Wednesday 19th march,2003 11129العدد الاربعاء 16 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

عواقب تدمير أمريكا للنظام الدولي عواقب تدمير أمريكا للنظام الدولي
هيلينا كوبان (*)

من المؤكد أن المعركة القادمة التي يستعدالرئيس الأمريكي جورج بوش لخوضها حتى الموت ضد الرئيس العراقي صدام حسين سوف تؤدي إلى اضطرابات واسعة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، ولكن الأخطر من هذا أن هذه الحرب إذا قامت بدون تفويض من مجلس الأمن الدولي فإنها تهدد العالم كله ليس فقط بتدمير النظام الدولي الذي قام منذ أكثر من 58 عاما وكانت الأمم المتحدة محوره ولكن أيضا نمط العلاقات الدولية الذي تطور على مدى القرون الأربعة الماضية.
فهذه الحرب بهذه الظروف سوف تعيد البشرية إلى عصور غابرة كانت فيها «القوة هي الحق» في العلاقات الدولية، وفي عالم كهذا فإن الحياة البشرية تصبح همجية وبشعة وقصيرة. والحقيقة أن التهديد الذي يواجهه النظام القائم على وجود الأمم المتحدة بات خطيرا جدا.
بالقطع ارتكبت الأمم المتحدة الكثير من الأخطاء وما زالت تعاني من قصور كبير، وبالفعل ارتبطت الولايات المتحدة بعلاقات متوترة أحيانا بالأمم المتحدة على مدى سنوات، ولكن بالنسبة للأغلبية الساحقة من شعوب العالم فإن الأمم المتحدة تمثل نموذجا للمساواة القومية وتجسيداً لرغبتهم في تسوية الصراعات الدولية بدون حروب وفي آلاف الأماكن على مستوى العالم تقدم الأمم المتحدة الخدمات الإنسانية الأساسية مثل الطعام والرعاية الصحية ومياه الشرب والمأوى وذلك في الدول التي تعجز حكوماتها عن توفيرها لشعوبها.
كما تلعب الأمم المتحدة دورا مهما في عمليات حفظ السلام خاصة في المناطق الملتهبة من العالم مثل الحدود العراقية الكويتية على سبيل المثال، وهذه القوات الدولية تلعب دورا مهما في حفظ السلام وتهدئة التوترات الدموية.
والرئيس الأمريكي جورج بوش يقول باستمرار عندما يصل الأمر إلى أمننا فإننا لا نحتاج لتصريح من أي أحد وهذا لا يعني سوى أنه يستعد لشن الحرب ضد العراق بدون تفويض من الأمم المتحدة، وإذا ما فعل الرئيس بوش هذا فإنه يكون قد أطلق سلسلة من الأفعال وردود الأفعال يمكنها خلال شهور وليست سنين قليلة أن تدمر الأمم المتحدة وكل أفعالها الجيدة وكل القيم التي تمثلها.
وهناك الكثير من المؤسسات الدولية التي تعتمد على الكيان السياسي الجوهري الذي تجسده الأمم المتحدة، وتدمير هذا الكيان يمكن أن يكون له تأثيرات كارثية متتالية، ولن يقتصر الثمن على برامج المعونات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة إلى ضحايا الجوع حول العالم ولا لعمليات حفظ السلام التي تقوم بها في مناطق الصراع، وإنما سيكون الثمن هو غياب العديد من المنظمات الدولية التي تلعب دورا مهما في الحفاظ على كوكب الأرض كمكان يصلح للحياة بصورة مقبولة من الأمان.
في مقدمة هذه المنظمات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة تتولى مراقبة البرامج النووية المثيرة للشبهات حول العالم حتى تمنع انتشار الأسلحة خارج إطار دول النادي النووي المعترف بها. ولكن هل يمكن أن تظل هذه المنظمة قائمة إذا ما اختفت المنظمة الأم وهي منظمة الأمم المتحدة؟
المنظمة الثانية هي صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وهي منظمات ترتبط بمنظمة الأمم المتحدة لذلك فهي مهددة أيضا بالدمار، لذلك أليس تدميرالأمم المتحدة هو تدمير لهذه المنظمات التي تلعب دورا محوريا في النظام الاقتصادي العالمي؟ فهل الرئيس بوش مستعد لتحمل هذه النتائج الخطيرة؟
وقد أشار السكرتير العام للأمم المتحدة إلى أن قيام الولايات المتحدة بشن الحرب بدون تفويض من مجلس الأمن ستكون انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة وستكون هذه الحرب بدون شرعية، ولكن عنان وبسبب ضعفه أمام الولايات المتحدة استطرد يقول إن الولايات المتحدة ليست مجرد عضو آخر في الأمم المتحدة، إنها قوة عالمية عظمى وتسيطر على التوازن السياسي والاقتصادي الاستراتيجي، وإذا ما قامت قوة بحجم الولايات المتحدة بتقويض نظام الأمم المتحدة بهذه الصورة الخطيرة فإن نظام الأمم المتحدة ككل يصبح في خطراً ومع احترامي للجابونيين فإن الولايات المتحدة ليست الجابون والحقيقة أن أمريكا لها سوابق كثيرة في تفكيك المنظمات الدولية، فقد حدث هذا مع عصبة الأمم في أواخر الثلاثينيات ولكن حتى هدم عصبة الأمم احتاج إلى عدة سنوات ولكن من الواضح أن هدم الأمم المتحدة لن يستغرق أكثر من شهور، كما أن تفكيك الأمم المتحدة اليوم يمثل تهديدا بنزع الكثير من عوامل الاستقرارالدولي والعودة بالإنسانية قرونا للوراء.
وحتى إذا كان بوش يعتزم إعادة تشكيل العالم وفقا للتصور الأمريكي بداية بالعراق فإن الحقيقة أن هذه الخطوة الأمريكية سوف تعود بالعالم إلى ما قبل 1600، ففي ذلك الوقت حاول عدد كبير من حكام أوروبا الشمالية فرض معتقداتهم على جيرانهم في الحرب التي عرفت باسم حرب الثلاثين عاما.
وقد كان الفيلسوف توماس هوبز معاصرا لهذه الحرب وكان يعرف أن الحياة البشرية تصبح أبشع وأقصر. وقد انتهت هذه الحرب بتوقيع معاهدة ويستفاليا، وكانت هذه المعاهدة أول ترسيخ لمبدأ «عش ودع الآخرين يعيشون»، وهو ما يعني حق الدول المتجاورة في الحياة بغض النظر عن الاختلافات العقائدية.
وقد تعهد الموقِّعون على هذه المعاهدة بعدم محاولة فرض معتقداتهم على جيرانهم بالقوة ولكن من حقهم فرض معتقداتهم على رعاياهم.
وينتقد الليبراليون معاهدة ويستفاليا لأن قاعدة «عدم التدخل» الدولي تسمح لديكتاتور مثل صدام حسين بقمع شعبه بدون أي جهد دولي لوقف هذا القمع. ولكن هؤلاء يتجاهلون أن عدم التدخل الدولي هو الذي سمح للدول التي كان بها حركات ديموقراطية بالنمو والازدهار الديموقراطي، وبدون مثل هذه المعاهدة فإن مثل هذه الدول الديموقراطية اليوم يمكن أن تكون هدفا مستباحا من جانب جيرانها.
واليوم أيضا تمثل تهديدات الرئيس الأمريكي جورج بوش بشن الحرب ضد العراق تهديدا خطيرا للنظام الدولي الجماعي الذي وضعت معاهدة ويستفاليا أسسه قبل نحو أربعة قرون.
ويعبر بوش عن اعتقاده بمعرفة ما هو الخير لكل إنسان في العالم، بالإضافة إلى إصراره على حقه في التحرك بدون تصريح من أحد.
ولعل الكثيرين من الأمريكيين ما زالوا يتذكرون الجهد السابق الذي بذله رئيس أمريكي أسبق شهير لاستخدام القوة العسكرية لفرض الديموقراطية على دولة أخرى كان هذا الرئيس هو ليندون جونسون عام 1968 في فيتنام وهي الحرب التي تحولت إلى مأساة أمريكية ما زالت ذكراها حية في عقولهم. وفي عام 2003 نجد أن الرئيس جورج بوش يحاول بذل جهد مماثل لفرض الديموقراطية في العراق من خلال القوة وهو الجهد الذي يمكن أن ينتهي بنفس نهاية تجربة فيتنام وهي الفشل الذريع ولكن ربما يكون الثمن هذه المرة أفدح لأن العالم كله سيدفعه من استقراره وإنسانيته.
وختاما على الرئيس بوش أن يتراجع عن هذا الطريق الخطير.

(*) محللة سياسية ومؤلِّفة لخمسة كتب في الشئون الدولية. خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص ب «الجزيرة»

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved