Monday 31th march,2003 11141العدد الأثنين 28 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قضية العراق في إطار دولي قضية العراق في إطار دولي
سليمان علي السلطان

لقد بُذل الكثير من الجهود لتنظيم مؤتمرات عدة للذود عن قضية العراق، وكثر على ضوء ذلك الجهد في تغطية هذه المحاولات «اليائسة» في الإعلام العربي وكثر الجدل في انعكاس أثرها على القضية برمتها، وعلى أثرها في ايقاف عجلة الحرب التي تدور اليوم أسرع من ذي قبل مما يدل على ان هذه المؤتمرات التي أقيمت في العالم الثالث، لم تكن في نهاية المطاف ذات فائدة تذكر.
فقمة عدم الانحياز التي استضافتها ماليزيا في شهر فبراير المدبر كانت محاولة فاشلة لبعث هذا التجمع الذي يضم بين دفتيه ثلثي أعضاء الأمم المتحدة، فلم يكن قط له ثقل في التاريخ السياسي، فقد كان إعلان مولده هو إعلان عن موته، فحتى أبرز زعماء ومؤسسي هذا التجمع الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر لم يقتفِ تماماً خطى فلسفة هذه الكتلة التي توسطت آنذاك الكتلتين الماردتين، الشرقية والغربية، ومال هذا القائد في نهاية المطاف بعد تأرجح ما بين هذا وذاك واستقر مع الكتلة الشرقية ناهيك عن ذكر الدول الأخرى من دول عدم الانحياز التي لم تكن في يوم من الأيام معنية في المسار السياسي الايديولوجي. سوى خطبة مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا التي ألقاها في قمة حركة عدم الانحياز لم يكن لهذا التجمع أي صدى في الواقع السياسي.
وتبعها قريباً، مؤتمر القمة العربية الذي بدوره لم يضف أي شيء ورغم بيانه الذي تُلي في نهاية الجلسة والذي شدد على رفض الحرب المزمع اندلاعها ضد العراق لم يتمخض عنه أي موقف ثابت يجمع الدول العربية. ورغم ان البيان العربي في خاتمة القمة جاء موحداً في العلن إلا ان مواقف بعض الدول العربية الخفية تجاه الحرب على العراق لم تتغير قيد أنملة، ولكن كان هذا البيان الذي لوح على استحياء برفض أي دعم سواء كان مادياً أو معنوياً لأي حرب ضد العراق أو أي دولة عربية أخرى لم يؤخذ على محمل الجد من بعض الدول التي كانت هي المعنية بهذا الجانب من البيان.. ولم تكن هذه النتيجة غير متوقعة فلم تكن فكرة اقامة مثل هذا المؤتمر الاستثنائي الذي نادت له بحرارة دولة مصر موضع ترحيب وتهليل لكثير من أعضائه، ولكن هؤلاء وجدوا أنفسهم مُقحمين في هذا المؤتمر ولكي يصد أبواب أي نقد شعبي أو غيره، قبلوا بالحضور على مضض من دون ان ينووا فعلاً الوقوف موقفاً صريحاً أو جاداً تجاه الحرب.
ولم يختلف المؤتمر الإسلامي عن القمة العربية كثيراً غير انه وسع من دائرة الفشل وامتد لدول إسلامية تضم 56 دولة، وكان التلاسن بين عضوي العراق والكويت محط الأنظار في الشارع والإعلام العربي، ودلل بما لا يدع مجالاً للشك رغم محاولة إضافة طابع الأهمية على هذا المؤتمر من قِبل قطر الدولة التي ترأست المؤتمر بأنه كان مضيعة للوقت في مرحلة جوهرية لمجرى الأحداث في المنطقة.
لقد رأى العالم ان هذه المؤتمرات هي نفض يد بعد ان بذل كل ما يمكن ان يبذل، إذاً فتناول القضية العراقية تحت مظلة منظمات اقليمية عقيمة سياسياً وتاريخياً من شأنه ان يئد القضية العراقية، ويشغل الرأي العام العربي، ويضلله عن قضية العراق، فهي ليست قضية تختص بالعالم العربي أو الإسلامي أو حتى دول العالم الثالث بأسره كما توحي به هذه التجمعات، فقضية العراق هي قضية دولية، ينبغي ان ينظر لها في هذا الإطار، بل إنها تخطت ان تكون مجرد قضية عابرة في التاريخ السياسي بل هي قضية ميثاق الأمم المتحدة وميثاق القرار الدولي الذي تضعه أمريكا على المحك، كما صرح بذلك في آخر جلسة لمجلس الأمن جوشكا فيشر وزير الخارجية الألماني «سيواجه مجلس الأمن في الواقع قراراً مهماً، ومن المحتمل ان يكون هذا القرار منعطفاً تاريخياً»، وأكد على نفس المعنى زميله في الدعم السياسي وزير خارجية روسيا ايغور ايفانوف عندما قال: «إن الطريقة التي ستحل بها هذه المشكلة لن تحدد فقط مستقبل العراق»، لقد أشار هذان السياسيان ضمناً إلى ان العالم يشهد محاولة لانقاذ العالم من كابوس القطب الأوحد الأمريكي الذي انطلق من عقاله لكي يعيث فساداً بمسار التاريخ الطبيعي والأمن العالمي، وان لجم هذا المارد هو ميلاد جديد لمسار سياسي، ربما يرسم لنا النظام العالمي القادم، قوى متكتلة تحافظ على كيانها من خلال ميثاق الأمم المتحدة ضد قوة واحدة لا تريد لأي كائن ان يقف عقبة في مصالحها وهيمنتها، ومن المعروف ان تضخم القوى في حيز سياسي واحد هو أحد الأسباب الذي يدفع بكل الأطراف ان تتقيد بنظام وقانون متفق عليهما يسير أعمالها من دون جور أو طمع، وهذه الحقيقة هي التي حققت الديمقراطية في الدولة الواحدة بين جميع الأطراف السياسية والعسكرية والتشريعية.. والعالم الآن يتمخض عن هذا النظام وان لم تكتمل ولادة الفكرة بعد..
والموقف العربي أو الإسلامي ينبغي ألا يشذ عن هذا المسار، وألا ينغمس في خداع سياسي يمارسه على الصعيد الاقليمي، ولكنه ينبغي ان ينخرط في عمل دبلوماسي، ويقف في صف المحافظة على التوازن العالمي جنباً إلى جنب مع فرنسا وألمانيا وروسيا والصين، وهذه الجهود الدبلوماسية يفترض بها ان تمارس في داخل الأمم المتحدة أو على هامشها، رغم ان العراق تقع في الشرق إلا ان الأنظار ينبغي لها ان تتجه إلى الغرب لكي نعرف حقاً ما يمكن ان يؤول إليه أمرها.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved