Wednesday 16th april,2003 11157العدد الاربعاء 14 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حرب العراق: لنبحث عن الإيجابيات..!! حرب العراق: لنبحث عن الإيجابيات..!!
تركي بن منصور التركي(*)

إن المتأمل للتفاعل الإعلامي المتوالي والمكثف لمجريات الأحداث التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط خاصة بعد العدوان الأمريكي على العراق يلحظ المساحات الكبيرة من الألم والاحباط وهدم المعنويات المتلاحقة من خلال تصوير واقع الضعف الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية والتي كانت تتباكى إلى زمن قريب على فقدان فلسطين فإذا بها تفاجأ بفقد العراق..!
الإعلام هو الرسالة التي تتنفس من خلالها الشعوب وهي المعيار لما يمكن أن تكون عليه الأمم، فبحسب ماهية التناول الإعلامي تبنى قناعات ومعتقدات للشعوب، والاستمرار في عرض الجانب السلبي لمشكلة العدوان ما هو إلا نذير بمزيد من الاحباطات والآلام التي ستجد الأمة أنها مجبرة على التعايش معها قسراً دون أن تحاول ولو لمجرد المحاولة أن تعمل ما يقيها هذا الداء العضال.
والحروب في كل زمان ومكان لم تكن خيراً ألبتة، ولم تخلف وراءها إلا الخراب والدمار، وهذا أمر معروف لا يحتاج إلى ذي فطنة أن يتحدث به، وما صور السلب والنهب التي ملأت شاشات أجهزة التلفاز وتصدرت صفحات الصحف وصور الجثث المتفحمة هنا وهناك إلا خير دليل على ذلك!!
لكن مع ذلك.. ومع خطورة الوضع سواء في العراق كدولة أو الاخطار التي تهدد دول الجوار نتيجة لنزعة الدم التي أججتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر لدى الأمريكيين، فإن في الصورة تبقى ثمة علامات مضيئة،مشرقة، بلا شك تبدو غير ظاهرة بفعل أن الجميع انكب بشكل هستيري متزايد على التفاني في عرض الصور السلبية القاتمة السواد، وهي مع ذلك تحتاج إلى ذي بصيرةيخرجها ويعرضها بذات متساو مع الصورة السلبية المنطبعة في الأذهان.
وليس غريباً وبفعل سيطرة التعاطي الإعلامي مع الصورة السلبية أن تخرج جل رؤى وتحليلات المتابعين والمطلعين وحتى العامة وهي تتساءل بحرقة (وماذا بعد العراق..؟) ولا أخالها تنتظر هذه التالية دماراً وتخريباً بعد العراق.. ولكنها ومن عظم ما أصابها من احباط ويأس باتت متقبلة لصدمات مقبلة، وهنا مكمن الخطورة.. إذ إن التركيز على آلسلبيات ووضعها ماثلة في الذهن قد ينذر بتحققها ورسول البشرية عليه أفضل الصلاة والسلام قال قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام «تفاءلوا بالخير.. تجدوه» وهذه رسالة واضحة بوجوب تعويد أذهاننا على «التركيز» على الايجابيات وعلى مواطن الخير والصلاح.. ومفهوم حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم أن التشاؤم «عكس التفاؤل» في الأمور قد ينذر بوجود وتحقق ما نحذر منه ونخاف..!وفي العدوان الأمريكي/ البريطاني على العراق أمور سلبية كثيرة ولا شك، وبفعل التعاطي الإعلامي مع السلبيات تكراراً وبحثاً وزيادة اضافة أصبح الإنسان العادي قادراً على أن يتلو لك وبدقائق المئات منها، لكن أي من وسائل الإعلام تلك مقروءة ومرئية ومسموعة لم تتحدث عما يمكن أن يحسب كايجابيات لهذه الحرب..!! وحينما أقول ايجابيات فإني لا أنفي السلبيات.. بل ربما أراها بارزة بوضوح.. ولكن أدعو إلى تسليط الضوء على جانب المكتسبات التي تحقق بعضها وربما يتحقق الآخر مستقبلاً، وكانت ناشئة أصلاً بفعل هذه الحرب.
ولن أقوم بسرد ما أراه ايجابياً لأن هناك أشياء قد يراها غيري ولا أراها أنا، ولكني سأمثل بعدد من هذه الايجابيات التي يجب أن نركز عليها ونضعها على قدر متساو أو متقارب على الأقل مع السلبيات، مثال ذلك سقوط زيف الحضارة الغربية وبالذات الأمريكية التي سرقت لب المثقفين لسنوات وهي تطبل للديموقراطية ولحقوق الإنسان وغير ذلك، حينما خالفت تلك الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة هذه الحقوق التي تتبجح حتى الآن لتحاسب بها غيرها.. وما تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان الأخير عنا ببعيد..!! فمع سقوط نظام صدام حسين غير مأسوف عليه.. ومع سقوط الشهداء كانت الحضارة الأمريكية تكشف أكثر وأكثر عن زيفها وحقيقتها، وأنا متأكد أن أول من صدم بذلك هم من تتلمذوا على ما تفرزه الحضارة الغربية حتى باتت في أذهانهم السيد الذي لا يخطئ ولا يكذب ولا يخادع..!!
أيضاً لعل من الايجابيات التي أفرزتها الأحداث الأخيرة هي اهتمام القيادات العربية بشعوبها، وذلك حينما كانت صور العراقيين وهم يدوسون بأقدامهم قائدهم الذي رددوا قبل أيام قليلة من سقوطه أنهم يفدونه بدمائهم وأرواحهم، فقرأنا كمثال اطلاق السلطات المصرية واليمنية لعدد من المعتقلين بقضايا سياسيةلأنها علمت بصدق أن الاستثمار الأمثل إنما يأتي من خلال الالتفاف المفترض أن يكون بين القيادة والشعب.
والايجابيات كما ذكرت كثيرة وواضحة لو «ركزنا» عليها وحاولنا استجلاءه تسرية للأنفس وابعاداً لها عن حالة الخذلان والانكسار التي تعيشها الأمة العربية، وبالطبع فلا يعني اهتمامنا بجانب أن نلغي الجانب الآخر، فتركيزنا على الايجابيات يجب أن يكون موازياً للتركيز على السلبيات التي من المهم أن نستخلص منها العبر والحكم التي تقينا الوقوع فيها مرة أخرى، وما قصدته بهذه الكلمات هو أن نحاول أن نمنح للجوانب المضيئة المشرقة في الأحداث - رغم ندرتها في نظر البعض - مساحتها المستحقة والتي تحتاج إلى أن نركز قليلاً عليها، مبتعدين عن نظرات التشاؤم والقراءات السلبية لواقع الأحداث المستقبلية.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved