Saturday 5th april,2003 11146العدد السبت 3 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيء من شيء من
استهتار الأمريكيين بالمدنيين
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

دأب الإعلام الأمريكي في معرض تبريره لحربه على النظام العراقي أن هذه الحرب ستكون حرباً نظيفة، أشبه ما تكون ضربات آلتها العسكرية الأمريكية بمشرط الطبيب الذي يجرح ليستأصل الداء من الجسد بكل مهارة ودقة.
غير أن الحقيقة هي أن الحرب دائماً وأبداً قذرة، فليس ثمة حرب قذرة وحرب نظيفة، هذا ما رأيناه بأم أعيننا ونحن نتابع مجريات هذه الحرب على شاشات الفضائيات. ومع ذلك تبقى هذه القذارة نسبية إلى درجة كبيرة. وأقول نسبية لأن هناك فرقاً بين من يستطيع أن يميز بين المدني وبين غير المدني في توجيه نيران قذائفه، وبين من لا يستطيع. الأمريكيون يقولون ويثبتون بالدليل وبالصورة أن لديهم الإمكانيةالتقنية في انتقاء الأهداف وتوجيه الضربات بدقة متناهية، بينما أن ما رأيناه على أرض الواقع من مشاهد دامية لضرباتهم للأحياء السكنية، ولأولئك المدنيين الذين يتساقطون بعد كل غارة على بغداد مثلاً، يضع الكثير من الشكوك حول نواياهم ومدى اكتراثهم بما تخلفه ضرباتهم من ضحايا انسانية ودمار «شامل» بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. فلا علاقة فيما أراه لصدام ولا كوادر حزبه ولا لجيوشه بمن يتساقطون مصابين على التراب العراقي.ورغم أنني، وما أزال، أرى أن اجتثاث نظام صدام مسؤولية عالمية، وليست فقط عربية، ولا شأناً داخلياً عراقياً، إلا أن كل ذلك لا يُبرر اطلاقاً أن تضرب الأسواق الشعبية، أو الأحياء السكنية، بهذا القدر من الاستهتار الذي لا يمكن قبوله لا إنسانياً ولا سياسياً، طالما أن بامكانهم تقنياً التمييز في الأهداف، هذه الممارسات هي بشكل أو بآخر تصب في مصلحة النظام الصدامي في التحليل الأخير، الأمر الذي سيضطر ضحايا النظام «الشعب العراقي» الذي جاءت قوات التحالف أصلاً من أجل انقاذهم، أن يقفوا مع النظام في ذات الخندق، ويحتمون به، وهم يرون هذا الكم الهائل من القنابل والصواريخ تنهمر على رؤوسهم دون تمييز بين كوادر صدام وبين الشعب. وهذا في تقديري هو جل ما يهدف إليه ويتمناه صدام في حربه مع المتحالفين ضده، كما يضع كل من كانوا يسوغون الحرب لاقتلاع النظام من جذوره في موقف ضعيف وصعب، الأمر الذي جعل معارضة الحرب تتزايد بتزايد دمويتها يوماً بعد يوم. فالغاية مهما كانت سامية لا تبرر الوسيلة إذا كانت بهذا القدر من الدموية والقذارة.واضافة إلى هذه المناظر المأساوية التي تدمي القلوب حقيقة، والتي أصبحت إحدى أهم يوميات هذه الحرب، فإن ثمة نتائج وآثار سياسية مأساوية أخطر وبكثير من بقاء هذا النظام، ويبدو أنها ستنتج عن هذه الحرب فيما لو استمر المهاجمون الأمريكيون بهذا القدر من الوحشية وعدم الاكتراث بالإنسان المدني في تعاملاتهم العسكرية على مسرح العمليات، مما قد يجعل اجتثاث هذا السرطان يفرز سرطانات عدة، هي أشد خطراً أو أعمق أثراً من صدام وممارساته. فشعوب المنطقة لديهم موقف عدائي أصلاً من السياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل وعنجهيتها غير المبررة في تعاملها الدموي والتدميري مع الفلسطينيين، لتأتي هذه الحرب بهذا الشكل الوحشي الدموي وتكرس العداء وتزيد الطين بلاً، وتعطي كل المزايدين على كره أمريكا من منطلقات عنصرية مبررات وشواهد وأدلة تجعلهم يعمقون الفجوة بين الثقافات، ويكرسون خطابهم الذي يحاول أن يرسخ القول: إن منطلقات التعامل السياسي مع العرب والمسلمين من قبل الأمريكيين هي منطلقات عنصرية، وغير انسانية، بل لا علاقة لها بالمصالح بقدر علاقتها بالحرب على العرب والمسلمين. ومثل هذه المفاهيم عندما تتكرس لدى الشعوب فإنها ستنعكس أولاً على تفاقم العداء بين الحضارات، بالشكل الذي يزيد من اتساع الفجوة ويعمق التباين الثقافي بين شعوب العالم، ويؤدي في النهاية إلى تفاقم الارهاب الذي هو عدو العالم الأول، وهو الذي كان تطويقه والقضاء عليه أحد مبررات الحرب في الخطاب الرسمي الأمريكي، لينقلب السحر على الساحر في النتيجة النهائية.ولكن، هل يدرك «رامسفيلد» مدير هذه الحرب وموجه قراراتها الأول هذه الأبعاد، وهو بهذه الطاووسية والغطرسة والعنجهية والامبالاة التي أعمته كثيراً من أن يرى أبعد من أرنبة أنفه؟ هذا هو السؤال.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved