Wednesday 19th march,2003 11129العدد الاربعاء 16 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دقات طبول الحرب المتسارعة .. وموسيقى السلام الهادئة دقات طبول الحرب المتسارعة .. وموسيقى السلام الهادئة
د. عبدالله بن سالم الزهراني

حرب قادمة مدمرة هدفها المعلن تدمير أسلحة الدمار الشامل بحجة وبمبرر غير منطقي وغير معقول وهي أنها تشكل تهديداً على الولايات المتحدة الأمريكية والحضارة الغربية بشكل عام ولذا فإن الولايات المتحدة ترى أن مبررها هو الدفاع عن النفس وعن تلك الحضارة.
إنها حرب لم تعد تحتمل التأجيل كما يتداوله الساسة الأمريكيون وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ويتداوله الساسة البريطانيون وعلى رأسهم رئيس الوزراء توني بلير.
إن السبب المعلن هو أن النظام العراقي كما يقولون أعطي مهلة 12 عاما لنزع أسلحته وهو لا يزال يراوغ ويناور، ولكن السبب الحقيقي لتعجيل الحرب هو الخوف من زيادة حدة الانقسام ليس فقط في الأمم المتحدة ولكن بين ضفتي الأطلسي مما قد يقود إلى عدم التدخل العسكري. وسبب آخر هو التهديد الذي يواجهه بلير من اعضاء حزبه والمعارضة. وسبب آخر هو التكاليف التي تصرف على هذه القوات المحتشدة وهي باقية دون أن تشن الحرب.. وفوق هذا وذاك السبب الخفي البعيد المدى والذي يتمثل في تأكيد القوة والنفوذ والسيطرة الأمريكية على العالم برمته دون منافس وجعل العراق أنموذجاً وتجربة لغيره ممن يحاول أن يعارض هذا القطب المتفرد. ورغم أن الأهداف المعلنة غير مقنعة وغير شرعية وبرغم المعارضة العالمية المتزايدة ورغم إمكانية عدم صدور قرار يجيز استخدام القوة إلا أن الولايات المتحدة وبريطانيا سيحسمان أمر الحرب والتصميم عليها وإعداد اللسمات الأخيرة لها.. إنها حرب تفتقر لأخلاقيات الحرب وشرعية الحرب وضعف أهدافها على الأقل المعلنة.
لقد ارتفعت أصوات المعارضة لهذه الحرب من العديد من الساسة الأمريكيين وعلى رأسهم جيمي كارتر كما أن هناك العديد من الكتَّاب والصحفيين والقانونيين وأساتذة الجامعات قالوا إن أمريكا في حالة شنها للحرب ضد العراق فإنها بذلك تهدم كل أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان ومبادئ حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة. لقد واجه المتحدث باسم البيت الابيض فلايشر يوم الجمعة الماضي العديد من الأسئلة التي راوغ فيها كثيراً ولم يحاول الإجابة عليها ومن ضمنها، سؤال يقول كيف تشنون حرباً على العراق بداعي نزع أسلحة الدمار الشامل وهناك العديد من دول العالم الأخرى لديها مثل هذه الأسلحة بما فيها الولايات المتحدة؟ ثم لماذا لا تدعمون فرق التفتيش وتعطونهم مزيداً من الوقت؟ لماذا الخراب والدمار في الوقت الذي يمكن إعطاء فرصة للدبلوماسية؟.
وهناك العديد من الأسئلة على كل حال يمكن طرحها؟ لماذا لا يتم حوار مع العراق مع الولايات المتحدة ومن خلال أطراف عديدة مثل ما تطالب به أمريكا مع كوريا وهي التي تجرب إطلاق الصواريخ وتتوعد أمريكا بضرب كل مدنها؟ لماذا التصميم على تدمير العراق وبنيته التحتية؟ لماذا لا يتم الحوار من أجل الديمقراطية في العراق وتستغل هذه الضغوط العسكرية للإصلاح في العراق وإدخال تغييرات جوهرية ديموقراطية في العراق إذا كانت الولايات المتحدة حنونة وعطوفة على الشعب العراقي كما تدعي؟.
الولايات المتحدة تود أن تقوم بحرب سريعة وبأقل التكاليف على القوات الأمريكية والبريطانية ولكن هذه الحرب السريعة ستحطم العراق ليس فقط بنيته التحتية بل ستدمر شعب العراق الذي تتباكى عليه أمريكا ستدمر العقول العراقية. الولايات المتحدة لن تبذل جهدا في منع اندلاع حرب أهلية بين العراقيين بل ستحاول ضرب العراقيين ببعض منذ انطلاقة الرصاصة الأولى وتوظف مبدأ «فرق تسد». الولايات المتحدة تعرف كماً من العرقيات والطوائف بالعراق وستستغل هذا الجانب للإقاع بالعراقيين أملاً في إضعاف مقاومتهم فيما بعد للتواجد الأمريكي.
ستتيح الحرب أن يختلط الحابل بالنابل وتبدأ تصفية الحسابات بين العرقيات والطوائف. سوف تسيل الدماء وتثخن الجراح بين العراقيين أنفسهم تحت مرأى ومسمع ومباركة من الأمريكيين والبريطانيين وهذا مما يسهل مهمتهم. ولم يكن بعيداً مما حصل في أفغانستان بين الفرق المتناحرة من أتباع دستم وغيره. ليس بعيدا ما حصل لأتباع طالبان والقاعدة من موت جماعي متعمد في الشاحنات وما حصل من إبادة جماعية لحوالي 600 شخص في تلك القلعة المشؤومة في مزار شريف وكذلك التصفيات التي حصلت في كابل وقندهار وغيرها سيكون السيناريو في العراق أنكأ وأشد وطأة مما كان عليه الحال في أفغانستان.
ستحاول بريطانيا والولايات المتحدة تجربة أسلحة أشد فتكا من الأسلحة التي جربتها في الحروب السابقة ضد العراق وغير العراق وسيكون الدمار هائلا وستكون نتائج استخدام العديد من الأسلحة المتنوعة ذو نتائج بعيدة المدى على الأجيال القادمة.
عندما تعرض وسائل الإعلام المختلفة على شاشاتها وصفحاتها لموت عشرات الآلاف من المدنيين العراقيين إن لم يكن مئات الآلاف ستكون التبريرات جاهزة في وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية بالقول بأننا نأسف لسقوط المدنيين وإن ما يحصل من موت لأبرياء هو أمر طبيعي لأنه من الصعب الوصول إلى الأهداف المنشودة دون سقوط أبرياء.
إن التكلفة الاقتصادية لهذه الحرب ستكون باهظة وستكلف مئات المليارات من الدولارات للدول المشاركة مباشرة كما أنها ستكلف اقتصاد العالم مئات المليارات من الدولارات في الأسهم والكساد الاقتصادي وتراجع النمو الاقتصادي في كل دول العالم.
فهل تستحق هذه الحرب أن تكلف العالم هذا التراجع الاقتصادي المخيف؟ أليس من الأجدر الدعوة إلى الإصلاح الديمقراطي في الدول المختلفة كما هو العراق بالوسائل السلمية؟.
لقد صمدت فرنسا وتزعمت جبهة الرفض لهذه الحرب وأصرت على التمسك بهذا الرفض وأصرت على أن يكون الحل بالطريقة السلمية وأعلن الرئيس شيراك عن أن اللجوء إلى الحرب يعني الفشل في السياسة والدبلوماسية الأمريكية ويرى أن مبررات الاستمرار في الجهود الدبلوماسية هي أكثر من مبررات اللجوء إلى الحرب خاصة وأن التفتيش على أسلحة العراق بدأ يثمر وبدأ العراق في إبداء قدر كبير من التعاون.لقد وقفت جميع الدول العربية بما فيها دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية في صف البحث عن حل سلمي ومحاولة منع اندلاع هذه الحرب لإيمانها بخطورة نتائجها على العراق بشكل مباشر وعلى استقرار المنطقة وعملية السلام في الشرق الأوسط بشكل عام.
كما أن أغلب دول العالم تعارض هذه الحرب لعدم اقتناعها بالمبررات والأهداف ولإيمانها بإمكانية الحل السلمي. كل دول العالم تقف مع مبدأ الحلول الدبلوماسية وضد مبدأ الحرب أو على الأقل جعله الملاذ الأخير بعد استنفاذ الجهود الدبلوماسية باستثناء الولايات المتحدة وبريطانيا وأسبانيا.
كل دول العالم ما عدا تلك الدول الثلاث تؤمن بأن الجهود الدبلوماسية لم تستنفذ بعد ولكن الرئيس بوش وبلير يقولان بعكس ذلك وأن التدخل العسكري أصبح حتمياً.
الولايات المتحدة وبريطانيا تمارسان الضغط على كل دول العالم بالترغيب والترهيب للدخول معها في تحالف ودول العالم تنشد مبررا قانونياً يخرج من الأمم المتحدة من مجلس الأمن ولن يخرج هذا القرار.
الولايات المتحدة تعد دولاً بمساعدات ومكافآت مثل تركيا والكيان الصهيوني ولكن دولاً أخرى كدول المنطقة ستتحمل تبعات اقتصادية خطيرة حيث سيتأثر النمو الاقتصادي وليس مستبعداً أن تطالب الولايات المتحدة دول هذه المنطقة بالمساهمة جزئياً في تسديد نفقات هذه الحرب كما حصل في حرب الخليج الثانية وربما تطلب دعماً من هذه الدول لإعادة إعمار العراق بعد الحرب.
لا اعتقد أن الولايات المتحدة وبريطانيا تستمع إلى الرأي المعارض وهو الأكثر صوابا ولكن حسابات التنظير قد تختلف عند التطبيق. الولايات المتحدة تقول بحرصها على وحدة أراضي العراق بعد الحرب ولكن الأكراد يرفضون دخول تركيا إلى شمال العراق وفي هذه الحالة ستدخل تركيا إلى شمال العراق وتستغل البترول إلى ما شاء الله لتحل أزمتها الاقتصادية وتمنع قيام دولة كردية.
سيطرة الولايات المتحدة على العراق ستضر كثيراً بمصالح فرنسا وروسيا في العراق حيث أن لروسيا مشاريع بترولية بمليارات الدولارات وكذلك الحال فرنسا. اقتسام الكيكة في العراق لن يكون عادلا وبالتالي ستسعى العديد من الدول ذات المصالح في العراق إلى مناهضة السياسة الأمريكية. سيتفكك التحالف ضد الارهاب ويحل بديلا عنه التحالف ضد السياسة الأمريكية وسيضيع جهد الولايات في أفغانستان وسيتبعه ضياع جهدها في العراق وخاصة إذا طال بقاؤها في العراق.
الشعب العراقي لن ينتقل من خازوق إلى خازوق وسيقاوم الوجود الأمريكي إن ظهرت بوادر البقاء والاستعمار وسيجد نصيراً من كل شعوب الدول العربية والإسلامية ودول العالم الحر.
لا شك أن النظام العراقي دموي ودكتاتوري وأنه شن عدوانا ظالما على الكويت ودخل في حرب مع إيران وفيه كل العبر ولكن لا شك أن شارون وحكومته أكثر دموية وعنفا وتسلطا وتجبرا على الفلسطينيين.
لم نر في العراق بيوتا تهدم إلا من القاذفات الأمريكية ولكن المؤكد أن هناك سجناء سياسيين وهناك العشرات وربما المئات أعدمهم النظام العراقي في الخفاء.
وفي الوقت نفسه نرى شارون وطغمته يوميا يذبحون القيادات الفلسطينية المناضلة وينسفون المنازل ويهلكون الحرث والنسل والزرع والضرع على مرأى ومباركة من أمريكا وبريطانيا..إن هذا يدفع إلى النظرة بالشك والريبة إلى الدوافع الأمريكية الخفية في اعتزامها القيام بحرب ضد العراق.سيزداد الهوة والكراهية للسياسة الأمريكية في حالة استمرار تجاهلها لما يقوم به شارون واستمرار احتلالها للعراق ولن تنطلي على العالم طرح خارطة الطريق الغامضة في هذه الأيام وستظل حبرا على ورق، ولكن المؤكد أن النضال الفلسطيني سيستمر وربما يبدأ نضال الشعب العراقي ضد التواجد الأمريكي إذا اكتشف سوء النية في التوجه الأمريكي.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved