كنت مثلي مثل بعض الاخوان الذين يؤمنون بأن الإعلام الأمريكي يقدم المعلومة. فقد صجنا كثير من المثقفين عن الإعلام وعلاقته بالمعلومة. فالإعلام لازم يتضمن المعلومة لازم يتضمن الخبر. وكلما أرادوا أن يعيروننا راحوا يضربون الأمثلة بالمهنية في الاعلام الغربي في مقابل إخفاء المعلومة في الإعلام العربي وإبدالها بالخطابة والطنطنة. في فترة من الفترات ما قصرت دخلت في الطنطنة بمثل هذا الكلام خاصة بعد أن زرت الولايات المتحدة للمرة الأولى.
في زيارتي تلك فجعت بالفارق بين الإعلام العربي وبين الإعلام الأمريكي. طبعا تعرفون أن الإعلام الأمريكي يعتمد هيبة المذيع وعلى الصورة وعلى تنويع المتحدثين يعني ما يخليك تتنفس أو تلتفت يميناً أو شمالاً.
شاهدت ذلك في الوقت الذي كان فيه الإعلام العربي يستغرق نصف ساعة ليقول أن فلان المسؤول سلم على فلان المسؤول الآخر. وتمضي أكثر من نصف ساعة يقف فيها المسؤول ويمر عليه رتل من البشر للسلام عليه حتى أن المذيع يقضي حكيه فيستبدل بالموسيقى. مثل هذه الأخبار المسلماتية أو المصافحاتية إذا جاز التعبير لم تسبب فقط في الإعراض عن الإعلام العربي وإنما في تقديس الإعلام الغربي. ولكن منذ ان فتح الله علينا بالقنوات الفضائية نسينا الأخبار المصافحاتية واستبدلناها بما يسمى أخبار المعلومة مثلنا مثل الأمريكان.
لكن الذي أعرفه أنا وهو أقرب ان شاء الله إلى البديهي أن من يتلقى دائما المعلومة يفترض أن يكون واعياً ومثقفاً والإعلام الأمريكي كما يقال يقدم المعلومة. لكن الذين يعرفون الشعب الأمريكي عن قرب وحتى الذين يتابعون أخباره يعرفون تمام المعرفة أن الشعب الأمريكي أجهل شعب في العالم. أين راحت المعلومة طوال تلك السنين؟
منذ أن دخلت علينا ال«سي.ان.ان» وانا أفضل أن أتابع أخبارها. ولكن بعد فترة اكتشفت إذا الإنسان سار وراء السي.ان.ان واعتمدها مصدراً لأخباره سينتهي بعد سنة لا يعرف شيئاً. الإعلام الأمريكي صحيح لا يخفي المعلومة ولكنه يسلقها ويخرجها من سياقها ومن مضمونها ويستبدل اهميتها بصراخ المذيع وكثرة المتحاورين المتواطئين. حدثني الروائي الأمريكي بيتر سيلزار وهو في نفس الوقت استاذ جامعي في جامعة ايوا عن تجربته مع الإعلام. يقول انه قدم بحثا استنتج فيه أن المغني الأمريكي الفس برسلي تأثر بالموسيقى العربية. نشر البحث في أكثر من جورنال جامعي. لم يعجب الأمريكان هذا الكلام وخاصة اليهود. فجاءته احدى القنوات التلفزيونية وأجرت معه حوارا حول الموضوع. يقول استمر الحوار معي في منزلي أكثر من ثماني ساعات وعندما بث بعد ذلك لم يستغرق بثه أكثر من نصف ساعة قطع وزبط بحيث يخرج مني كلام غير الكلام الذي قلته في بحثي. صحيح أنهم لم يضيفوا شيئاً إلى ما قلته ولكنهم أزالوا وعدلوا في تسلسل الأفكار حتى خرج بما يريدون لا بالحقيقة.
جعلوني أسفه بحثي في الوقت الذي لا يمكن أن أدينهم بشيء. يعني جعلوني أكذب نفسي بنفسي.
فاكس 4702164
|