Thursday 20th march,2003 11130العدد الخميس 17 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هل تغص الولايات المتحدة باللقمة العراقية؟ هل تغص الولايات المتحدة باللقمة العراقية؟

* بغداد د. حميد عبدالله:
ليس اعتباطاً أن تصر الولايات المتحدة على غزو العراق في هذه المرحلة، وفي هذه الفترة، وخلال الأيام القليلة القادمة تحديداً، فالوضع السياسي الدولي ينبىء بولادة نظام دولي جديد بدأ يظهر بوضوح تحت القشرة الشفافة للمشهد الدولي، وفي حالة اختراقه لهذه القشرة فإن فرصة الهيمنة المطلقة لأية قوة مهما كانت درجة تأثيرها ستكون ضعيفة أو معدومة.
وإذا كانت قوانين التاريخ لا تسمح باستمرارية بقاء دولة أو إمبراطورية على العرش الدولي من غير منافس الى الأبد، فان الولايات المتحدة تسعى الآن لان تطيل من فترة بقائها سيدة للعالم ولو لسنوات إضافية، وقد أدركت أن احتلالها للعراق، ووضع يدها على ثروته النفطية الهائلة، وتحكمها بشؤون واحدة من أكثر مناطق العالم أهمية وحساسية، وأعني بها منطقة الشرق الأوسط، سيمدها بمقومات تكفل لها البقاء على قمة الهرم الدولي، وان تزحزحت عنه قليلاً فستكون صاحبة التأثير الأكبر في شؤون العالم وشجونه.
* وما يجعلها تستعجل الزحف نحو العراق هو صلابة الموقف الفرنسي والروسي الذي شكل أبرز علامة لبداية بروز قطب دولي جدي سيشتد ساعده ويقوي عضده كلما ازداد التمادي والانفلات الامريكي، وطالما بقي الأمريكان يحتكمون الى القوة ولا يأبهون بسواها من خيارات وحلول.
* ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وانتهاء مرحلة التوازن، لم يجرؤ أحد من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن على استخدام حق الفيتو أو التلويح به، بل لم يجازف احد ويعترض طريق الوحش الأمريكي أو يقول له (لا) ولم يحدث أن أخفقت الولايات المتحدة في تمرير أي قرار في مجلس الأمن مهما كانت طبيعته وأهدافه وما يترتب عليه من نتائج، كما أن واشنطن لم تفشل في إجهاض ووأد أي قرار في المجلس يتعارض مع مصالحها أو مصالح حلفائها مهما كان موقف الأعضاء الآخرين من ذلك القرار، ومهما كان مستوى تحمسهم أو رفضهم له، فما الذي حدث ليدفع فرنسا وروسيا وألمانيا لشق عصا الطاعة على واشنطن، بل وتحديها، واعتراض طريقها في واحد من أهم الأهداف في استراتيجيتها!!
* ثلاثة عوامل أساسية تقف وراء التمرد الأوربي الروسي على واشنطن.
أولهما: شعور مر بالتهميش وفقدان الهيبة في المجتمع الدولي بسبب مصادرة واشنطن لمواقف الدول التي تسعى الى التمرد الآن.
وثانيهما: رأي عام شعبي ضاغط على حكوماته باتجاه تأكيد استقلاليتها السياسية عن واشنطن، فضلاً عن وجود ضغائن تاريخية في نفوس هذه الشعوب ضد نزعة التسلط والعدوانية الامريكية وخاصة لدى الشعب الألماني.
وثالثهما: إدراك هذه الدول لحقيقة أن واشنطن تريد أن تجعل من ثروات دول العالم الثالث الغنية غنيمة للأمريكان ولا تسمح لاحد كائن من كان أن يشاطرهم بها، ولا حتى أن يرفع صوته للمطالبة بحصة ولو متواضعة من تلك الغنيمة مما ولَّد إحساساً لدى فرنسا وروسيا خصوصاً بأن واشنطن تتبع سياسة قطع الأرزاق بعد أن أخذت تجاهر بقطع أعناق كل من تعتقد أنهم لا يقدمون فروض الطاعة والولاء لها، أو أولئك الذين ينأون ببلادهم بعيدا عن التبعية لواشنطن، أو من كان يجلس على كنز لا سبيل لواشنطن لوضع اليد عليه إلا بإزاحة صاحبه أو قتله كما هو الأمر بالنسبة للعراق.
ان جنون القوة كثيرا ما يدفع الأقوياء الى حافة الهاوية أو الهاوية نفسها، وجنون القوة الامريكية لا يدفع الولايات المتحدة الى الهاوية بل يدفع العالم كله الى علاقات بدائية بعد التخلي نهائيا عن الشرائع والقوانين الدولية. لكن ثمة قضية مهمة ينبغي ان لا تغيب عن البال وهي أن الولايات المتحدة تحتاج الأمم المتحدة ومجلس الأمن أكثر من أية دولة اخرى، لأنها، ومنذ انتهاء الحرب الباردة، استخدمت المنظمة الدولية في تحقيق جميع أهدافها، فقد استخدمت قرارات مجلس الأمن في تدمير العراق في حرب الخليج الأولى عام 1991م، وفي محاصرته لمدة 12 عاما، ونجحت في استصدار 740 قرارا خلال الفترة من 1990 2003م وظفت معظمها لخدمة المصالح الأمريكية، فيما لم تصدر الأمم المتحدة منذ تأسيسها عام 1945م وحتى عام 1990م سوى 700 قرار (دولياً) وهذا يعني أن واشنطن جيرت قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة لتحقيق أهدافها، وفي حالة عدم التزامها بقرارات مجلس الأمن، وخاصة في القضايا الجوهرية المتعلقة بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين، فان عودتها لتوظيف مجلس الأمن لتحقيق أهدافها يبدو أمرا صعبا، وهذا هو السبب الذي جعل الإدارة الأمريكية تبذل جهودا مضنية من اجل توفير غطاء دولي ولو مهلهل لغزو العراق، وهذا هو ما جعلها ترجىء هذا الغزو من شهر ديسمبر إلى شهر آذار الحالي.
ولو لم ير البيت الأبيض أهمية للغطاء الدولي لكانت الحرب على العراق قد نفذت ووضعت أوزارها منذ بضعة أشهر، على ان محاولة إفراغ الأشياء من أهميتها بات صفة لصيقة بالسلوك السياسي الأمريكي، واتساقا مع ذلك راحت إدارة الرئيس بوش الابن تقلل من أهمية موافقة مجلس الأمن على ضرب العراق، حتى أن بوش نفسه قال (بأن موافقة المجلس مهمة ولكن ليست ضرورية)، لكن هذا التجاهل لا يعبر عن حقيقة القناعة الأمريكية، لان الإدارة الأمريكية مستعدة أن تقدم الكثير من التنازلات والتضحيات مقابل الحصول على قرار دولي يجيز لها ضرب العراق، لان ذهابها الى الحرب منفردة يقوي من فرص واحتمالات بروز تكتل دولي مناوئ للنهج الامريكي بما يؤدي الى ظهور نظام دولي جديد، فضلاً عن أن المناخ الدولي لا يسمح لواشنطن بإكمال ابتلاع اللقمة التي اندفعت باتجاهها، وهي العراق فتبقى بين خيارين.. أما أن تغص بها أو تتخلى عنها!!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved