* القاهرة - أ.ش.أ:
رغم الدعاية الأمريكية المكثفة التي تبشر باقتراب تحرير العراقيين ونشر مفاهيم الديموقراطية في منطقة الشرق الأوسط انطلاقا من الالتزام الأمريكي المزعوم تجاه العالم، تبدو احتمالات النجاح الأمريكي في اعادة الاستقرار للعراق واعادة بناء تلك الدولة التي انهكتها الحروب والصراعات مهمة شبه مستحيلة حتى في حالة الانتصار الأمريكي في الحرب الشرسة المستعرة حاليا.ووفقا للمحللين الاستراتيجيين الأمريكيين ان اعادة مقومات الدولة العصرية والاستقرار للعراق في حالة الاطاحة بنظام الرئيس صدام حسين سوف يتوقف بدرجة كبيرة على نجاح واشنطن في اعادة بناء تلك الدولة وتأهيل اقتصادها وتحسين الأحوال المعيشية للعراقيين بدلا من التركيز على الديموقراطية وتعويضات الحرب.
ويقول المحلل الاستراتيجي آلان بيتي ان مهمة اعادة الاستقرار للعراق مهمة تكتنفها تحديات رهيبة لا يمكن مقارنتها بالتحديات العسكرية التي تواجهها القوات الانجلوأمريكية في الحرب التي تخوضها لغزو العراق والاطاحة بالرئيس صدام حسين ولاسيما في ظل غياب استراتيجية محددة لاعادة تعمير العراق بعد الحرب والاصرار الأمريكي البريطاني على دفع تكلفة الحرب الحالية من عائدات النفط العراقية.
وأوضح بيتى ان مهمة اعادة الاستقرار والأمن للعراق أمر يزداد تعقيدا مع كل غارة أو قصف انجلوأمريكي للعراق وبنيته التحتية مشددا على ان الحروب المستمرة انهكت الاقتصاد العراقي.
وترى عدة مؤسسات دولية من بينها صندوق النقد الدولي ان قضية اعادة اعمارالعراق بعد نهاية الحرب الحالية سوف تكون قضية معقدة للغاية ولايمكن حسمها في الوقت الحالي نتيجة غياب المعلومات والأرقام المتعلقة بشأن حجم الخسائر المتوقعة في الحرب التي تشنها القوات الأمريكية والبريطانية على العراق في الوقت الحالي اضافة الى المتغيرات السياسية والعرقية والاقتصادية بتلك الدولة.
ويشير محللون بصندوق النقد الدولي الى أن آخر دراسة أعدها البنك الدولي عن الأوضاع الاقتصادية العراقية قديمة جدا حيث صدرت منذ 20 عاما.
وقالوا ان البنك الدولي أوقف قروضه المقدمة للعراق منذ عام 1973 نتيجة الثروة الطائلة التي حصل عليها العراقيين من صادرات النفط للأسواق الدولية مشيرين الى ان العراق لم يسدد ديونه كلية رغم أموال النفط التي تدفقت عليه خلال تلك الفترة على عكس دولة مثل غانا التي حرصت على تسديد ديونها خلال التسعينيات من القرن الماضي.
وبذلك أهدر العراق فرصة تسديد ديونه للمؤسسات الدولية والدول المدينة كروسيا وفرنسا خلال فترة السبعينيات والتي ارتفعت فيها أسعار النفط الخام الى مستويات قياسية بالأسواق العالمية.
ووفقا لتقارير البنك الدولي خصص العراق جزءا كبيرا من عائداته النفطية التي حصل عليها في عقد السبعينيات من القرن الماضي لاعادة بناء البنية التحتية ورفع مستويات المعيشة للعراقيين.
وأوضح محللون اقتصاديون بالبنك الدولي ان جهود العراق لاعادة تأهيل بنيته التحتية وتحسين مستويات المعيشة في عقد السبعينيات من القرن الماضي تلاشت نتيجة حرب الثماني سنوات مع ايران وتوقف صادرات النفط العراقية على فترات متقطعة من سنوات الحرب.
وأدت الحرب العراقية الايرانية الى توقف مشاريع التنمية واتباع سياسات للتقشف لتوفير الأموال للعمليات العسكرية في حقبة الثمانينيات.
وقال محللون بصندوق النقد الدولي ان العقوبات المفروضة على العراق منذ غزوه للكويت عام 1990 اضافة الى حرب تحرير الكويت التي خاضها العراق في مواجهة تحالف مكون من حوالي 30 دولة بقيادة الولايات المتحدة عام 1991 أدى الى تدهور الأوضاع الاقتصادية وفقدان غالبية العراقيين لنحو ثلثي دخولهم الخاصة اضافة الى انخفاض معدلات الانتاج الزراعي والصناعي.
ووفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية أدت العقوبات الاقتصادية والحظر المفروض على العراق منذ عام 1991 الى انخفاض متوسط اعمار العراقيين وازدياد معدلات الوفيات بين الأطفال وانتشار أمراض سوء التغذية.
وتشير احصائيات وحدة دراسات الايكونوميست الى أن اجمالي حجم الناتج المحلي العراقي يبلغ حاليا حوالي 28 مليار دولار سنويا منها 15 الى 16 مليار دولار عائدات نتيجة الصادرات النفطية والتي توقفت حاليا بسبب الحرب الأمريكية البريطانية على العراق.
ويؤكد المحلل الاستراتيجي آلان بيتي ان الطريق الوحيد لاعادة اعمار العراق واستعادة الاستقرار بعد الحرب يتمثل في تأهيل البنية النفطية المتهالكة وعودة العراق للسوق النفطية بقوة للحصول على الأموال والتى يمكن ان تسهم في توفير الاغذية للعراقيين الجوعى واستغلال الفائض في اعادة التعمير في حالة الاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين.
إلا انه يرى ان الوضع سوف يبدو غاية في السوء حتى في حالة نجاح الغزو الانجلوأمريكي للعراق لأن اعادة تأهيل البنية النفطية العراقية لزيادة حجم الانتاج الى 5 ،3 ملايين برميل يوميا يحتاج الى استثمارات تصل الى خمسة مليارات دولار وفترة تصل الى عدة سنوات.
وقال أنطوني كوردسمان الخبير الاستراتيجي بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية الذي يتخذ من واشنطن مقرا له ان الرهان الدولي على الدور الذي يمكن ان يسهم به النفط في تمويل الحرب الحالية واعادة اعمار العراق في حالة الاطاحة بالرئيس العراقي أمر مبالغ فيه في ضوء البنية النفطية المتهالكة بالعراق مشددا على ان اعادة الحقول العراقية للعمل بكامل طاقتها سوف يستغرق عدة سنوات.وأكد انطوني كوردسمان ضرورة تزامن اعادة تأهيل البنية النفطية العراقية مع تأهيل القطاع الزراعي الذي لم يشهد زيادة جديدة في الاستثمارات منذ عام 1982 والقطاع المصرفي المتداعي.
وأوضح كوردسمان ان التحديات التي سوف يواجهها العراق بعد الحرب الحالية والالتزامات المتوقع ان تفرض عليه في حالة الاطاحة بالرئيس العراقي ونجاح القوات الانجلوأمريكية في دخول بغداد يمكن ان تعوق عملية اعادة بناء الاقتصاد العراقي.
وفى السياق نفسه أظهرت دراسة أعدها مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بواشنطن ان التعويضات التي فرضت على العراق في اعقاب حرب تحرير الكويت عام 1991 بلغت 320 مليار دولار «حوالي 25 في المائة من عائدات النفط العراقية».
وأوضحت الدراسة ان الديون الخارجية العراقية التي يبلغ حجمها حوالي 130 مليار دولار سوف تمثل مشكلة حقيقية في مرحلة ما بعد الحرب الحالية.
وتمثل العقود التي أبرمها العراق مع العديد من الشركات الروسية والصينية قبل اندلاع الحرب الأمريكية الحالية مع العراق مشكلة للشركات الأمريكية التي تسعى الى لعب دور نشط في اعادة تأهيل البينية التحتية النفطية بعد الاطاحة بالرئيس العراقي.
وتشير الاحصائيات الى ان اجمالي حجم العقود التي أبرمتها بغداد مع الشركات الروسية بلغ 57 مليار دولار.
|