Sunday 6th april,2003 11147العدد الأحد 4 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

اجعلوا لنا (شَجَرة).. كما لهم (شَجَرة)..؟! اجعلوا لنا (شَجَرة).. كما لهم (شَجَرة)..؟!
حمّاد بن حامد السالمي*

* قرأت ما نشره بعض الصحف قبل عدة أيام، عن اختيار الأردن شجرة (البلوط)، شجرة وطنية للبلاد، من أجل ترسيخ أهميتها كرمز وطني وموروث تاريخي، وشاهد على حضارات الماضي.. ودعت وزارة الزراعة هناك، كافة المواطنين، إلى مراجعة فروعها، لاستلام غرسات من هذه الشجرة، لاستزراعها وتكثيرها في بلادهم. وقال الخبر: بأن في الأردن وحدها، أكثر من مليون ونصف المليون من أشجار البلوط..!
* وكانت لبنان، هي من البلدان العربية السباقة الى الاحتفال بشجرتها الأم (الأرز)، التي تغطي مساحة شاسعة من جغرافية البلاد، فجعلتها رمزا وطنيا على علمها الوطني..!
* أقول بعد ذلك: إن بلادنا منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، وهي تعترف بالقيمة والفضل الكبير، لعمتنا (النخلة)، لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (النخلة عمتكم)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فهي الدولة العربية الوحيدة، التي جعلت من هذه الشجرة العظيمة، شعاراً وطنياً لها، يقوم على سيفي الحق والعدل، والمملكة في ذلك الوقت، لم تنهج هذا النهج من فراغ، أو رغبة في المفاخرة والتميز، وإنما فعلت ذلك، إنصافاً منها، لثلاثين مليون نخلة مثمرة كانت في بلادها قبل النفط، وكانت النخلة في الغالب، تمثل الغذاء والكساء والدواء لسكان المملكة، وتمثل في ذات الوقت، الخزن الاستراتيجي الوطني، الذي تعتمد عليه الدولة في أوقات الرخاء والشدة.
* هل انتبهنا نحن بعد مضي أكثر من سبعين عاما، إلى ما عناه رمز النخلة في الشعار الوطني..؟!
* أتوجه بهذا السؤال، إلى أمناء المدن، وإلى رؤساء البلديات، وإلى المسؤولين في وزارتي الزراعة والمياه، ومراكز الأبحاث البيئية والمائية والزراعية.. ثم أقول: لماذا لا تجعلوا من نخلتنا العربية الوفية، شجرة لنا، مثلما جعلوا من البلوط شجرة لهم في الأردن، ومن الأرز شجرة لهم في لبنان، ومن الزيتون شجرة لهم في تونس.؟!
* لماذا نهمل عمتنا النخلة، ونحن نعرف جيدا، أنها ذكرت في القرآن الكريم (عشرين مرة)، وذكرت في الأحاديث النبوية الشريفة، عشرات المرات، وأنها تحمل من السمات الحضارية والتراثية لهذه البلاد، الشيء الكثير، وهي كذلك، الشجرة الوحيدة التي تناسب بيئاتنا الجغرافية المتباينة، في مختلف المناطق، وتملك صبر أيوب، على سفي الرمال، وشح المياه، وعصف الرياح، وتقاوم عقوقنا على مر السنين.. بل تقابل عقوقنا لها، بظل ظليل، ومنظر جميل، وتمر لذيذ..!
* منذ سنوات طويلة، ونحن عاكفون على إجراء مختلف الدراسات والأبحاث، على أشجار من مثل: (الكزورينا، والفكس، والدفلة، والكينا)، وغيرها من الأشجار المستجلبة بمئات الملايين، من أوروبا وأميركا وشرقي آسيا، وفي كل عام نكتشف، أن تجاربنا غير مجدية، بدليل، أن شوارعنا المشجرة، تبدو وكأنها (مجدرة)..! لأنها مغروسة بتشكيلة من أشجار ليس بينها توافق أو تناسق أو تجانس، فهذه الشجرة تموت واقفة، والأخرى يتوقف نموها عند حد معين، والثالثة تزحف على الأرصفة، وكل هذه التوليفة من الكلفة بمكان، لأنها تتطلب مياه الأنهار، وتنفر من شمس النهار، وتساقط أوراقها بكثافة..!
* كيف غفلنا أو تغافلنا سنوات كثيرة، عن الاشجار البيئية التي تصلح لنا في بلادنا، نعرفها نحن، وتألفنا هي، مثل شجرة النخلة على سبيل المثال.. لقد رأيت مؤخرا، صحوة بعد غفوة في مدينة جدة، فقد اقدمت أمانتها على التخلص من كافة الأشجار المستجلبة، التي كانت تصطك زاحفة أو راكعة في الشوارع، واستبدلت النخل الذي سرعان ما تجاوب مع الأمانة، فراح يخضر ويعلو في سماء عروس البحر الأحمر.
* قد يرى البعض، أن جغرافية المملكة واسعة، وفيها كثير من التباين، فالنخل الذي يزرع في المناطق الصحراوية الجافة والحارة، لا يتناسب مع الجغرافية الجبلية، وهذا صحيح، وفي إمكاننا، الرسو على منهج واضح في السياسة الحرجية والتشجيرية والتجميلية في عموم المملكة، بحيث نصل في نهاية الأمر، إلى (هوية) واضحة في التشجير والتخضير، لأنه ليس من المنطقي ولا من المعقول، أن نستمر في اجراء تجارب غير مجدية، على أشجار مستجلبة، وكأننا نصر على نبذ المحلي، واستصلاح غير المحلي بالقوة..!
* لماذا نجافي (النخلة)..؟ ولماذا نصرف عرضا عن (العرعرة) على سبيل المثال..؟ فالأولى مناسبة بالكلية للمناطق الصحراوية والساحلية والجافة، والثانية تصلح بكفاءة، للمناطق الجبلية.
* لم نجد حتى اليوم، مدينة واحدة من مدننا الكثيرة، رست على بر، في خضم بحثها عن شجر للزينة يناسب جغرافيتها ومناخها، فليس هناك هوية (تجميلية تشجيرية)، تتميز بها العاصمة الرياض، أو الدمام وجدة ومكة والمدينة والطائف، عوضا عن بقية المدن الاخرى.. كل ما هو حاصل، خليط من أشجار زينة من أكثر من قارة، ليس له قيمة قارة، ولا يكتسب صفة جمالية او بيئية تمنحه البقاء طويلا، كما انه من النوع المكلف، الذي يتطلب ماء أكثر، وخدمة أكثر.
* أقول قولي هذا، وكافة الجهات المختصة بالتشجير في المدن، تستعد لمناسبة سنوية هي (اسبوع) الشجرة، وانتهز هذه المناسبة الجميلة، لأدعو كافة المسؤولين في هذه القطاعات (البلدية والمائية والزراعية والبحثية)، لأن يجعلوا نشاطهم الزراعي هذا العام، تحت شعار: (عمتنا النخلة).. لأنها هي التي تستحق منا هذا الاحتفاء، فعطاؤها الجزيل لأبناء هذه البلاد جيلا بعد جيل، يفوق ما نوليه لها من اهتمام وعناية.
* ولأني من (حزب النخلة)، بل من محبيها الخُلص، لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم، أحبها واثنى عليها ووصى بها خيراً، فهذه تحية شعرية لها، هي من شعر أمير الشعراء العرب، (أحمد شوقي) رحمه الله، حيث قال، وما أجمل وأبلغ ما قال:


وبأسقة من بنات الرمال
نمت وربت في ظلال الكثب
كسارية الفلك أو كالمس
لة اوكالفنار وراء العبب
تطول وتقصر خلف الكثيب
اذا الريح جاء به أو ذهب
تخال إذا اتقدت في الضحى
وجر الأصيل عليها اللهب
وطاف عليها شعاع النهار
من الصحو أو من حواشي السحب
وصيفة فرعون في ساحة
من القصر واقفة ترتقب
قد اعتصبت بفصوص العقيق
مفصلة بشذور الذهب
وناطت قلائد مرجانها
على الصدر.. واتشحت بالقصب
وشدت على ساقها مئزراً
تعقد من رأسها للذنب
أهذا هو النخل.. مَلْكُ الرياض
أمير الحقول.. عروس العِزَب
طعام الفقير.. وحلوى الغني
وزاد المسافر والمغترب
فيا نخلة الرمل.. لم تبخلي
ولا قصرَّتَ نخلات الترب
وأعجب كيف طوى ذكركن
ولم يحتفل شعراء العرب..!
أليس حراماً خلو القصائ
د من وصفكن.. وعُطْلِ الكتب
وأنتن في الهاجرات الظلال
كأن أعاليكن العبب
وأنتن في البيد.. شاة المعيل
جناها بجانب أخرى حلب
وأنتن في عرصات القصور
حسان الدمى الزائنات الرحب
جناكن.. كالكرم شتى المذاق
وكالشهد.. في كل لون يحب

fax: 027361552

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved