختلفة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved