Saturday 22nd march,2003 11132العدد السبت 19 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بيتنا السعودي ومصلحتنا الوطنية.. أولاً بيتنا السعودي ومصلحتنا الوطنية.. أولاً
محددات صناعة القرار السياسي السعودي في الأزمة الحالية
د. علي بن شويل القرني(*)

بدأت صفحة جديدة ومرحلة مختلفة من مراحل الصراع الأمريكي/ العراقي في منطقة الخليج العربي.. وهذا هي المرحلة التي حاولت المملكة العربية السعودية وكثير من دول العالم الحيلولة دون الوصول إليها أو المرور من خلالها.. لأنها غير مرغوب بها، وغير مطلوبة في هذه المنطقة.. ولكنها جاءت.. ونحن نعيش الآن لهيبها ونخشى أن نكتوي بويلاتها لا قدر الله .
والمتتبع لموقف المملكة الذي تولد من جراء مجموعة قرارات وأحداث أفعال، سيجد أن المملكة حاولت جادة وبإخلاص أن تقف ضد هذه الحرب، وتثني كل الأطراف المؤيدة للحرب عن عزمها في المضي في هذا الاتجاه بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن جهود المملكة لم تثمر في وقف الزحف المتطرف نحو الحرب.. ومع المملكة كثير من دول العالم بما في ذلك دول عظمى كفرنسا وروسيا والصين وألمانيا وغيرها كثير من دول العالم التي فشلت في خطواتها نحو إيقاف المد الأمريكي/ البريطاني نحو هاوية الحرب.. ولا شك أن المملكة لها ثقلها الجيوبوليتيكي في المنطقة، ولها ثقلها الاقتصادي في العالم، ولكنها لم تستطع مجاراة حدة الموقف الأنجلوأمريكي وانجراف الأحداث وتداعيات المواقف الدولية.. ولهذا فإن المملكة اليوم تعيش مرحلة حساسة جداً ووقتاً عصيباً تحتاج فيه إلى تضافر كل الأيادي واجتماع الأسرة السعودية الكبيرة في مثل هذا الوقت بهدف الحفاظ على المصالح الوطنية العليا لهذه البلاد.
وإذا أردنا أن نخوض في محددات الموقف السعودي من هذه الأزمة، فإننا يجب أن ندرك وبصراحة وبشفافية عالية أن موقف المملكة يقع بين قوى ضاغطة تهدف إلى تحريك الموقف السعودي ليخدم أغراضاً سياسية ومصالح دولية معينة.. وتحديداً فإن المملكة تتعرض لضغط من جانبين:
أولاً: ضغط هائل من الولايات المتحدة الأمريكية بهدف المساهمة في القوة العسكرية والمجهود الحربي الأمريكي الذي يشن حرباً على العراق ونظام الرئيس صدام حسين.. وترغب الولايات المتحدة الأمريكية من المملكة أن يساهم الجيش السعودي والقوة الجوية السعودية في الدخول إلى الأرض العراقية والمساهمة مادياً في تغيير النظام السياسي في العراق.. هذا هو موقف سياسي أمريكي تطالب به الولايات المتحدة المملكة وغيرها من دول العالم.. وهي تضغط بكل قوة ممكنة وأوراق ضغط على هذه الدول من أجل أن تحقق لها هذه التنازلات.. وتحاول الولايات المتحدة مع المملكة بشكل خاص أن تذكر بأن الولايات المتحدة الأمريكي هي التي بادرت للاستجابة لطلب المملكة بعيد دخول واحتلال القوات العراقية للكويت وجلب قوى تحالف عالمية أجبرت القوات العراقية على الجلاء من الكويت، ومنع الخطر الذي كان محدقاً بالمملكة من جراء وجود حوالي خمسمائة ألف جندي عراقي على حدود المملكة متوثبين إلى انتهاز فرصة سانحة لامكانية الانقضاض على المملكة والاستيلاء على آبار البترول وتجريد المملكة ثرواتها الاقتصادية، ناهيك عن زعزعة استقرار المملكة وبث روح التفرقة بين أبناء ومناطق المملكة.. تقول الولايات المتحدة إنها وقفت وقفة صارمة ضد مطامع صدام في منطقة الخليج، وهي تستحق أن تقف دول الخليج معها لإزالة خطر قابع في المنطقة منذ أكثر من عشرين عاما.. وهو خطر نظام صدام حسين.. إذن هذا هو موقف يعكس رغبة الولايات المتحدة في أن ترد المملكة ودول الخليج جزءاً من الجميل الذي قدمته الولايات المتحدة إلى دول المنطقة في مطلع التسعينيات.. يمثل هذا الموقف إحراجاً كبيرا للمملكة حيث إن معطيات الموقف الأمريكي واضحة وحقيقة ورغباته منطقية.. واستحقاقاته طبيعية.
ثانياً: يتنازع موقف المملكة توجه آخر، منطلقه أن المملكة هي دولة عربية مسلمة ذات مسؤوليات إسلامية وقومية، ومن المفترض أن تقوم المملكة بدور حيوي في منع التصدع في البيت العربي، ولهذا فإن الرأي العام العربي والإسلامي يدفع بأن تقف المملكة ضد الولايات المتحدة الأمريكي باستخدام كل الأوراق التي تحملها حتى تتمكن من منع تحقيق الأهداف الأمريكي في المنطقة.. وينادي البعض باستخدام النفط كسلاح ضد أمريكا والدول المساندة لها في حربها ضد العراق، ويرى البعض أن تتخلى المملكة عن تقديم تسهيلات لوجستية فرضتها قرارات الحظر المفروض على العراق من قبل الأمم المتحدة.. ويرى آخرون آراء تصل إلى درجة المجاهرة بعداء المملكة للولايات المتحدة.. إذن تتعرض المملكة لضغط كبير من بعض القوى العربية والإسلامية التي تدعو إلى رفض التعامل وإعلان العداء للويالات المتحدة بهدف أو على أمل إيقاف مدها واتجاهها نحو الحرب.. وهنا توجد مجموعة افتراضات ينبغي الانتباه إليها.. فهل تستطيع المملكة فعلاً أن توقف دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية من تحقيق هدف يبدو لها مشروعاً، وتسعى بكل قوة تمتلكها إلى تحقيق هذا الهدف؟.. رغم أن دولاً عظمي لا تستطيع أن تقف في وجه الولايات المتحدة الأمريكية.
هذان الاتجاهان المتناقضان يشكلان ضغطا كبيرا على الموقف السعودي، فأحدهما يسعى إلى دعم كامل ومجهود حربي مشارك في الحرب على العراق، والآخر يسعى إلى قطع العلاقات ووقف المصالح مع الولايات المتحدة نهائيا.. فماذا يمكن أن تعمل المملكة ومراكز القرار السعودي؟ أي الاتجاهين تأخذ؟، وأي المعسكرين تتجه إليه؟.
واسمحوا لي أن أبدي ملاحظات عن بناء وتشكل الموقف السعودي في هذه الأزمة:
1- ينبغي أن نعي كمواطنين ومختصين هذه الضغوط بكل تفاصيلها وبكل أشكال التطرف التي تفرزها، وبانعكاسات كل واحد منها على المواطن والمصلحة العليا للمملكة، وعلى السياسة الخارجية للمملكة.. ومجرد التعرف على هذين الاتجاهين اللذين يتنازعان مواقف واتجاهات المملكة سيكون في مقدور الشخص أن يتفهم الحرج والصعوبات والتحديات التي تواجه القيادة السعودية في هذه الأزمة.
2- كلا الاتجاهين الضاغطين على الموقف السعودي يمثلان تطرفا لا يمكن أن تتحمله السياسة السعودية ومصالحها الاستراتيجية.. ونحن نجد صعوبة بالغة في تحقيق أهداف كل طرف من هذه الأطراف.
3- من المتوقع أن يراوح الموقف السعودي في منطقة وسطى بين هذين الاتجاهين، فلا نستطيع تبني موقف مؤيد كامل للولايات المتحدة بحيث تكون المملكة طرفا مشاركا ومباشرا في العمليات العسكرية الأمريكية الداخلة إلى الأرض العراقية، ولا المملكة تستطيع أن تقطع علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وهي مرتبطة معها بمصالح استراتيجية كبيرة وبالتالي تعريض مصالح المملكة لخطر كبير ومستقبل غامض.
4- من المهم جداً، أن ندرك نحن مواطني المملكة العربية السعودية أن الدول تحتاج في مراحل معينة وفي توقيت أزمات خطيرة أن تتخذ تدابير وإجراءات ومواقف معينة تصب في إطار المصلحة الاستراتيجية لمواطنيها، حتى لو كانت هذه المواقف لا تصب في إطار رغبتها الحقيقية في الأشياء أو أهدافها الاقليمية والدولية.. ومن هنا ينبغي التأكيد على أن ما تفعله القيادة السعودية هو بناء موقف يبدأ وينتهي في المصلحة الوطنية العليا للمواطنين والمجتمع السعودي.. ولن تكون بعض هذه المواقف في مكان يرضي الرأي العام العربي أو الدولي، ولكنها ينبغي أن تفهم أنها تصب في سياق مصلحة وطنية عليا للبلاد.
5- بيتنا السعودي الكبير ومصلحتنا الوطنية العليا هي المحرك الأساسي للمواقف السعودية في هذه الأزمة.. وبكل شفافية ينبغي أن نتوجه جميعاً فرادى وجماعات مواطنين ومؤسسات إلى دعم ومساندة مواقف القيادة السعودية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ بلادنا.. وبكل صراحة ينبغي أن نقف ضد التيارات السياسية المتطرفة التي لا تدرك المواقف الحقيقية وراء صناعة القرار السعودي، وأن نقف ضد التهييج الإعلامي وحاملي الشعارات الذين يمكن أن تفرزهم الأحداث بغية التشويش على مواقف المملكة التي تتخذها في إطار مصالحها الاستراتيجية الكبرى.

(*) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved