Friday 18th april,2003 11159العدد الجمعة 16 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نقاط فوق الحروف نقاط فوق الحروف
التلفزيون والحياة الأسرية
د. سعيد بن علي ثابت (*)

إن الخوف لا يأتي دائماً من الأعداء فحسب، بل قد يأتي من أقرب شيء للإنسان، قد يأتيه من نفسه عندما تكيِّفه تبعاً لرغباتها وتستذله، بل قد تستعبده، يقول الشاعر:


أطعت مطامعي فاستعبدتني
ولو أني قنعت لكنت حراً

يروي أحد كتَّاب الأعمدة في نيوزويك الامريكية قصته مع التلفاز فيقول: حين أغلقت التلفزيون للمرة الأخيرة منذ عام مضى ظن الأصدقاء والناصحون في المجمع السكني أنني لن أمكث طويلاً من دونه كيف لا وقد أدمنت حقيقة مشاهدة القنوات التلفزيونية ولم تكن عروقي تهدأ إلا بالتزود بثلاثين إلى خمس وثلاثين ساعة مشاهدة أسبوعية، وكانت جرعة زوجتي مماثلة، أما أطفالنا الثلاثة فكانوا يستمعون إلى التلفزيون أكثر مما يستمعون إلينا!! والآن وبعد مرور سنة من إخراس هذا الجهاز تعيش عائلتنا بأمن واستقرار وهدوء اعصاب، لقد كان ذلك القرار من القرارات الحاسمة في حياتنا الزوجية ومن أكثرها حكمة وتعقلاً، لقد توفر لنا الوقت للتحدث مع أطفالنا وتبادل الأفكار والسير إلى المكتبة المجاورة وقراءة الكتب والصحف والمجلات وتناول العشاء مع الأسرة.. إن الذي كان يحدث خلال تلك السنوات الماضية من مشاهدة التلفزيون بقنواته المتعددة لم يكن إدماناً فحسب بل كان نوعاً من التكيف مع غريب في بيتنا.
هذه شهادة رجل إعلام يعيش صناعة الإعلام في المجتمع الأمريكي ويعي أبعادها، وهي بلا شك تحمل قيم ذلك المجتمع وفكره وثقافته واهتماماته. ومع ذلك يرى هذا الصحفي أن التلفزيون الأمريكي غريب يرهب الناس وينشر الذعر والفزع ويغرس في الناشئة بذور الرذيلة والفساد الأخلاقي مما قد يؤدي إلا انهيار المجتمع بانهيار الحياة الأسرية.
فماذا نقول عن حالنا مع إعلام القنوات الفضائية الذي لم نشارك في صناعة ثقافته وكافة مخرجاته الإعلامية الغريبة على قيمنا الإسلامية، وعلى كل قيم الخير التي تقرها الفطر السليمة، ولذلك نرى العقلاء من أبناء الحضارة الغربية يشمئزون منها لأنها تضحي بقيم الخير والفضيلة في سبيل الترويج للإعلان التجاري، ويتأكد لنا حجم الخطر على أبنائنا إذا عرفنا أن أغلبية سكان مجتمعنا من الناشئة، وأن هناك دراسات علمية أثبتت أن الاطفال يقبلون على مشاهدة البرامج الخاصة بهم بنسبة 90%؛ وذلك لأن التلفاز يجذبهم من خلال حاسة السمع والبصر في آن معاً من خلال الصوت والصورة والحركة والألوان، بالإضافة الى أن معدل جلوس الطفل العربي أمام التلفاز يفوق جلوس الطفل الأمريكي والأوروبي بسبب عدم توفر البدائل المتاحة لأطفالنا.
فهل لنا أن نحرر أنفسنا وأبناءنا من الغزو الإعلامي والثقافي الأمريكي الذي تحمله القنوات الفضائية الأجنبية وتردده القنوات العربية بوعي وبلا وعي وهدفه احتلال عقول أبنائنا وذلك بلا شك أنكى من احتلال القلاع والحصون.
ان تقنية وسائل الإعلام الحديثة سهلت الاتصال بنا ونظراً لأن الحضارة الغربية المادية اكثر إحساساً بأهمية تقنيات الاتصال والإعلام من عالمنا الإسلامي وأكثر صناعة للإعلام والمعلومات منا، ولذلك فإن خطر ثقافة الإعلام الوافد على أمتنا أكثر واكبر، وواجب وسائل الإعلام في بلاد المسلمين حماية أمن الأمة الفكري والثقافي من هجمة الإعلام الغربي الشرسة.
كما أن الإنسان المسلم والأسرة المسلمة عليها واجب هي أيضاً تجاه أبنائها، فهل لنا ونحن أمة {اقًرأً بٌاسًمٌ رّبٌَكّ پَّذٌي خّلّقّ} أن نستثير الدوافع للقراءة في نفوس أبنائنا كقراءة القرآن الكريم والسنة المطهرة والكتب النافعة لنجنب أبناءنا الوله بالبرامج التلفازية الهابطة الغريبة عن فكرنا وقيمنا وندفعهم لينهلوا من ينابيع أمتنا يوم كانت صانعة الفكر والثقافة.
ألسنا أحق بالحرص على استثمار أوقاتنا في كل نافع من ذلك الصحفي الأمريكي، ألسنا أحق بالسلامة والأمن منه؟ لماذا لا نبدأ بالبحث عن البديل لثقافة القنوات الفضائية الهابطة؟ لماذا لا نبدأ بالممكن كغرس حب القراءة في قلوب الناشئة منذ نعومة أظفارهم حتى يغدو الكتاب صديقهم الصدوق كما عبَّر عن ذلك الشاعر العربي:


كتابي فيه بستاني وروحي
ومنه سمير نفسي والنديم
يجالسني وكل الناس حرب
ويسليني إذا عرت الهموم
يحيى لي تصفح صفحتيه
كرام الناس إن فقد الكريم
إذا اعوجت عليّ طريق قومي
فلي فيه طريق مستقيم

(*) أستاذ الإعلام الإسلامي المشارك في جامعة الإمام

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved