Wednesday 19th march,2003 11129العدد الاربعاء 16 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الفقر في العالم الثالث الفقر في العالم الثالث
د. زيد بن محمد الرماني (*)

إننا نعيش في عصر الفقر العالمي مع ظهور المجاعات على نطاق واسع ومع عودة الاوبئة الفتاكة وانهيار القطاعات الانتاجية في البلدان النامية وضمور برامج الرعاية الصحية والاجتماعية فيها.
وللاسف فان هناك محاولات من الوكالات الدولية الكبرى الثلاث «البنك الدولي،وصندوق النقد الدولي، وبرنامج الامم المتحدة للتنمية» لتشويه الحقائق والتلاعب بالبيانات وبمعايير الفقر من اجل تقديم صورة افضل للعالم.
بدأت عولمة الفقر في العالم الثالث متزامنة مع حدوث الهجمة العنيفة لأزمة الديون. وقد امتدت منذ التسعينات لتشمل جميع المناطق الاساسية في العالم.
كما انتشرت المجاعة وطالت جانباً كبيراً من السكان في العالم فحسب. تقدير الامم المتحدة فان 23 مليون انسان في القرن الافريقي فقط معرضون في الواقع لخطر المجاعة.
يقول مايكل تشورسادوفسكي: تتفق الدول السبع الكبرى والمؤسسات الدولية بما فيها البنك الدولي على انكار المستويات المتزايدة للفقر العالمي الناشئ عن عمليات الهيكلة الاقتصادية، ويتم اخفاء الحقائق الاجتماعية والتلاعب بالاحصاءات الرسمية كما تقلب المفاهيم الاقتصادية رأساً على عقب.
يحدّد البنك الدولي وبعيداً عن المفاهيم المناهج التقليدية الاقتصادية المتعارف عليها لقياس الفقر يحدّد بشكل اعتباطي عتبة الفقر بدولار في اليوم، ويصنف فئات السكان ذات الدخل الفردي الذي يزيد على دولار واحد في اليوم على انها غير فقيرة.
ان مقياس دولار في اليوم لا يستند الى اساس منطقي ففئات السكان في البلدان النامية التي يصل دخلها الفردي الى دولارين او ثلاثة دولارات او حتى خمسة دولارات في اليوم، مازالت تعاني الفقر، وعدم استطاعتها تغطية النفقات الاساسية على الغذاء والمأوى والصحة والتعليم.
عندما تتحدد عتبة الفقر بدولار في اليوم يصبح تقدير مستويات الفقر العالمي والوطني مجرد مسألة حسابية، وتحسب مؤشرات الفقر بطريقة آلية ابتداء من فرضية الدولار في اليوم، ومن ثم تدرج المعلومات ضمن جداول جذابة تبين تراجعاً في مستويات الفقر العالمي مع حلول القرن الواحد والعشرين.
وهذه التنبؤات المتعلقة بالفقر تستند الى نسبة مفترضة من النمو في الدخل الفردي الذي يتضمن انخفاضاً مساوياً له ومتماشياً معه في مستويات الفقر.
ان الاطار الذي بني على فرضية دولار في اليوم ليس له اي معنى لأنه ابتعد عن دراسة وقائع الحياة الفعلية فمع غياب دراسة النفقات المنزلية على الطعام والمأوى والخدمات الاجتماعية والصحية، يصبح تقدير مؤشرات الفقر في الاطار الذي وضعه البنك الدولي مجرد مسألة حسابية.
واستناداً لبرنامج الامم المتحدة للتنمية فان التقدم في عملية التخفيض في الفقر عبر القرن العشرين مميز، ولذا استند مؤشر الفقر البشري التابع لبرنامج الامم المتحدة الى الابعاد الاكثر اهمية للفقر وهي قصر العمر وغياب التعليم الاساسي وعدم القدرة على استخدام الموارد العامة والخاصة.
بيد ان تقديرات برنامج الامم المتحدة للفقر البشري تعتبر نموذجاً اكثر تشويهاً من ذلك النموذج الذي قدمه البنك الدولي، ذلك ان تقديرات البرنامج لا تتوافق مع الحقائق المتعلقة بمستوى البلد المعني والتقديرات الوطنية للفقر.
ان المعايير المزدوجة هي الطاغية الواضحة في عملية قياس الفقر، فمعيار البنك الدولي بمقدار دولار في اليوم ينطبق فقط على الدول النامية، حيث لا يعترف البنك الدولي وبرنامج الامم المتحدة للتنمية بوجود الفقر في اوروبا وامريكا.
وأكثر من هذا، فان مقياس دولار في اليوم يناقض اصول البحث الثابتة التي تستخدمهاالحكومات الغربية والمنظمات الحكومية في تعريف الفقر في البلدان المتطورة وقياسه.
حيث تعتمد طرق قياس الفقر في الغرب على المستويات الدنيا للنفقات المنزلية المطلوبة للانفاق على الطعام والملبس والمسكن والصحة والتعليم.
وحقيقة الامر فان برنامج الامم المتحدة للتنمية والبنك الدولي للانشاء والتعمير لا يقومان بمقارنة بين مستويات الفقر بين الدول المتطورة والدول النامية.
ان الانخفاض العالمي في مستويات المعيشة ليس نتيجة ندرة الموارد الانتاجية كما كانت عليه الحال في فترات تاريخية سابقة ففي الواقع حصلت عولمة الفقر خلال فترة تقدم تقني وعلمي سريعين.
ففي حين اسهم التقدم العلمي في زيادة الطاقة الكامنة للنظام الاقتصادي لانتاج السلع والخدمات الاساسية، الا ان المستويات الواسعة للانتاجية لم تترجم الى تخفيض مماثل في مستويات الفقر العالمي.
وختاماً اقول.. ان التلاعب بأرقام الفقر العالمي تعيق المجتمعات الوطنية عن فهم نتائج المسار التاريخي الذي ابتدأ في بداية الثمانينات مع هجوم ازمة الديون. وقد غزا هذا الوعي الخاطئ جميع ميادين الحواروالنقاش، وبدورها فان قلة التبصر الفكري لعلم الاقتصاد السائد تعيق فهم الاعمال الحقيقية للرأسمالية الكونية واثرها المدمر على سبل عيش ملايين الناس.
وللاسف فان المؤسسات الدولية سارت وحذت مؤيدة الخطاب الاقتصادي السائد نفسه دون تقييم لتأثير عملية الهيكلة الاقتصادية على المجتمعات الوطنية، والتي تؤدي الى انهيار المؤسسات والى تزايد حدة الصراع الاجتماعي.

* عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود، عضو الجمعية العربية
للبحوث الاقتصادية، عضو جمعية الاقتصاد السعودية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved