Monday 31th march,2003 11141العدد الأثنين 28 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
ما للجمال مشيها وئيدا
عبدالرحمن صالح العشماوي

حينما أحكم ذلك الدّاهية خُطَّته للثأر من «الزَّبَّاء» بعد أن جاء إليها متظاهراً بالهرب من ابن الملك الذي قتلت أباه، مضحِّياً بأَنفه الغالي عليه، وحينما تمَّ له ما أراد من كسب ثقتها، بعد أن جلبتْ إليها قوافل التجارة التي يشرف على تسييرها ما تحب من البضائع والهدايا التي تحتاجها، حينها جهّز ما كان يريد أن يصنعه مستخدماً أسلوب الخداع والمراوغة، فبعث بالجمال الى وجهتها المعتادة لجلب البضائع والهدايا، ولكنّه في هذه المرّة ملأها برجالٍ مدرّبين أشدّاء حيث وضعهم في صناديق مجهّزة تجهيزاً مناسباً لهذا المقام ووضع معهم سيوفهم ودروعهم، وانطلقت القافلة المشؤومة تقطع الفيافي والقفار حتى بدت للناظرين من مكان بعيد، وكانت الزَّبَّاء قد خرجت كعادتها تستقبل هذه القافلة، فلما دَنَتْ رأتْها تسير سيراً وئيداً، وقد تبيّن أنها تحمل شيئا ثقيلاً على غير المعتاد، والتفتت الى صاحب الأنف المجدوع متسائلة ممّا ترى، متعجبة من هذا المشي الذي يدلّ على أنّ الجمال تحمل حِمْلاً ثقيلاً، وقالت له:


ما للجمال مَشْيُها وئيدا
أجندلاً يحملن أم حديدا
فقال في نفسه دون أن تسمع:
بل الرجال قُبَّضاً قعودا

ولكنه قال لها بصوت مسموع: هذه أيتها الملكة بضاعة جديدة غالية الثمن متعدِّدة الأصناف، فسكتتْ مصدِّقة ما قال تصديقاً مهزوزاً، وتحدّث الناس عن الخير القادم مع هذه القافلة البطيئة..
لم تكن تعلم، ولا رجال دولتها يعلمون، ولا عامّة الناس أن الجمال تحمل الرجال الذين سيكتبون بسيوفهم نهاية ملكة عظيمة الملك، اسمها «الزَّبَّاء»، وفتحت الصناديق عن الرجال وكان ما كان.
تذكّرت هذا المثل وأنا أشاهد وأسمع وأقرأ كغيري من أهل هذا الزمن، الأخبار المركّزة على قدوم سُفُن غربية تخوض البحار والمحيطات بأبراجها الضخمة متّجهة الى مكان حزينٍ بائسٍ اسمه «العراق» ولأنّ الأمة المسلمة لا تعرف عما تحمله تلك السفن شيئاً، فإنّها تظنُّ كما ظنَّت تلك الملكة المخدوعة أنّ هذه السفن مليئة بالمساعدات الغذائية الإنسانية لأن أصحاب هذه السفن يؤكدون كلَّ ساعة أنّها تحمل ذلك، ولأن أصحاب هذه السفن يملكون قلوباً مشحونة بالرحمة والعطف والإنسانية والشفقة!؟؟، فإنهم ينتظرونها على أحرّ من الجمر لينقذوا أطفال وشيوخ ونساء العراق الحزين، الذين هجمت عليهم قوّة من قوَى «الأشباح الطائرة» القادمة من كوكب مجهول، وقصفت بطريقة وحشية مدنهم وقُراهم، فأحرقت وهدمت وقتلت وشرَّدتْ، وما زالت تفعل ذلك بلا رحمة ولا شفقة ولا عطف لأنها حريصة على إنقاذ هؤلاء الضحايا من وحشٍ كاسرٍ موجودٍ بينهم، نعم .. هم ينتظرونها، ونحن ننتظرها حتى نسعد برؤية الأغذية وهي تنقذ الجائعين من جوعهم، ورؤية المياه النقية وهي تنقذ العطشى من عطشهم.. أوّاه من هذا الخداع الذي لا ينقطع.
لكأنني أرى إمدادات الأسلحة، والذخيرة وغيرها من وسائل الدّمار، وهي تنقل من تلك السفن الغاشمة المتّهمة زوراً وبهتاناً بحمل الأغذية ومواد الإغاثة، الى أرض المعركة الدّامية حيث تغذّي البائسين بزخّات الرّصاص، وطلقات المدافع، وشظايا الصواريخ والقنابل، عند ذلك سيصحو الغافلون، ويشعر بالأسى المخدوعون، فنردّد جميعاً {إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}، ولربما نقول: «لأمر ما أنشأ الغرب وسائلَ إعلامه».
إشارة


كَبُر الجرح يا حبيبةُ حتى
أصبح الدَّمع حائراً في المآقي

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved