Monday 10th march,2003 11120العدد الأثنين 7 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
شعارات العَلْمَنة
عبدالرحمن صالح العشماوي

الأوضاع العالمية أصبحت شديدة الوضوح، فليس هنالك ما يُداري الأهداف أو يواري المخطّطات، والمدنية الغربية المعاصرة منذ أن بدأت نهضتها العلمية الكبيرة وهي تخطِّط للسيطرة على العالم، وتحدِّد في قرارات كثيرة ولقاءات كانت تجري في الخفاء العدو الأوّل لمسيرتها العلمية المنحرفة عن منهج الإسلام .. ألا وهو العملاق النائم كما أطلقوا عليه ذات يوم «الإسلام».
وكانت بحوث التوعية، وكتب التوجيه تنادي المسلمين إلى الانتباه واليقظة وعدم الانخداع بكلام الغرب المعسول، وبرزت في المرحلة الماضية عناوين واضحة لمفكرين وكتاب وعلماء مسلمين أدركوا الخطر مبكِّراً ونبَّهوا إليه ونادوا الأمة بكل مستوياتها إلى عدم الغفلة والتهاون، فرأينا عناوين مثيرة ولكنها كما يبدو لم تكن كافيةً لإيقاظ الأمة مثل «قادة الغرب يقولون: دمِّروا الإسلام أبيدوا أهله» ومثل «الزحف الأحمر» ومثل «الاستعمار وفلسطين» و«الصراع العربي الاسرائيلي» و«مؤتمرات الدويلات الطائفية» و«حصوننا مهدمة من داخلها» و«ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» و«معركة اليهود والتلمود» و«الصليبية والصهيونية» ومثل عشرات العناوين عن الغزو الفكري والثقافي، وعن أسرار الماسونية، وأسرار الصهيونية، وأسرار مؤتمرات التنصير المتعدِّدة.
كل ذلك انتشر في عالمنا الإسلامي، ولكن واقع حال المسلمين كان يقول وما يزال يقول: «لا حياة لمن تنادي».
وها نحن الآن نرى ما كان مستوراً قد ظهر، وما كان مغموراً قد اشتهر، وما كان خافياً، قد برز، وأصبح ضجيج المعدَّات الحربية من أساطيل بحرية وطائرات وصواريخ، ودبابات ومدافع، وقنابل عنقودية وغير عنقودية أكبر من أن يخفى على ذي عقل، وبصيرة، وأصبح الخطاب الغربي واضحاً تمام الوضوح في الحديث عَنَّا، وعن بلادنا الإسلامية، وعن دولنا، وتعليمنا، وإعلامنا، وثقافتنا، ومجتمعنا وأسرتنا المتماسكة، أصبح الخطاب الغربي واضحاً يعلن بصوت مسموع أنه يريد أن يغيِّر معالم حياتنا الإسلامية، وأن يحوِّل مجتمعاتنا إلى مجتمعات غربية في إطار منظومة «العولمة» التي يعلنونها.
ومع ذلك الوضوح وهذه المباشرة فإنَّ أقلاماً مريضة من أقلام بني الإسلام، لا تزال تجري بسمومها عبر وسائل الإعلام المختلفة، تدعم الخطاب الغربي المعادي لنا، وتحجم القضية تحجيماً غريباً، وكأن تطورنا وتقدُّمنا، وخلاصنا من هذه الهجمات الغربية الرَّامية إلى اجتثاث شجرتنا من الأعماق، كأن ذلك كله لا يتم، ولن يتم إلا إذا خلعت المرأة المسلمة حجابها، وقادت سيارتها «دون رقيب» وسافرت أنَّى تشاء دون نظر إلى وجوب وجود الولي شرعاً، وإلا إذا اختلطت صفوف المرحلة الابتدائية الأولى بالأولاد والبنات، وإلا إذا أصبح عندنا سيّدات أعمالٍ يسافرن كما يردْن ويذهبْن أنّى شئن بعيداً عن الترتيبات الشرعية اللازمة لمثل هذه الحالات، والتي لا تعوق المرأة، ولا تسلبها ما شرع الله لها من الحقوق المادية والمعنوية.
عجباً لأقلامٍ تدس سُمّاً ثقافياً وفكرياً في هذه الأزمة، أين نشأت تلك الأقلام، وأين صنع حبرها الذي تكتب به، وإلى متى نظلُّ بهذه الصورة الساذجة في مواجهة الأحداث الكبرى.
شعارات العَلْمَنة التي يرفعها بعض أبناء المسلمين يجب أن تسقط، لأنها تساهم مع الأعداء في حربهم ضد أمتنا وديننا وأوطاننا.
أيُّها المخدوعون بأفكار الغرب وأخلاقه، ألا تستطيعون أن تفرِّقوا بين إمكانية الاستفادة من التطور العلمي المدني عند الغرب، وبين الذَّوَبان الفكري والثقافي؟؟.
أذكركم بأننا في هذه البلاد المباركة «المملكة العربية السعودية» على سبيل المثال قد قطعنا شوطاً ممتازاً في سبيل التمدُّن والتطوُّر في مجالات الحياة المتاحة والمباحة، فلدينا مصانع ضخمة، ولدينا جامعات ومدارس متطورة، ولدينا شبكات طرق ممتدة بصورة رائعة عبر مساحات بلادنا الشاسعة، ولدينا مدنٌ متطورة مخططة تخطيطاً هندسياً جيداً، ولدينا ناطحتا سحاب في الرياض وواحدة سترتفع في سماء جدة، ولدينا مناطق سياحية كثيرة وكبيرة، ولدينا لقاءات ومهرجانات، وسيارات وطائرات، وقد أعلن أخيراً عن أوَّل سيارة سعودية ستنزل إلى الأسواق..
ولدينا مكتبات كبيرة متطورة ولدينا ..... الكثير الكثير، نحمد الله على نعمه ونرجو أن نتخلَّص من سلبيات بعض ما لدينا، وكلُّ ذلك يا أصحاب شعارات التطوُّر والتقدُّم، تم في بلادنا والحمد لله وهي ترفع راية التوحيد، وتعلن ليل نهار أنها لا ترضى بغير شرع الله بديلاً، وتمَّ مع وجود المساجد التي تكتظ بالمصلين، والمدارس التي لا اختلاط فيها أبداً، والجامعات التي توجد فيها الدوائر المغلقة لتدريس الطالبات، نعم تمَّ كلُّ ذلك مع وجود المواعظ والدروس الدينية، ومع وجود حجاب المرأة المسلمة، ومع تماسك الأسرة، ومع وجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع عدم قيادة المرأة للسيارة.
نعم كلُّ ذلك تمَّ مع وجود قيمنا ومبادئنا ودعوتنا، ودولتنا المسلمة التي رُسمت خطوطها الأولى بدعوة محمد بن عبدالوهاب ومناصرة محمد بن سعود رحمهما الله تعالى، ورُسمت خطوطها المعاصرة بتوحيد الملك عبدالعزيز رحمه الله لأطرافها المتباعدة تحت تلك الراية التي رُسمت خطوطها الأولى مع بداية الدعوة الإصلاحية في هذه البلاد، فأين تكمن المشكلة؟، وهل وقفت كل مظاهر الانضباط بضوابط شرعنا الحكيم دون التطوُّر والتقدم المدني؟؟.
إن «المملكة العربية السعودية» نموذجٌ حيٌّ لهذه المعاني الكبيرة التي يفهمها أعداؤنا جيداً ولهذا يرفعون شعارات العداء لنا.
فأيُّ مسوّغ بعد هذا لبقاء تلك الأقلام المريضة التي تكاد تؤيد أعداءنا علينا في وقتٍ أصبحت فيه مواقف الغرب واضحةً لا غبار عليها؟.
شعارات العَلْمَنَة ضياع يا أبناء الإسلام فلا تركضوا وراء السراب.
إشارة:


لو رَفَعْنا معاً شعار هدانا
لرأينا حبل التآخي متينا

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved