Saturday 22nd march,2003 11132العدد السبت 19 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
لا يجوز التحريض على العنف
عبدالله بن بخيت

من عادتي أن أكتب مقال يوم السبت صباح يوم الخميس ومن عاداتي الأخرى أنني أؤخر إرسال المقال إلى الجريدة إلى آخر دقيقة ممكنة. لا يعني أن مقالاتي تحاول أن ترتبط بالوقت وتتواكب مع الأحداث ولكن لأني أجد أشياء كثيرة أضيفها للمقال في الفترة الصغيرة الفاصلة. فأنا ممتن كثيرا للمراجعات الكثيرة التي أجريها في اللحظات الأخيرة. وهذه العادة ستكون مفيدة بعض الشيء في هذا المقال. كنت محتارا كيف أكتب عن الحرب إذا وقعت وماذا أقول فأنا لا اعرف كيف أكتب مقالات إنشائية في السياسة لا أريد أن امدح أو أشتم أحداً. لكن لا يمكن أن أكتب عن زواج المسيار والشعب العراقي يتعرض لموت متواصل في الوقت نفسه لا أستطيع أن أتباكى على أطفال العراق فهذا الموضوع مستهلك ولم يعد له أي قيمة أخلاقية. تحول إلى أغنية امتص المنافقون وأنصاف الكتاب كل حزن فيها. في المقابل لا أجد أنه من المناسب الحديث عن الجريمة الأمريكية في غزو العراق. فسيكون الموضوع مملاً لأن الكتاب العرب استهلكوه. بين البكاء على أطفال العراق وبين شتم أمريكا لا يوجد موضوع يخص الحرب يمكن أكتب عنه. فأنا لا أملك ثقافة سياسية كافية لأخوض في التنبؤات لعراق ما بعد صدام حسين. ولا أصل إلى درجة الغفلة التي تقول إن أمريكا جاءت لتحتل المنطقة. لأنني لا أستطيع أن أتخيل أن تأتي دولة لتحتل منطقة هي في الواقع تحت سيطرتها من عشرات السنين إلا إذا كانت تعيد احتلالها كل فترة وفترة من باب التذكير بالممتلكات.
الآن الساعة السادسة مساء يوم الخميس أي بعد ساعات على بدء الحرب. صحوت الساعة الثامنة وعرفت بأن الحرب بدأت من الجرائد. أصبت بقشعريرة. فالحرب إذا بدأت والشعب العراقي الآن تحت وابل من القصف العنيف كما توعد الأمريكان ركضت إلى التلفزيون. من عادة أطفالي أن يفيقوا قبلي ويحتلوا التلفزيون العائلي . في هذه المرة لم أستطع أن أجاملهم. طلبت منهم أن يتنحوا لأرى ما الذي يجري؟ في زمن الخطوب تحتاج إلى القنوات الإخبارية المتخصصة. مر الريموت كنترول على عدد من القنوات. أحسست أن هناك خطأ في أخبار الجرائد. فكل القنوات التي مررت عليها كانت ترقص وتغنى كل القنوات العربية بقيت كما تركتها أمس مستمرة في نفس برامجها وكأن شيئاً خطيراً لا يحدث. كان الجيش الأمريكي يجري مباراة في كرة السلة مع نظيره العراقي.
يا لله ألم يصب هؤلاء بشيء من الخوف ؟ بشيء من الروع؟ بشيء من التعاطف؟ أو بشيء من الحماسة؟ يعني أي شيء يجعلهم يرتبكون ويغيرون من نمط برامجهم. على الأقل الساعات الأولى من الحرب أو اليوم الأول حتى يتعود الناس على أجواء الحرب. العالم مصاب بالذهول والخوف والترقب والقنوات العربية مستمرة في الرقص والغناء.عندما تفاقم الغضب العربي أثناء الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين وجهت أمريكا أوامرها إلى القنوات العربية بالتوقف عن التحريض على العنف. ومنذ ذلك الحين وكثير من القنوات العربية تسرد العمليات الاستشهادية بشكل عابر وبصيغة لا تحمل في داخلها أي حس أخلاقي أو وطني. حتى تضاءل صوت الانتفاضة وأصبح الشعب الفلسطيني وحيدا في معركته. من الواضح الآن أن قانون منع التحريض على العنف يسري أيضا على هذه الحرب. لأنه هو القانون الوحيد الذي نستطيع أن نفسر به صمت وتواطؤ القنوات العربية التي واصلت رقصها وغناءها وكأن شيئاً لا يحدث.

فاكس : 4702164

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved