Saturday 29th march,2003 11139العدد السبت 26 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

عالمنا الصغير والكبير بعد الحرب في العراق عالمنا الصغير والكبير بعد الحرب في العراق
د. عبدالعزيز المهنا

عندما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب ضد العراق مع بريطانيا لم يكن هناك خلاف حول تفوقهما العسكري والتقني مقارنة بالقوات العراقية. واستعراض مقدرات وأوجه التسليح والمناولة العسكرية في أثناء المعركة لا يعدو عن كونه وصفاً لأحوال تتغير حسب أوضاع الجانب الذي يمسك بزمام المبادرة في الحرب وهو من يمتلك ناصية القوة.
ولكن ينبغي لنا أن ندرس من خلال الأخطاء المتعمدة في الحرب ما الذي تتجه إليه المعارك ومن هم الشركاء الجدد خاصة بعد إطالة أمد المعركة أكثر مما كان متوقعا.
لقد زارت فرق التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل التابعة للأمم المتحدة مواقع في إيران ورفضت الحكومة الإيرانية أعمال التفتيش ودون تحضير مسبق للموقع كما خلق مؤشرا لوجود ما يدعو إلى الخوف من امتلاك إيران لسلاح الدمار الشامل هذا السلاح الذي يشمل تعريفه العديد من الأسلحة البيولوجية والكيماوية والنووية.
كما أن لدى كوريا الشمالية إشارات التحدي التي وضعتها الولايات المتحدة تحت النظر السريع تحسباً لعقاب مؤكد يبدأ بالحصار الاقتصادي لبلد يعاني في الأصل من تذمر نجم عن معاناة وفقر ليس على مستوى مشروعات تنموية وإنما باحساس الحياة العادية وانعدام أبسط مؤهلات الحياة السليمة وسط سقم تعاني منه أوساط شعبية كبيرة في كوريا الشمالية.
وفي الصين صمت يخبئ تحته الكثير من الشغل من أجل تطوير أسلحة دفاعية وهجومية تبحث عن ميدان حي لتجربتها فيه وتحديد مدى تأثيرها ضد أسلحة أقوى.
وأمام أولئك وهؤلاء يوجد من يبحث عن أسرار التقنية عن طائرة يتم هبوطها عنوة أو صاروخ لم ينفجر أو قنابل يمكن من دراسة تأثيرها تصنيع ما هو أكثر منها مضاء وتأثيرا.
أمام هؤلاء النظارة تدور هذه الحرب والجانب المضطهد فيها يمكن أن يتحول إلى بائع للمروءة فلا مانع لدى العراق من استعماله لأسلحة من كوريا الشمالية والصين بل يرحب بدخول إيران مساندة له في الحرب وإذا كان دخول الطائرات الحربية الأمريكية لملجال الجوي الإيراني أكثر من مرة لم يكن مجدياً أو مغريا لها بدخول الحرب، فإن قيام الطائرات الأمريكية بضرب العتبات المقدسة الشيعية في كربلاء والنجف الأشرف سوف يثير الشعور الديني للإيرانيين والعراقيين معا لتتحول المعركة كما يريدها الرئيس الأمريكي جورج بوش معركة بين الصليب والهلال بدلا من أن تكون معركة للإنسان.
إن استمرار المعركة أكثر من عشرة أيام سوف يفتح المجال أمام استعراضات كثيرة فالصين التي ترى قوتها مهما تعاظمت لا يمكن مقارنتها بالولايات المتحدة سوف ترى أنه بالإمكان الاجهاز على الوجود الأمريكي في تايوان وسط الانشغال الأمريكي في الشرق العربي.
وفي حالة وقوع هذه الفرضية فإن نفوذ الولايات المتحدة في الشرق سيظل موضع تساؤل إذ ستجد الصين في تايوان تقنية عسكرية عالية يمكن بواسطتها تطوير الأسلحة الهجومية الصينية لتظهر قوة شرق جديدة منافسة على مدى السنوات العشر القادمة.
إن تجربة المنطقة العربية مع الولايات المتحدة ليست سيئة فهي في معركتها على العراق تظلم شعباً وتحارب نظاما لا يحظى بالقبول لدى مجاوريه من العرب وغيرهم ولدى إدارة صدام حسين سوء تفاهم واختلاف أزلي مع دول الخليج وإيران إضافة إلى خلافاته الكثيرة مع سوريا وتركيا أما الأردن فهو يرى فيه البلد العربي الذي ما من صداقته بد.
لقد وجدت الولايات المتحدة مصلحتها في حرب يمكن الخروج منها بمكاسب اقتصادية لكنها الآن تعمل وسط سخط دولي استطاع خصوم الولايات المتحدة ترتيبه بعناية فا ئقة فقد ظلت الصين تلهث من أجل اختراق مجلس الأمن ليس عن طريق استعمال حق النقد «الفيتو» فيما يخص تايوان وإنما بالبحث عن شرعية استعادة تايوان إلى سيادة البر الصيني دون الحاجة إلى الاستئناس بقرار من مجلس الأمن.
إن الدول الصغيرة التي تسكن الجمعية العمومية لن تتأثر بالخمول الذي يصيب مجلس الأمن في المستقبل لأنها تعمل داخل دوائر نفوذ دوله الخمس الدائمة العضوية وفي الحال سوف يكون هناك سجل الدائن والمدين بين دول مجلس الأمن فإذا كانت الولايات المتحدة وبريطانيا من حقها إعلان الحرب في حيز مستعمرات بريطانية سابقة فإذن من حق فرنسا الدخول في إفريقيا وشرقي البحر الأبيض المتوسط بالشكل الذي تراه متفقاً مع مصالحها الخاصة كما أن روسيا لديها الحق في التدخل العسكري في آسيا الوسطى ودول منظومة الكومنولث المستقلة دون أخذ استقلال هذه الدول بالاعتبار، أما الصين فهي توشك أن تؤدي أدوارا كانت على جانب من الخوف والحياء في آن واحد من أن تقوم بها في الماضي أما الآن فقد أصبحت وجوه القوة سافرة تخترق في أعينها كل الحواجز.
ونحن في منطقة الخليج عندما تطول الحرب لابد أن نتجه نحو سجلاتنا السابقة وأن نعيد النظر في علاقاتنا مع الولايات المتحدة وبريطانيا، ليس للرجوع عن هذه العلاقات أو استبدالها بغيرها وإنما لوضع أطر جديدة لمفهوم هذه العلاقات بما يخدم المصلحة العامة فنحن بحاجة إلى الكثير الذي كنا لا نطلبه في الماضي لأننا نعلم أنه في حكم المستحيل أما الآن فإنه قد تحول إلى فرض واقع يؤكد صفاء هذه العلاقات.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved