Sunday 16th march,2003 11126العدد الأحد 13 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أمريكا والإرهاب «2/2» أمريكا والإرهاب «2/2»
سلمان بن فهد العودة

الدين في مفهوم المسلمين
يبقى مفهوم الدين واضحاً في عقل المسلم البسيط أنه: عبارة عن عبادة الله وتحقيق قيم الخير والعدل التي شرعها الإسلام، لإقامة حياة أفضل في الدنيا، وسعادة أبدية في الآخرة.
إن الدين لم يكن يوماً ما مشكلة عند المسلمين، لأنه مفهوم واسع يمكن أن يستوعب في رسالة الإسلام كل شؤون الحياة، ويمثل الإسلام في هذا المقام انفتاحاً واسعاً لصناعة نظام أخلاقي يمكن أن يعيش تحته الآخرون في أمن واستقرار، الدين في الإسلام ليس قضية شخصية أو مجرد رمزية في دائرة محدودة من دوائر الحياة بل يعني صناعة الحياة ليس للمسلمين فقط بل لكل من يكون مستعداً للسلام والعدل واحترام الحقوق، ويمكن أن نقول ببساطة إنه يعني البحث عن السعادة والأمن والتكامل الأخلاقي، وتحت هذا المفهوم يبقى أن المسلمين ليسوا بحاجة إلى العلمانية، لسبب بسيط لأنه لا توجد مشكلة لهم مع الدين.
إن الفرد في الغرب قد يفهم الدين في دائرة معينة تتعلق بالجانب التعبدي المحض بين الانسان والله، بينما هو في الإسلام معنى شمولي ينظم سير الحياة كلها وفق قواعد عامة وأصول مرنة تكفل امكانية الافادة من الجديد في العلوم والتقنيات والتسهيلات المادية وغيرها، وتحافظ في الوقت ذاته على تميز المسلم وأنموذجه الثقافي الخاص، نتصور أن من مشاكلنا مع الغرب أنهم لا يفهموننا كما يجب وكما هي الحقيقة، ومن المؤسف أن تقع مجموعات من الأسوياء في العالم تحت تصوير ساذج يفتقد الأمانة في رسم هوية المسلم أو تحديد مفهوم الدين عند المسلمين.
إن من أسس الدين في الإسلام أنه يعطي مساحة لفهم الذات واحترام المبادئ والحريات الخاصة، كما يرفض الإسلام محاولة تحويل الدين إلى أداة لتبرير الأخطاء أو صناعة العدوان.
وربما كانت مشكلة فهم كلمة «دين» وكلمة «جهاد» والربط بينهما من اشكاليات الفهم لدى بعض الغربيين. وإذا تحقق فهم الدين بهذا المعنى الواسع وفهم الجهاد بذاك المعنى الواسع أيضاً أزال كثيرا من الالتباس في الباب.
وهكذا تحدث الانتقائية - أحياناً - في التقاط جزئية خاصة ومعالجتها كما لو كانت هي الإسلام فقط مع عزلها عن المنظومة الثقافية التي تنتمي إليها، يحدث هذا في المجال السياسي والاجتماعي والثقافي على السواء. نلاحظ أحياناً أن بعض الدوائر في الغرب تجامل في اعلان احترام الإسلام كديانة، لكن لا نجد مساحة لهذا الاعلان في التعامل مع المسلمين، وكأن بعض هذه الدوائر تريد أن تفهم الإسلام كما يحلو لها! هناك فرق بسيط هو أن المسلم العادي يشعر أن الإسلام نظام شامل للحياة، والفرد في المسيحية لا يجد هذا الشعور بل يبقي الدين دائرة ضيقة في نظر المسيحيين، وهنا قد لا يستوعب الفرد في الغرب العلاقة عند المسلمين بين الدين والدافع الذي يحرك الانسان في أي اتجاه في الحياة.
إن الدين يبقى في نفوس المسلمين الملاذ الآمن والأكثر فعالية لمقاومة كل اشكال التحديات، وهنا يمكن أن نقول للعالم كله: إن تصعيد التحدي ضد المسلمين - من قبل أي قوة في العالم - سيجعل من الصعب في الأخير أن تتمتع هذه القوة بالهدوء والاستقرار، لأن المسلم العادي يمكن أن يستوعب المحرك الديني في داخله لمقاومة العدوان، ومن المؤكد أن هذا المحرك سيجعل من الفرد أكثر مرارة وسيكون أكثر فعالية في صناعة الأفراد من كل أنظمة التدريب النظامية، وفي الوقت نفسه فإن المحرك الديني سيجعل من الفرد العادي في الإسلام أنموذجاً لصناعة الخير والسلام واحترام الحقوق والحريات في ظل نظام العدالة.
المسلمون يعلمون جميعاً أن نبيهم محمداً صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ونبي الملحمة أي: القتال، والأصل في دعوته ورسالته الرحمة لكنه يتحول إلى القتال حين تقف بعض القوى في صف رفض الرحمة والأخلاق وحرمان الآخرين منها أو محاولة سلب الحقوق ومصادرة الحريات الخاصة، فإن الإسلام يمكن أن يعبئ في أقل من أربع وعشرين ساعة الملايين من المسلمين المستعدين للتضحية في سبيل الدفاع عن الإسلام دون أي علاقة اتصال تجري بين هولاء، واليوم نعلم - ونحن على ثقة في قراءتنا للعقل المسلم العادي - أن عشرات الملايين من المسلمين سيبدون استعداداً للدفاع عن فلسطين والمسجد الأقصى لو افترضنا وضع استفتاء في العالم الإسلامي، وهذه النتيجة التي نعلمها ستكون تجاوباً عفوياً مع حالة الظلم الممارسة في الأرض الفلسطينية، وهذا أحد مبادئ الإسلام التي رسمها في علاقة المسلمين بعضهم مع بعض مهما كان قدر الفوارق السياسية والاجتماعية والعرقية التي يمكن أن تختصر وتمحى بشكل مفاجئ أمام حركة الدين الروحية التي تضمن التجاوب بين المسلمين، وحين نتحدث عن هويتنا الخاصة، فإن الدين يعد في الأساس عند المسلمين قيمة روحية عالية ونرى أن تعلقهم به هو الأقوى مقارنة بغيرهم لأسباب تتعلق بالإسلام ذاته، ومن السذاجة التفكير في تجريد المسلمين منها، وهذه القيمة تتجه في الأساس إلى السلام لكن يمكن أن تكون قوة مضادة لكل محاولات التعدي التي تواجه المسلمين أو مجموعات منهم.
إن المسلم الذي لا يُعطى مساحة كافية للتدين معرض لردة الفعل القوية ضد من يشعر بعداوتهم له أكثر من المسلم المستقر في سلوكه أو المنتمي إلى مدرسة إسلامية أو معهد شرعي ولهذا فمن الطيش توجيه الاتهام إلى المدارس الإسلامية أو المناهج الشرعية في العالم الإسلامي وأقل ما يقال: إن العِلم الشرعي يضبط العداوة وينظمها ويحافظ على أخلاقيتها وهدوئها.
الموقف من الحرب ضد الارهاب:
إن مبادئ الإسلام تجعلنا مرتبطين بنظام أخلاقي واضح، فمن الصعب أن نتحرك باتجاه خيارات خاصة لا تحترم حقوقنا أو حتى حقوق الآخرين في أي مكان في العالم، لأن الإسلام يرفض الظلم، ومن الخطأ أن نركض في حرب لم ترسم تحت نظام العدالة وسيادة القانون الأخلاقي، وربما نكون مقصودين في هذه الحرب وملاحقين بأسماء مستعارة تعطينا درجة من التبرير، لتصفية وجودنا الخاص في آخر مطاف هذه الحرب أو في بعض فصولها، وهنا! يمكن ان نتضامن مع الحرب ضد الارهاب حينما تتجه الحرب إلى مفهوم التصحيح والقضاء على كل صور الإرهاب الذي يعني العدوان ومصادرة الحقوق والحريات في كل أشكال الإرهاب المتمثلة في الإرهاب السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي، وهذه تعد الدوائر الخاصة لممارسة الإرهاب المنظم في العالم من مجموعة قوى السيطرة والاستعمار التي تريد اسقاط المشكلة على الطرف الخارج عن اللعبة، فحين تتحدث الإدارة الأمريكية عن إرهاب دولة أو مجتمع أو ثقافة تهدد الولايات المتحدة، فلماذا لا يكون تهديد الولايات المتحدة، بل تحركها لضرب الأمن المدني في بعض الدول والمجتمعات، وخلق دوائر للتوتر في العالم، شكلاً من اشكال الإرهاب الذي يحتاج لملاحقة دولية!!
إن الإسلام يؤيد موقف التضامن مع الآخرين، لارساء قواعد الأمن والاستقرار والسلام ومكافحة الفقر والأمراض والجريمة الفردية والجماعية، وهنا! يمكن أن يعمل المسلمون مع الآخرين لبناء عالم يعتمد على الاستقرار والتوازن دون كلل، وهذا يستدعي - ونحن نخاطب كل المخلصين في العالم - الضغط على الإدارة الأمريكية، لرسم صورة صحيحة لمشكلة الارهاب من أجل معالجة دولية جادة.
العالم ومشكلة الإرهاب
لعل من أكبر المشكلات - التي يواجهها العالم - مشكلة الارهاب، والمسلمون من أكثر الشعوب تضرراً بهذه الظاهرة بل ليس غريباً أن معاناة المسلمين من الارهاب في القرنين الماضيين أكثر من أي شعب آخر، لكن مع اعتبار الارهاب مشكلة تواجه العالم فهذا يستدعي خلق نظام يتسم بالقوة والأخلاقية، لمواجهة هذه المشكلة، ومع هذا فإنه من وجهة النظر الإسلامية المؤسسة على شمولية النظرة للحياة وصناعة الخير للعالم ندرك أن العالم يعاني مجموعة كثيرة من المشكلات وليس الإرهاب فقط! فهناك انتشار واسع للجهل والأمية والخرافة في حياة ملايين من البشر كما أن عشرات الملايين في العالم يعانون الأمراض ويفتقدون أبسط حقوق العلاج والصحة، كذلك يوجد مئات الملايين في العالم يعيشون تحت خط الفقر ومن الواجب علينا أن نشعر بهؤلاء وأن ندرك أن مشكلات العالم لا يمكن أن تختصر في شيء واحد لصالح طرف واحد ليس له امتياز إلا أنه الأقوى ويمكن أن يستخدم القوة ضد المعارضين.
إن تردي الحياة المدنية والحريات لمئات الملايين في العالم يجعل من غير الأخلاقي ألا نفكر بهؤلاء ونصر على تحديد المشكلة الخاصة في نظرة أحادية الجانب، وكموقف أكثر وضوحاً، فإننا نعتبر الوقوف مع مشكلة الإرهاب فقط وتجاهل المشكلات الأخرى يعني: أن العالم وبإرادة القوة يتجه لكارثة ستجعل الأمن في العالم كله مؤهلاً لمزيد من المفاجآت التي تدمر الحياة المدنية أو على أقل تقدير تخلق حالة من عدم الاستقرار والشعور بالرعب، وحينها سيكون العالم أكثر معاناة من فترة الحرب الباردة أو أي فترة أخرى.
إن سلاح القوة والقدرة على إلحاق الضرر ليس حكمة صائبة حتى في صناعة السيادة والسيطرة على الآخرين فضلاً عن الجدية في معالجة الأخطاء وترسيخ الأمن، ومن المؤكد أن الأمن المدني في العالم اليوم لا يشهد حالة من الاستقرار نظراً لاصرار الإدارة الأمريكية على نشر الفوضوية في التفكير وتبني الملاحقات التي لا تستند للقانون والعدالة، ولقد بات واضحاً - لدى الانسان العادي في العالم كله أن الإدارة الأمريكية ليست جادة في الاصلاح العالمي بل تسعى لمزيد من السيطرة وضرب الاستقرار في أماكن عديدة من العالم وكأن الانسان المؤهل للحقوق هو الانسان الأمريكي فقط!
لذا فإننا نؤكد أننا - نحن المسلمين - نمتلك امكانية لفهم كل أساليب التعامل المناسبة لمواجهة الخيارات التي يرسمها طرف ما، ومن المؤكد أننا سنكون الأكثر استعداداً لاحترام الأخلاق والعدالة وفي الوقت ذاته الأكثر استعداداً للتضحية إذا اقتضى الأمر.
وفي هذا يقول أحد شعرائنا:


لي وإنْ كنت كقطر الطَّلِّ صافي
قصفة الرعدِ وإعصار السوافي
أتحاشى الشرَّ جهدي فإذا ما
لجَّ في عسفي تحداه اعتسافي
خلقٌ ورَثَّنِيهِ أحمد
فجرى ملءَ دِمائي وشِغافي
لم يغيره على طول المدى
بطشُ جبار ولا كيدُ ضعافِ
والحمد لله أولاً وآخراً.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved