Monday 31th march,2003 11141العدد الأثنين 28 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الأمريكيون ليست لديهم خبرة كافية فيها وتجاربهم خير برهان الأمريكيون ليست لديهم خبرة كافية فيها وتجاربهم خير برهان
حرب المدن.. حصان طروادة الذي يتطلع العراقيون إلى مواجهته

* القاهرة - بغداد - أ.ش.أ:
لم يعد بوسع الفرقاء المتناحرين على ارض العراق تفادي حرب مدن باتت وشيكة طالما ان الهدف المعلن للمعركة من قبل الأمريكيين والبريطانيين هو الإطاحة بنظام حكم صدام حسين، وما دام طريق الوصول الى الرئيس العراقي لا بد ان يمر ببغداد التي يتحصن بها.. وحتى الهدف الخفي للحرب المرتبط بالنفط وأمن اسرائيل لن يتحقق سوى باسقاط النظام العراقي، الأمر الذي يعني ان دخول بغداد يبدو أمرا حتميا لحسم المعركة.
ويبدو ان الأمريكيين قد فطنوا الى هذا الأمر منذ البداية اذ قاموا بتدريب وحدات خاصة في صحراء الكويت فور ان حشدوا قواتهم هناك على حرب المدن وحاولوا ان يستفيدوا من تجارب دول أخرى في هذا الشأن مثل عمليات الجيش الاسرائيلي ضد المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة وما يقوم به الجيش الروسي في الشيشان.
على الجانب الآخر يراهن العراقيون على حرب المدن التي ستبلغ ذروتها في بغداد في ارهاق القوات الغازية وهزيمتها في نهاية المطاف اذ ان مثل هذا النوع من الحروب يقلل من دور التقنيات العسكرية ان لم تحيدها تماما أمام المهارات القتالية للأفراد وقدرتهم على ممارسة الخداع والكر والفر في استغلال للمعرفة الدقيقة بجغرافية المدن وهي مسألة يتفوق فيها أصحابها وهم العراقيون.
ويعتمد العراقيون في رهانهم هذا على ان القوات الأمريكية ليست لديها خبرة كافية في حرب المدن فاخر تجاربها في مقديشيو عام 1993 انتهت بهزيمة مبدئية أجبرتهم على الانسحاب السريع تحت ضغط الرأي العام الأمريكي وقبلها مروا بحرب مدن حامية الوطيس في هيو بفيتنام وكان نصيبهم الاخفاق التام ومقتل آلاف الجنود الأمر الذي اورث العسكرية الامريكية الى اليوم ما تسمى بعقدة فيتنام.
كما أخفق الامريكيون في دخول العاصمة الفلبينية مانيلا خلال الحرب العالمية الثانية بعد ان كبدتهم القوات اليابانية المدافعة عن المدينة خسائر ملموسة في حين خسروا ألفي جندى من قوات مشاة البحرية خلال حرب دارت رحاها في شوارع العاصمة الكورية سول أثناء الحرب الكورية في خمسينيات القرن المنصرم.
وينكأ المسؤولون العراقيون هذا الجرح الأمريكي بقولهم قبل اندلاع الحرب وخلالها ان العراق سيكون بالنسبة الى القوات الغازية فيتنام أخرى في مراهنة قوية على حرب المدن.
ويعزز العراقيون توجههم هذا بقولهم ان بغداد ستكون ستالينجراد بالنسبة للقوات الأمريكية والبريطانية وذلك في اشارة الى المعركة الدامية التي دارت رحاها بتلك المدينة السوفيتية خلال الحرب العالمية الثانية بين المانيا والاتحاد السوفيتي السابق وكانت نقطة تحول في تلك الحرب نحو هزيمة الالمان.
وقد دامت هذه المعركة عدة أشهر وانتهت باستسلام قوات النازي بقيادة الجنرال فريدريك باولوس في 2 فبراير 71943 مخلفة وراءها ما يربو على 250 ألف قتيل في صفوف الجيش الألماني ونحو ضعفهم في صفوف الجنود الروس علاوة على مئات الآلاف في صفوف المدنيين.
وما يلفت انتباه العراقيين في ستالينجراد انها حسمت المعركة لصالح السوفيت رغم ان الالمان حاصروها وقطعوا عنها المياه والامدادات الغذائية واغرقوها بالقذائف خلال فصل شتاء قارس البرودة وهي ظروف مرشحة جميعها عدا الصقيع للانطباق على بغداد.
واذا كانت القوات البريطانية لديها خبرة محدودة في حرب المدن اكتسبتها من مواجهة الجيش الجمهوري الايرلندي على مدى ثلاثين عاما فانها ليست معتادة على واقع المدن العراقية وليست متمرسة على مجابهة كثافة نيرانية داخل المدن مثل تلك التي يتوقع ان يستخدمها العراقيون خاصة في بغداد.
ورغم ان بغداد تقع في ذيل قائمة أفضل المدن العالمية من حيث مقومات الحياة السياسية والاقتصادية والصحية والتعليمية والبيئية والسلامة الشخصية والمواصلات والترفيه ومع ان شوارعها المستقيمة الواسعة المتقاطعة تقلل من قدرة العراقيين على خداع الغزاة ومفاجآتهم الى حد ما فان تكثيف وجود القوات المسلحة العراقية حول بغداد وداخلها بوصفها المعركة الأخيرة الحاسمة سيجعل من الصعب على القوات الأمريكية والبريطانية ان تسيطر على هذه المدينة مترامية الأطراف.
وتوجد ست فرق من الحرس الجمهوري العراقي الذي ظهرت مؤشرات قوية خلال الايام الماضية على ان القوات الأمريكية والبريطانية تقدر امكاناته القتالية بشدة وتخشاها كثيرا الى جانب ست فرق اخرى مسلحة بأسلحة ثقيلة ومدعومة بعدة آلاف من المدافع المضادة للطائرات تتولى الدفاع عن بغداد علاوة على ميليشيات حزب البعث الحاكم وقوات فدائيي صدام ومئات الآلاف من المواطنين سلحتهم الحكومة العراقية.
ومن المتوقع ان تعيد بعض هذه القوات انتشارها داخل بغداد في انتظار دخول القوات الغازية اليها حال نجاحها في حسم المعارك الخلفية التي تدور رحاها في الطريق الى العاصمة العراقية للاشتباك معها في قتال ضار داخل الشوارع والأزقة حيث يصبح كل مبنى مهدم خندقا لقناص وكل شارع مهجور مسرحا لنصب الكمائن والشراك الخداعية.ويدرك المسؤولون العراقيون انه حتى لو اضطرت القوات الغازية الى الاستمرار في استخدام سلاح الجو في معركة المدن فانها ستواجه خيارين كلاهما مر الأول ان بعض الطائرات مثل الأباتشي تصبح هدفا سهل اصطياده فقد تمكن الصوماليون عام 1993 من اسقاط عدة طائرات من هذا الطراز بواسطة قذائف آر. بي. جي المضادة للدبابات اصلا، وفعل المجاهدون الأفغان الشيء نفسه بالنسبة للطائرات السوفيتية خلال حقبة الثمانينيات من القرن المنصرم مستخدمين صواريخ ستنجر الأمريكية المحمولة على الكتف.
أما الخيار الثاني فان استخدام طائرات بي 52 واف 160 بمختلف طرزها وغيرها في قصف الأحياء السكنية العراقية سيوقع آلاف الضحايا في صفوف المدنيين، الأمر الذي يعني مزيدا من الانتقادات العالمية لتصرفات القوات الغازية وهي مسألة يضعها العراقيون في خانة العوامل التي تساعدهم.
وينظر الجميع بعين الاعتبار الى تجارب البصرة والناصرية والنجف حيث أخذت القوات الغازية تلتف حولها وتحاصرها دون ان تجرؤ - حتى الآن - على اقتحامهما كاملا خشية تكبد خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات.
وما حدث في هذه المدن ترك راحة نسبية في نفوس القادة العسكريين العراقيين وهو ما عبرت عنه مصادر عسكرية عراقية بقولها : بعد ان فوجئت القوات المعادية بالمقاومة الشديدة في المدن انحرفت وهربت الى الطرق والشوارع الخارجية ثم الصحراء الواسعة.وبلغ الأمر ذروته في تأكيد وزير الدفاع العراقي سلطان هاشم ان العراقيين سيهزمون الغزاة في بغداد ولن يدخلوها إلا على جثث كل سكانها.
ورغم ان قادة القوات الغازية يحاولون الاستفادة من تجربة روسيا في العاصمة الشيشانية جروزني وتجربة اسرائيل في المدن الفلسطينية فان هناك اختلافا جوهريا بين بغداد والحالتين السابقتين يرتبط أساسا بعدد القوات العراقية وعدتها مقارنة بامكانات الفلسطينيين المتواضعة وقدرات المقاومة الشيشانية المحدودة.
ومع ذلك لم يتمكن الروس من السيطرة التامة على جروزنى والقضاء النهائي على المقاومة الشيشانية في حين خسرت اسرائيل عشرات القتلى داخل مدن الضفة الغربية وغزة خلال الانتفاضة الثانية التي اندلعت في سبتمبر من عام 2000 فيما كانت قد تعرضت لخسائر جسيمة حيث قتل وأصيب المئات من جنودها خلال محاولتها الاستيلاء على القدس الشرقية عام 1967.
وفي المقابل قد ينظر العراقيون الى تجربة بيروت التي شهدت حربا استمرت أكثر من أربعة عشر عاما ويلفت انتباههم أكثر الانتصار السياسي الذي تحقق بخروج ياسر عرفات من العاصمة اللبنانية بعد حصارها من القوات الاسرائيلية والعملية الفدائية التي وقعت ضد قوات المارينز الأمريكية وقتل فيها اكثر من 230 أمريكيا، الأمر الذي أجبر الأمريكيين على الانسحاب السريع من هناك.
وقد شرع العراقيون في اللجوء الى هذا الأسلوب في مقاومة الغزاة في العملية الفدائية التي نفذها أحد الضباط ضد القوات الغازية وقتل فيها خمسة جنود أمريكيين.
ومن المتوقع بشدة ان يكثف العراقيون من هذه العمليات حال محاصرة القوات الأمريكية والبريطانية لبغداد، الأمر الذي تبرهن عليه تصريحات طه ياسين رمضان نائب الرئيس العراقي في معرض تعليقه على هذا الحادث اذ قال ان العراقيين سيستخدمون كافة الوسائل لقتل الاعداء.وتزداد احتمالات اللجوء الى اسلوب المقاومة هذا في ظل حالة الاحتقان الشديد التي تغلي بها نفوس سكان بغداد بعد قيام القوات الأمريكية والبريطانية بقصف أحياء شعبية مزدحمة بالسكان على اطراف المدينة، الأمر الذي فرغ الدعاية التي ساقها الغزاة بأنهم جاءوا ليحرروا الشعب العراقي من مضمونها.
وستأخذ القوات الغازية مثل هذه العمليات الفدائية في الحسبان بشدة، الأمر الذي سيربكها اذا حاصرت بغداد أو دخلتها وكلها أحوال تصب في مصلحة الجيش العراقي.
لكن الأمور في ساحة المعركة تسير في اتجاه واحد يتأكد كل يوم وهو ان حرب بغداد آتية لا ريب فيها وانها ستحسم الحرب الدائرة حاليا على أرض العراق تماما.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved