Saturday 12th april,2003 11153العدد السبت 10 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حملات ترشيد المياه.. الدور المفقود حملات ترشيد المياه.. الدور المفقود
تصميم هذه الحملات للتأثير على سلوك المستهلك
م. صالح بن محمد علي بطيش

الماء نعمة من نعم الله، مصدر حيوي وضروري، له أهمية قصوى، ليس لحياة البشر وحسب، بل وللحيوانات والنباتات وسائر الكائنات الحية، كان سبباً للاستيطان، حيث قامت الحضارات قرب مصادر المياه، حول الأنهار والينابيع.
الآبار من مصادر المياه الرئيسية في الماضي، كانت ملكاً للقبيلة أو الأفراد الذين قاموا بحفرها، ولشح المياه، حيازة هذه الآبار لا تتم إلا بعد منازعات دموية. في المراحل الأولى من نشوء المجتمعات، عادة يكون الطلب على المياه أقل من المعروض منها، لكن في المراحل اللاحقة من النمو والتطور، يتزايد عدد السكان وينمو الدخل والنشاط الاقتصادي، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على المياه وقد يتخطى المعروض منها، عندها يتم اللجوء إلى تقنين وتوزيع استهلاك المياه المتوفرة.
رغم ندرة الماء في الماضي نسبياً، إلا أن الوصول إليه سهل المنال، من خلال حفر الآبار وصولاً إلى الطبقات المائية قليلة العمق، يؤمن حاجات السكان قليلي العدد، ولكن الأحوال تغيرت، فقد شهدت المملكة حركة تنمية شاملة في كافة القطاعات، مقرونة بتسارع في معدلات نمو السكان ومستويات المعيشة، أدى ذلك إلى زيادة الطلب على المياه، وتفاقم الوضع نتيجة التوسع في النشاط الزراعي ودعم إنتاج القمح، وهذا شجع على حفر الآبار واستخراج المياه غير المتجددة، ونتج عنه تفاوت توزيع حصص المياه لصالح سوق «قطاع» الزراعة على حساب سوق سقيا السكان، فالتوسع في النشاط الزراعي وتسارع نمو السكان والطبيعة القاحلة وندرة إمدادات مصادر المياه الطبيعية، والتوسع المدني، كل ذلك أدي، منفرداً أو مجتمعاً، إلى تفاقم الطلب على المياه لكل من القطاعين أو السوقين الزراعي وسقيا السكان، مما نتج عنه نقص في المياه وتراجع الكميات المتوفرة للفرد وحرمان مجموعة من السكان من الحصول على الكميات الكافية من مياه الشرب، وباتت ندرة الماء- يوماً بعد يوم- مشكلة ملحة، وأصبحت موضوع الساعة، والقضية الأساسية والأولى في إعاقة تنمية المجتمع.
لذلك أصبحت الحاجة ماسة وملحة لتطوير طرق ووسائل وأدوات ملائمة لإدارة الطلب على المياه، وذلك من خلال الإدارة المتكاملة أو الشاملة لموارده، حيث تتكامل فيها الخطط والبرامج وتتضافر جهود جميع القطاعات، ضمن إطار اقتصادي واجتماعي، يؤخذ في الاعتبار هموم ومخاوف جميع المعنيين والمستفيدين والمتضررين من ندرة المياه، ونودع ما عهدناه سابقاً من الأساليب التقليدية في التعامل مع موارد المياه، حيث كان يتم تناول وإدارة كل عنصر على حدة. تحتاج القضية إلى وعي ثقافي جديد يقوم على أساس النظر إلى المياه كمنفعة اجتماعية واقتصادية ومصدر محدود قابل للنضوب، حيث ان للثقافة دورا ودافعا إيجابيا في علاج كثير من القضايا، ويكون لتعاليم الإسلام دور مركزي ومحوري في التعامل وعلاج هذه القضية، فأي خطة تنطلق من هذا المحور تكون فعالة ويكتب لها التوفيق والنجاح بإذن الله. لتعاليم الإسلام وتوجيهاته نفوذ وتأثير قوي وفطري على المجتمع المسلم، لذلك استثمار قنوات الاتصال واستخدام المفاهيم والتوجيهات الإسلامية في الحفاظ على الموارد المائية ذوا جدوى، ويكون لهما الأثر الواضح والملموس، ويؤتيان ثمارهما وأكلهما كل حين بإذن الله، وذلك في رفع مستوى الوعي والارشاد والتوجيه، وتحسين وتهذيب سلوك المستهلك تجاه المياه، وبذلك نرسخ مفهوم الاقتصاد في استعمال المياه كمفهوم ثابت في الإسلام وكطريقة حياة، ليس مجرد حل مؤقت يصار اللجوء إليه في أيام الشح أو في حالات عارضة، بل في جميع الأوقات، حسنة كانت أم سيئة، في الرخاء أم في الشدة.
يتعين على المسلم أن يقتصد في استعمال المياه حتى ولو أخذها من نهر جار، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مر بسعد وهو يتوضأ فقال:«ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أفي الوضوء سرف؟ قال: نعم ولو كنت على نهر جار». الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد «أقل من اللتر»، ويغتسل بالصاع «حوالي 5،3 لترات»، هذه إشارات واضحة إلى أهمية إدارة الطلب على المياه، واستخدام الموارد المائية بشكل منطقي مستدام ويحافظ على استدامة توفرها.
إدارة الطلب على المياه تستوجب تضافر الجهود ومشاركة جميع شرائح وفئات المجتمع، لتغيير نمط وسلوك المستهلك، وذلك من خلال وسائل الإعلام المتعددة المرئية والمسموعة والمقروءة، ونظام ومؤسسات التعليم وأئمة المساجد، لأن علاج ظاهرة الإسراف في الاستهلاك يحتاج إلى استراتيجات وخطط دائمة ومستمرة تستعمل المفاهيم والتوجيهات الإسلامية في حملات التوعية وطرح لآليات وإرشادات وملصقات وبرامج تخاطب العقول والفطرة في المستهلك للحفاظ وترشيد استعمال المياه. هذه الحملات يجب أن تجري بصورة مستمرة ومنتظمة، لأن الجهود المعزولة من استبدال الأدوات الصحية«السيفونات» أو زيادة تعرفة المياه، والحملات المؤقتة لا تحقق النتائج المرجوة منها التي تهدف إلى إحداث تغيير في أنماط سلوك المستهلكين.
إدارة الطلب على المياه من خلال تغيير سلوك المستهلك عملية بطيئة عادة، لذلك حملات التوعية المؤقتة والعارضة لا تجدي، الحملات التقليدية تنصب وتنحصر على الاستعمالات والاستخدامات المنزلية، وهذا لا يكفي، الاهتمام يجب أن يكون أشمل من ذلك، حيث ان أسواق المياه. تشمل سوق الري والزراعة، سوق الصناعة، سوق المساجد، سوق سقيا المنازل، سوق الفنادق والاستراحات وصالات الأفراح، سوق شريحة السكان ذات الاستهلاك المميزVIP.
حملات الترشيد نظام متشابك ومتداخل ومتعدد الجوانب، بدءاً بالتوعية وإنتهاءً بتوفير الأجهزة والتكنولوجيا والتعرفة، وجميع هذه الجوانب ينبغي أن ينظر لها من حيث علاقتها بسياقها الاقتصادي والاجتماعي والديني، كعناصر أساسية من عناصر الإدارة المتكاملة لموارد المياه، وتشكل التوعية العامة والتعليم عنصرا أساسيا وضروريا لضمان مشاركة ومساهمة جميع أفراد المجتمع في الحفاظ على الثروة المائية.
يشكل المسجد المكان الأفضل لمخاطبة المجتمع، كما أن صلاة الجمعة تمثل فرصة أسبوعية لمخاطبة جميع أفراد وشرائح المجتمع. تعاليم وتوجيهات الإسلام منبر فعال ومؤثر، قادر على الوصول إلى أذهان وقلوب كافة شرائح وفئات المجتمع، سواء في البيت أو الشارع والمدرسة والجامع أو الجامعة. التوعية مسؤولية مشتركة وشاملة ولنجاح هذه المهمة، لابد من مشاركة المستهلكين ووزارة المياه ووزارة الشؤون الإسلامية للتعاون وتنسيق الجهود وتقاسم الأدوار وتبادل المعلومات. لا ينبغي استبعاد دور الأئمة والوعاظ في هذه الحملات، فدورهم مؤثر وفاعل فهم أقدر من خبراء المياه في التأثير على سلوك المجتمع، بعد أن يتم تزويدهم بمعلومات عن وضع الموارد المائية وما يواجه المجتمع من نقص في المياه، وذلك بهدف تأصيل مفهوم الاقتصاد والمحافظة عليها كجزء من مفهوم الإدارة الشاملة والمتكاملة لموارد المياه. التعرض والحديث عن نقص المياه لا يكونان عارضاً، بل يتكرران، خصوصاً في فصل الصيف حيث يصل الطلب إلى ذروته، كذلك يمكن تناول هذا الموضوع في المدارس والجامعات ومؤسسات التعليم من خلال مواد الدين واللغة العربية والعلوم والجغرافيا وإعداد ندوات ومحاضرات للطلبة والطالبات وسيدات البيوت، وعلى المجتمع أن يلم بخطورة وضع المياه وضرورة المحافظة عليها، وتوفيرها لهذا الجيل والأجيال القادمة من منطلق التنمية المستدامة.
يرتبط نجاح حملات الترشيد وتستمد جذورها من فروع العلوم الاجتماعية منها : علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد وعلم الإحصاء. علم النفس يساهم في تفسير سلوك وشخصية المستهلك الفرد من حيث إدراكه وتعليمه ودوافعه وكيفية التأثير عليه، كما أن علم الاجتماع يساهم في تفسير سلوك المستهلك وتأثره بعادات وتقاليد وقيم وثقافة وسلوك مجتمعه الذي يعيش فيه.
سلوك المستهلك ليس نتيجة لعامل أو متغير واحد، بل هو سلوك يتغير مع الزمن وتطور الفكر والمجتمع، وهو عملية معقدة تشمل متغيرات نفسية واجتماعية وحضارية واقتصادية، لتفسيره والتأثير عليه يحتاج إلى مشاركة مجموعة من المتخصصين في فروع العلوم الاجتماعية في تصميم حملات الترشيد، حتى يتم تصميمها لتؤثر على سلوك كافة أنماط وشخصيات المجتمع.
وأخيراً القضية في حاجة ملحة وماسة لإنشاء قاعدة بيانات تجمع أدبيات المياه، وتوثيق تجارب الآخرين على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، لتكون في متناول الباحثين والمهتمين من خلال موقع وزارة المياه على شبكة المعلومات العالمية «الانترنت».

055475236

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved