Saturday 29th march,2003 11139العدد السبت 26 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
بين الرجل والمرأة
عبدالرحمن صالح العشماوي

لا تعد قضية العلاقة بين «الرجل والمرأة» مشكلة من المشكلات التي تثير القلق، وتحتاج الى المعالجة، إلا عندما تخرج عن اطارها الصحيح الذي وضعها فيه خالق البشر، الذي جبلهم على طبائع تلائم دورهم المشروع في القيام بواجبات الاستخلاف في هذه الأرض، والسعي في مناكبها، وتحقيق مُراد الله سبحانه وتعالى فيها.
النساء، شقائق الرجال، والله سبحانه وتعالى لا يُضيع عمل عاملٍ من البشر ذكراً كان أم أنثى، ولهنَّ مثل الذي عليهنَّ بالمعروف وللرجال عليهن درجة، وقد انطلق أبوالبشر في عمارة الأرض، وقام بدور الخلافة فيها ومعه أمنا حوَّاء عليهما السلام، مع أنَّ الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله به بعضهم على بعض، كل ذلك يجري بصورة طبيعية منسجمة مع الفطرة البشرية ومع طبيعة كل من الرجل والمرأة التي تناسب الدور الذي يقوم به في هذه الحياة.
وهذا كلُّه يؤكد لنا عدم وجود مشكلة تحتاج الى حل في قضية الرجل والمرأة، ما دامت حياتها قائمة على المنهج الصحيح، وما دامت العلاقة بينهما علاقة طبيعية لا تصادم الفطرة البشرية، ولا تعارض التعاليم الشرعية، ولا تقوم على التداخل غير المنضبط بين الأدوار المناسبة لكلٍّ منهما، لقد مضت الحياة دون مشكلات معقَّدةٍ في ظل شرع الله عند كل الأمم، وفي كل العصور التي التزمت فيها المجتمعات البشرية بالمنهج الصحيح في بناء الحياة على الأرض بناءً سليماً يشترك فيه الرجال والنساء دون تداخل أو تعارض، أو اعتداء على حقوق الآخر، أو اختراق لمجاله النفسي والروحي والعقلي.
وإنما تبرز المشكلة في قضية العلاقة بين الرجل والمرأة حينما تتلاعب بها أهواء البشر، وحينما يعبث بها العابثون من واضعي القوانين البشرية القائمة على مصادمة الفطرة، ومعارضة الشرع الإلهي، ومخالفة طبائع الأشياء، ففي هذه الحالة «المنحرفة» تصبح قضية العلاقة بين الرجل والمرأة مشكلة من المشكلات التي يحدث بها الخلل في المجتمعات البشرية.
وتتمثل هذه المشكلة المصنوعة «بشرياً» في جانبي السلب والايجاب في التعامل مع الرجل والمرأة، فكما أن الانحراف عن الطبيعة المستقيمة يتم بمصادرة حقوق المرأة، والاحتقار لها، وتهميش دورها في الحياة، وتحطيم معالم شخصيتها، فإنه يتم أيضا بإخراج المرأة عن طبيعتها وفطرتها السليمة، والمبالغة في اقحامها في جوانب من الحياة لا تتفق مع دورها الحقيقي الذي لا تصلح الحياة البشرية إلا به، ورفع شعارات تحريرها من قيمها وحشمتها، بدعوى اعطائها ما سُلب منها من الحقوق.
هنا يحدث الاضطراب، وهنا تنشأ المشكلة التي صنعها منحرفو البشر بأيديهم، ونفخوا فيها حتى أصبحت مشكلة كُبرى تعقد لها المؤتمرات وتُقام لها الندوات، وتُجرى فيها الدراسات والأبحاث.
وإنما تكبر المشكلات في حياة البشر بالتضخيم والمبالغة والتهويل، كما تكبر بالتعتيم على الرأي الحق، والاستهانة بأمور الشرع، ثم بما يتبع ذلك من تعميق للمشكلة وترسيخ للانحراف حينما توضع مجموعة من القوانين والأنظمة تُبنى فيها العلاقة بين الرجل والمرأة على أرض رخوةٍ ليس لها قرار.
إن مصادمة الفطرة، ومعارضة التعاليم الشرعية تسوقان الى عدد من المشكلات الاجتماعية والأسرية لا يمكن ان يتحقق بها ومعها الاستقرار والهدوء في المجتمع البشري.
إن بناء الأنظمة والخطط وبرامج تطوير المجتمعات على أساس ان الأصل أن تعمل المرأة خارج المنزل دون ضوابط تحدد طبيعة هذا العمل يُعدُّ خللاً كبيراً يسهم في تعقيد هذه القضية، ويزيد من حجم المشكلة القائمة الآن في العالم التي ساقت الى تفكيك البناء الأسري، وتحطيم قيم المجتمع.
لأن هذه النظرة الى عمل المرأة لا تتفق مع الوضع الطبيعي للحياة البشرية، ولا تنسجم مع فطرة الانسان السوي وجبلَّته.
وكما أنه ليس هنالك ما يدلُّ على ان عمل المرأة خارج منزلها للضرورة يمكن ان يكون أمراً محظوراً، خاصةً إذا تم وفق ضوابط تمنعه من الانحراف، وتحول بينه وبين ان يصبح مشكلة تحتاج الى حل، كما حدث للفتاتين اللتين سقى لهما موسى عليه السلام في مَديَن حيث اضطرهما عجز أبيهما الشيخ الكبير، وعدم وجود رجل يقوم بعمل ما تحتاجه الأسرة خارج المنزل، الى أن تقوما ببعض الأعمال الضرورية المهمة ومنها سقي الغنم، وجلب الماء الى البيت، ولكن قيامهما بذلك كان منضبطاً بضوابط الشرع، ومنسجماً مع الفطرة وقد برز ذلك في التعبير القرآني الكريم «{ووجد من دونهم امرأتين تذودان}، أي تمنعان غنهما من الورود حتى لا تختلطا مع الرِّجال، وحينما سألهما موسى عليه السلام عن حالتهما قالتا {لا تسقي حتى يصدر الرعاء وابونا شيخ كبير}، فهنالك سبب أخرجهما الى هذا العمل الذي ليس من شأنهما ألا وهو كون أبيهما شيخاً كبيراً، ولأن التزامهما بالآداب الشرعية أمرٌ ثابتٌُ لا تجوز مخالفته فإنهما تنتظران حتى ينتهي الرُّعاة من الرجال، حيث تقومان بواجبهما في العمل بعد ذلك.
أقول: كما أن عمل المرأة بهذه الصورة ليس محظوراً، فإنَّ عملها المُطلق خارج منزلها بضرورة ومن دون ضرورة، وجعل هذا العمل أصلاً تُبنى عليه الحياة، وتوضع على أساسه خطط تنمية المجتمعات يُعدُّ أمراً محظوراً ومضرّاً بالرجل والمرأة، والأسرة والمجتمع والأمة.
إن التوازن في هذه المسائل هو الذي يبني حياة حرَّة كريمة مستقرَّة فما أحوج أمتنا إليه!.
إشارة:


بين الذكورة والأنوثة فطرةٌ
مرسومةٌ من ربِّنا المتفضِّل
هذي مبجَّلة، وذاك مبجَّلٌ
والدين يحفظ حقَّ كلِّ مبجَّلِ

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved