Wednesday 19th march,2003 11129العدد الاربعاء 16 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مَجَانِي.. وأمَاني.. من أرض «القُنفُذة»! مَجَانِي.. وأمَاني.. من أرض «القُنفُذة»!
حماد بن حامد السالمي

بينما تتوسد محافظة القنفذة، مساحة جغرافية كبيرة تقدر بحوالي «000 ،40» كيل مربع، تتوزع بين سهل ساحلي طويل، وسهوب تهامية ممرعة، وسفوح جبلية مخضرة، فإن حاضرتها التاريخية، مدينة «القنفذة» تتوسط الطريقين، البري والبحري، بين مدينتي جدة وجازان، عند نقطة «350» كيلاً.
في زيارتي الثالثة لمحافظة القنفذة، وقفت على أكثر من مفاجأة مدهشة، تخبئها هذه المدينة الساحلية الجميلة، التي يرى بعض أبنائها من المثقفين، أنها «القنفدة»! بدال مبهمة غير معجمة، وينعتها أهلها كافة، بما ينعت به المحبون من يحبون في العادة، فهي «غادة الجنوب» وهي «لؤلوة الساحل»، وهي «عروس تهامة».. وهي كذلك، «بندقية الساحل الغربي»! كما قال بذلك مدير التعليم الأستاذ «إبراهيم بن علي الفقيه» وهي عندي أنا.. تستحق أكثر مما يقول هؤلاء جميعاً، وهي أكبر مما يظن أولئك! أعني الذي لم يروها بعد، ولم يقفوا على شاطئها الذهبي عند الشروق أو عند الغروب، ولم تدغدغ مسامعهم، وشوشات موجات البحر، وهي تربت على الرمل برفق وحنان، وهؤلاء بالطبع، لم يحضوا ذات يوم، بلقاءات حميمة، مع نوارس بحر القنفذة، عند بحيرتها الجديدة، أو بجانب تلك الطاحونة العتيقة! ولم يمتعوا أنظارهم، بمرأى الحقول الخضر في وديانها، ولم يشتموا روائح الكادي، والياسمين، والرياحين، في القُنْع، أو في القوز وحلي، أو في شعاب العرضيتين.
هناك أكثر من مفاجأة سارة، كانت في انتظاري في القنفذة، وذلك بعد آخر زيارة لي إليها عام 1413هـ، فمن بين هذه المفاجآت، تصالح القنفذة مع بحرها بعد طول جفاء! وواكتشافها لذاتها، «التاريخية والجمالية والسياحية»، ربما بعد طول تناس منها وجهل منا! ثم شبابها المتجدد مع الأيام، وفتوتها العارمة، التي جعلتني أظن لأول وهلة، أني أدخل مدينة ساحلية غير القنفذة التي عرفتها منذ عشر سنين!. سوف أدع تفاصيل الكلام، على القنفذة الجديدة، إلى ما تنقله إليكم صفحات «حدود الوطن» بعد أيام، لأني هنا، من أجل الحديث، عن «المجاني» الكثيرة التي تزخر بها محافظة القنفذة، وكذلك «الأماني» المخلصة الجليلة، التي تسكن أفئدة «نصف مليون نسمة» هم سكان محافظة القنفذة.
في أرض القنفذة، مجاني عديدة، يمكن أن تتحول إلى مكاسب وطنية عدة، فإلى جانب مجانيها الزراعية والرعوية والسمكية، هناك من الركائز، ما يدعم مكانتها كمحافظة كبيرة، لتدخل بها مصاف المناطق الإدارية لا المحافظات فقط، فهناك مجاني «سياحية وتاريخية واثارية وتراثية وثقافية».. كل هذه المجاني الجمة، تدعم الأماني العذبة، التي تراود كافة أبنائها، وهي بكل هذا الكم والكيف الذي رأينا، إنما تحفز على البوح بها، والسعي، لتحقيقها في المستقبل القريب إن شاء الله.
في محافظة القنفذة يا سادة يا كرام، زراعة واسعة، لا تتوقف على ما اشتهرت به من «دخن وذرة وقمح وسمسم»، بل تمتد لتشمل الفواكه والخضار، وتشمل بتميز وتفرد، زراعة الزهور العطرية، مثل «الكادي والرياحين».. وغيرها.
وفيها كذلك، ثروة حيوانية، «رعوية» كبيرة، إلى جانب تميزها في التنحيل، وانتاج مختلف أنواع الاعسال.
وفيها ميناء تاريخي مشهور، كان مرسى وفرضة معروفاً منذ مئات السنين، وظل يعمل ويستقبل حجاج شرقي آسيا، إلى ما قبل سبعين عاماً.
وفي القنفذة، ثروة سمكية غير مستغلة كما ينبغي، مع أنها كانت من أوائل المدن الساحلية المشهورة بالصيد على البحر الأحمر.
وفي القنفذة، من المعالم الجمالية الطبيعية والأثرية، ما يؤهلها لمكانة سياحية مهمة في المستقبل، فهذا ساحل هادئ نظيف، وخلفه في الماء، أرخبيل من الجزر الجميلة، وعلى اليابسة، أودية مخضرة في معظم شهور العام، وجبال تكسوها الأشجار المتنوعة، إلى جانب تراث معماري ثمين، قمين بالدراسة والتمعن، في مقدمته، مدينة «عَشَم»، التي يعود تاريخها، إلى ما قبل الإسلام، ثم هنا وهناك، منظومة من قرى تاريخية، وحصون حجرية، تتسنم القمم الجبلية، هي غاية في الجمال.
وفي هذه القنفذة كذلك، مجاني من تراث شعبي فني لم يستغل بعد، وانتاج أدبي وثقافي، لم يظهر إلى العيان بما يكفي، إلى جانب مجاني رياضية وفنية، قوامها «150 ألف طالب وطالبة» من الشبيبة، يمكن أن تكون شيئاً مذكوراً في يوم من الأيام.
تلك مجانيها العديدة.. ما أعظمها وما أحلاها.. فما هي أمانيها يا ترى؟
إن ما تزخر به أرض القنفذة، وهي اليوم محافظة من كبريات المحافظات في المملكة، يؤهلها لأن تتبوأ مكانة عالية لائقة بها وبأبنائها المجدين المخلصين لوطنهم، المعطين من جهدهم وابداعهم، ما يستحق الذكر والشكر، وقد التقيت بكافة أطياف المجتمع «القنفذي» هنا، وسوف ألخص ما استطعت، ما تتطلع إليه في المستقبل، من أجل تحويل هذه «الأماني» التي تعتلج بها نفوسهم، إلى «مجاني» فعلية حقيقية، ترفد الوطن والمواطنين، بكل خير وأمن وعز ورخاء.
من أمانييهم في أرض القنفذة على سبيل المثال:
1- بعث الميناء التاريخي في مدينة القنفذة، إن إعادة تشغيل هذا الميناء التاريخي، الذي لا يبعد عن مكة كثيراً، وكان فرضتها البحرية قبل مئات السنين، سوف تلتقي أكثر من حجر في بركة النشاط التجاري والصيد البحري، وتحمي طريق السيارات الطويل، من جور آلاف الشاحنات التي تعبره محملة بالنفط، وتحد من حوادث الطرق، وتسهم في السياحة البحرية.
2- انشاء المطار الاقليمي: إن انشاء مطار اقليمي في مدينة القنفذة، هو من الضرورة بمكان اليوم، خاصة وأن أقرب مطار إليها، هو على بعد «350» كيلاً، والنمو السكاني يرتفع، وحركة التنقل تتسارع، والأمر يقتضي هنا، العمل على دراسة وتنفيذ هذه الفكرة بسرعة للاسهام في دفع حركة النمو التي تشهدها القنفذة، ولخدمة مئات الآلاف من ابنائها، الذين ينتشرون للعمل، في كافة مدن المملكة، إن حاجة القنفذة إلى مطار اقليمي، هي بأهمية حاجتها إلى بعث وتنشيط مينائها، لأن القنفذة، هي من أقدم المدن الساحلية التي أهتم بها الملك عبدالعزيز «رحمه الله» وخصص لها امارة، وعين لها أميراً من قبله منذ العام 1343هـ وجعلها ميناء لحجاج بيت الله الحرام في ذلك الوقت.
3- تنشيط السياحة، لأن القنفذة تملك جغرافية متباينة، فهي بيئة «بحرية سهلية جبلية»، وهي من المحافظات التي تفرض نفسها بكفاءة في هذا الميدان، ومن المهم هنا، العمل على توجيه الاستثمار في السياحة، وبخاصة، السياحة البحرية، فجزيرة مثل جزيرة «أم القماري»، أو «جبل الصبايا»، هما من الكنوز السياحية التي تقبع في بحر القنفذة، دون استغلال حتى اليوم، وبمحاذاة الساحل، تنتشر الحقول بكافة أنواع المزروعات «المُقَنَّع»، بكل شجر ونبت أخضر، ثم إذا نحن توغلنا إلى العرضيتين في الصدر الجبلية، دخلنا في طبيعة جغرافية غاية في الجمال، وفيها من القرى التاريخية، والآطام الحجرية، ما هو مدهش حقيقة.
4- بناء السدود: إلى متى وأرض القنفذة، تخضع لسطوة أودية كبيرة، مثل «دوقة - الأحسبة - قَنَونَا» - بَيَه - حَلِي»..؟! إنها أودية عظيمة، ترفدها أخرى كثيرة، وأطوالها بمئات الكيلات، أما سيولها، وهي مباغتة، سريعة، وحادة الجريان، فتذهب إلى البحر! لا يستفاد منها البتة! في حين، أنها تتسبب في طمر قرى سكنية، وتهجير أهلها، واتلاف مزارعهم! إن بناء السدود على هذه الأودية العظيمة، سوف يحقق فوائد جليلة لهذه المحافظة الكبيرة، فهل تستجيب وزارة المياه؟ وهي بهذا الأمر جديرة بطبيعة الحال.
5- توطين التعليم العالي: يوجد في القنفذة اليوم «600» مدرسة، بها «150 ألف» طالب وطالبة، وحتى اليوم، ليس بها سوى كلية للمعلمين وأبناء وبنات هذه المحافظة، يذرعون المدن الأخرى، بحثاً عن مقاعد دراسية لهم في جامعاتها ومعاهدها .. ووجود كليات زراعية وبحرية وحرفية وغيرها، من أولى الواجبات في هذا الشأن.
6- العناية بالأدب والثقافة والفن: في مجتمع قوامه (نصف مليون نسمة)، لايوجد حتى اليوم أي نادٍ أدبي، أو جمعية للثقافة والفنون، أو حتى نوادي رياضية نشطة، والمتتبع للأصوات الأدبية والثقافية والإبداعية في هذه المحافظة، يجدها عالية متميزة، ومنها علماء في التاريخ والطب، وشعراء وأدباء وإعلاميون وفنانون مبرزون، وفي هذا دلالة واضحة، على استعداد المجتمع القنفذي للعطاء والإبداع، ومن واجبنا هنا مقابلة هذا الزخم المبهج، بما ينمي إبداعاته، ويزيد من عطاءاته، ويخدم ميوله في هذه الجوانب الإنسانية كافة.
إن أرض القنفذة، هي واسطة العقد التهامي الجميل، الزاخر بالخير والنماء والعطاء، وهي من الديار التي زارها المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد وقف بسوق (حَبَاشَة) الشهير، جهة العرضيتين، واتجر فيه ثم مدح صلى الله عليه وسلم تهامة هذه، في حديث نصه: (تهامة كبديع العسل، حلوا أوله حلواً آخره)، قال ابن منظور في لسان العرب:(شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بزق العسل، لا يتغير هواؤها، فأوله طيب، وآخره طيب، وكذلك العسل، لايتغير).. والأمر كذلك في تهامة، فصول السنة فيها كلها طيبة غداة، وليلها أطيب الليالي، لا يؤذي بحر مفرط، ولا قر مؤذٍ، وقد وصفت امرأة عربية تهامة، فقالت وهي تصف زوجها: (زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا وخامة، ولا سآمة)..!
ولعمري.. أن هذه العربية، هي ممن يحسن الوصف، فتهامة هي كما قالت، وهي كما يقول أبناؤها الذين ما انفكوا يعزفون ألحانها شعراً ونثراً على رؤس الأشهاد، فهذا (شاعر تهامة) المشهور، الأستاذ (حمزة بن أحمد الشريف)، قائماً على عشقها وهو سعيد، واقفاً على أبواب تاريخها المجيد، منشدأ بحبها التليد، عارفاً لغة نوارسها البحرية، ناسجاً من حماحم رياحينها، وبتول كواديها، أجمل قصائد الحب والعشق، صانعاً من جبالها وسهولها وشواطئها، قناني عطر نفاذة اسمها:(عطر تهامي)،
فيقول فيها:


تهامة .. يارؤى الإلهام رافقني
هذا الشذا.. وله بالليل تأويب
تقول رباه.. للآهات أغنية
وللذين تناهوا في الهوى ذوبوا
وللذين .. رشاش العطر يأسرهم
خذوا البقايا .. ومن آهاته توبوا

وإلى لقاء قريب، في ميناء القنفذة، أو في مطارها الجديد، أو في حقولها الخضر، وقد أصبحت وأهلها، تشرب من مياه سدودها، لا من مياه البحر المحلاة..!
fax: 027361552

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved