Saturday 12th april,2003 11153العدد السبت 10 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المنشود المنشود
قُرناء الثكل!!
رقية الهويريني

اعتصرنا الألم ونحن نتلقى الخبر! فكيف بها وهي تواجه ألم الفقد.. ومرارة الحرمان وأي حرمان؟!
إن من شدة امتزاجها الروحي بوالدها لم يدر بخلدها لحظة انها ستفقده، على الرغم من إيمانها بالله ورضاها بقضائه!!
كانا كالفرقدين في ائتلافها، ولكن هادم اللذات لم يدع قلباً إلا اعتصره، ولا كبداً إلا أوجعها! بيد انه لا راد لقضاء الله..
زميلتنا «أم نواف» فقدتْ والدها، وكثير منا فقد أحد والديه أو كليهما ولكننا حين نذكر علاقتها بوالدها فإننا نتحدث عن نوع فريد من العلاقة بين والد وابنته.. فيكفي ان تُجري اسمه على لسانك حتى تتحول ملامح التوتر والقلق من وجهها إلى سعادة غامرة لتسترسل في حديث شيق عن تضحية أب يندر وجوده في هذه الحياة!
كانت تطفر الدموع من عينيها حين يرد اسمه على لسانها وهو يعاني أمراض الشيخوخة ويقاسي آلام الهرم. ومتى لم يأت ذكره، أو يداعبها طيفه؟! وإننا لنأمل يا «أم نواف» ان دوام ذكرك والدك بالخير والترحم عليه والدعاء والاستغفار له يكون من باب اتصال البر به والصدقة الجارية. ولو يعلم الآباء ان اغداق الحب والحنان على أبنائهم هو الدرع الواقي بإذن الله ضد الانحرافات السلوكية بأشكالها ووقاية من الأمراض النفسية بأنواعها لما سمعنا عن حالات العقوق التي يمارسها الابناء تجاه آبائهم بسبب العنف من قِبل الآباء نحو ابنائهم، وعدم الاحسان إليهم بتربيتهم إبان طفولتهم وتضييعهم في فترة شبابهم. وما تُرى تحتاج «الفتاة» ووالداها يجزلان لها الثناء، ويسكبان في اذنيها عبارات الاطراء حين تصيب، والاحتواء حين تخطئ، ومشاركتها حيرتها وعناءها حينما تعصف بها صروف الحياة!!!
وعندما سخَّر الشيخ صالح الحصان رحمه الله كل عطائه لأبنائه حتى أغناهم بعطفه وحنانه قبل ماله، لم يوفر صحته أو شبابه بل بذلهما لأولاده بصفاء نفس وتفان وتضحية، فلا تقول انه يعطف على الصغير دون الكبير، أو يشفق على المريض قبل الصحيح، بل كان عادلاً بينهم حتى استطاع بلطفه وعدله اخماد نار الشحناء التي عادة تشتعل بين الاخوان بسبب التفريق في معاملة والديهم، وتراه يستكثر على نفسه نزهة قصيرة مع أصدقائه وأقرانه فيقضيها جذلاً مع أولاده، مسروراً بصحبتهم، وتجده ينبوعا يتدفق فرحاً وسعادة عندما يشاركهم فرحهم بمولود جديد أو نتائج دراسية باهرة. كما يتقاسم معهم ألمهم ومعاناتهم! وأخالك تشفق عليه وهو يراوح في مكانه ذاهلاً حينما تعتري إحدى بناته نوبات المخاض المعتادة معلنة قرب الولادة فيلازمها نهاراً متحاملاً على آلام كهولته، ويسهر معها ليلاً مقاوماً شيخوخته حتى يُسفر الصباح عن وجهه، ويتمخض الألم عن جنين يبدد بكاؤه هلع الوالد ويسكن روعه!
وحين نتحدث عن الرجل فإننا لا نزكي على الله أحداً بيد ان المرء يُكبر في هذا الشيخ علاقته بأبنائه واستشعاره عظم المسؤولية، وحفاظه على كرامتهم بتجنبه ما يسيء إليهم من تصرفات سلبية أو صفات شخصية قد تقدح مكانتهم الاجتماعية. بل انه حرص ان يورث لهم الذكرى الطيبة الصالحة بين الناس، وحسناً فعل!! وهو مع هذا يحمل بين جوانحه أجمل معاني الأبوة والإنسانية لأبنائه من عاطفة متدفقة حد الارتواء فأغناهم بحبه عمن سواه من البشر حتى لم يعودوا يستدروا عاطفة مشوبة بالطمع قد تصادر حريتهم أو تستغل حاجتهم، وكثيراً ما تعصف العواطف في النفوس.وما كنت لدينا حين أداعبها بأن تمنحني اشتراك «أبوة» معها، فيفتر وجهها عن ابتسامة الفخر والاعتزاز بهذا الأب المعطاء.. وما كنت لدينا وهي تهمس في أذني لتبثني لوعة اشتياقها لوالدها الغائب الحاضر.. لتتحول صفحة وجهها إلى جداول من الدموع تنبئ عن فراق سيطول!!
أحسن الله عزاءك أيتها العزيزة وعوضك بوالدتك وأبنائك خيراً. فمثله يُبكى، ومثلك ثكلى، تشاركك كل معاني العطاء والتضحية والشهامة.


وإن كنتِ فقدتِ عيناً في الكبر
فغيرك فقد الاثنتين في الصغر!!!
«أم نواف» ونحن قرناء في الثكل
فهل لازال الاشتراك سارياً؟؟!!

ص.ب 260564 الرياض 11342

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved