Friday 18th april,2003 11159العدد الجمعة 16 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أخو لجعه.. قلق ومجد 1-3 أخو لجعه.. قلق ومجد 1-3
راكان شاعر الفرسان.. وفارس البيان
كثرت حوله الروايات.. وتردد اسمه في الجزيرة

* كتب - زبن بن عمير:
في الكتابة عن مشاهير الجزيرة العربية وخصوصا فرسانها وشعراءها متعة ولذة حقيقية ولا أروع منها إلامتعة البحث والقراءة عن الشخصية التي نريد الكتابة عنها فمن خلالها يستشف الباحث مدى تفرد أولئك الرجال في كل شيء بل انه سيجد خلاصة تجربة كاملة بكل ايجابياتها.
ولعلي عندما أردت الكتابة عن راكان بن حثلين رحمه الله كنت في ذلك البحث بين الكتب والمكتبات وصدور الرواة كبيت للشاعر عبدالله بن عون:


مغير ادوج تقول مضيعٍ حاجه
وآخذ وأعود على نفسي واهرجها

لا لشيء وإنما لمكانة راكان وقوة صيته وإمارته.. وشهرته كيف وهو.. فارس للبيان.. والسنان..
فصيح اللسان.. له قصيدة في كل زمان.. واسم في كل مكان.. لا تجارى له قافية.. ولا يشق له غبار.. تنقل بين الأمصار.. فانتقل صيته في كل الأقطار.. وأصبح أسطورة لكل السمار..
ليس لي بعدها إلا ان اعترف بأني قبل البحث أعرف ان راكان أمير العجمان.. وبعد البحث عرفت لماذا كان راكان أميراً للعجمان بل رمزاً من رموزهم وعلماً من أعلام الجزيرة.
لعل الروايات تختلف على بعض الأمور حول الشيخ راكان وأهمها ميلاده.. وطريق عودته وبعض الأحداث القليلة ويكاد الاجماع على انه ولد في عام 1230هـ وفي عام 1276هـ أصبح راكان أميراً لقبيلته خلفاً لعمه حزام بن حثلين وكان عمره 46 عاماً.
ولكن قبل ان ندخل في تفاصيل شاعرنا نريد ان نرجع الى سبب تسمية العجمان بهذا الاسم وهناك روايات كثيرة حول هذا الموضوع منها ما هو للعلامة حمد الجاسر رحمه الله أو لغيره ولعل الأصح هي أنهم لقبوا بالعجمان نسبة الى أحد أجدادهم الذي كان في لسانه لثغه واطلق عليه اسم «عجيم» وهو مرزوق بن علي لذلك نجد ان العجمان يسمون أولاد مرزوق.
يقول راكان:


ربعي ضنى مرزوق بالعسر واللين
لطامٍ للي عليهم يزومي

وهذا إثبات من شاعرهم وأميرهم لقرب صحة الرواية.
لست باحثاً في الأنساب ولا في تاريخ الأمم والشعوب ولكني جعلتها مدخلاً لقبيلة عريضة قوية اجتمعت على حب رجل واحد ولا يزال طفلهم يعرف راكان ويفتخر به وهذا هو السر ولعل حب الناس والعجمان على الأخص لابن حثلين هو قربه منهم وحبه الخالص وهذا ما سنورده في جوانب من شعره وأيضا جوانب أخرى ولعله كان مثل قول الشاعر محمد بن عمير الكندي الذي ذكر قومه:


وان الذي بيني وبين بني أبي
وبين بني عمي لمختلف جدا
فان اكلوا لحمي وفرت لحومهم
وان هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم
وليس كبير القوم من يحمل الحقدا

مع الفارق بين حال قوم الكندي وحال قوم راكان ولعل هذه كانت فلسفته نحو قومه مع العلم بأنهم كانوا يبادلونه نفس الحب والتقدير والولاء والشجاعة والكرم فزاد هياماً بهم لأنهم العجمان
شاعر وفارس طموح «عركته الدنيا عرك الرحى لثفالها» ولعل يزيد بن معاوية كان محقاً في قوله:«علموا أولادكم الشعر.. فوالله ما حكمت إلا به».
وذلك مما ساعد على شهرة راكان هي شاعريته الفذة المدونة للأحداث كيف لا وهو القائل:« الشعر حكا.. بحكا.. بس انه يتلاقا..».
فلسفة رجل نادر بكل بساطة وسهولة..
كنت أظن مع كل هموم الشيخ بانني لن أجد في قلبه محلا للهوى والحب ولكنني وجدته فارساً نادراً.. وزعيماً شديداً ومطاعاً.. وأيضا عاشقاً مرهف الحس.. رقيق المشاعر.. شريف المطامع..
ولعلي من العشق ومن أدخل الى شعره واتفرع الى جوانب أخرى في حياته من فخر وحماس..
ولعل قصة زواجه دليل واضح على ذلك عندما أتى ابن عمه ضيدان بن حزام ممتطياً صهوة جواد نادر.. وبندقية غالية القيمة والقدر فجلس ولم تضرم النار وانكر على عمه فلاح ذلك قائلا: أين حاشيتكم؟ ولم يعتذر فلاح إلا بأنهم عند المواشي.. «والمهم» بأن راكان هائم بحب فتاة أشغلته عن أي شيء.
عندها قال ضيدان: هل هو عاشق لفلانه.. قال عمه: نعم ولكنها عند ابن عم لها «حاجرها»؟
عندها قام ضيدان بطريقة ما بمبادلة الفرس الغالية والبندقية مع ابن عم عشيقة راكان بشرط ان يحلها من حجره لها فوافق فأنشد فلاح «مع العلم بأن هذا الفعل لضيدان يعد من شيم العرب وكرمهم التي لا يفعلها إلا نوادر الرجال منهم» ذاكراً لفعل ضيدان:


يامن يبشر باريش العين راكان
حنا شريناها وخلص نشبها
شرايها في غال الأسواق ضيدان
ببنت الأصيل اللي طويل حجبها

ولعل هذا دليل لقوة العشق لفرحة الأب بهذا الحدث.
يقول راكان:


الله من قلب غدا فيه تفريق
يتلي ضعون مبعدين المناحي

ليست كل هذه المتاهة فقط بل:


قسمٍ بتغريبٍ وقسمٍ بتشريق
والقسم الآخر مادرى وين راحي

متاهة تبدأ من حيث تنتهي ففي أي الأقسام هذه الحبيبة ومن هي:


لي صاحبٍ ما فتق البيت بيويق
ولا عذبه طرد الهوى والطماحي

ولكن ما هي العلة وما هو الدواء:


والله ولولا أفاهق الصبر تفهيق
وأرجى عسى دربه يجي له سماحي

كل هذا من فراقها انه عشق قاتل.
ولكن عرفنا أنها لم تعشق سوى راكان وانها ليست من بنات القوم كثيرات الخروج.. ومطيلات النظر وللسؤال هل عِشْق راكان لها لخُلقها.. أم لخَلقها:


لابو دليقٍ فوق متنه صفوقي
راعي أشقرٍ متثنى كنه حبال

يا لهذا الشعر المشابه لأشرطة أشعة الشمس الذهبية:


في عينه اليمنى جموعٍ وقوفي
وفي عينه اليسرى.. ثمانين حبال

قاتلة بنظرتها كل من نظر اليها ولعلها أصابت قلبه فاصبح متيماً بها..


وكن القلايد في نحرها شفوفي
في لبةٍ كنه قراطيس عمال

ولكن هل من تمنعها تلاقى أم انها تتمنع فقط لأنها ليست من هن:


إن قلت ديانٍ.. فلا هوب يوفي
أما الحديث زين كل بيكتال

يا لهذه الثقة المفرطة والعفة ومع ذلك هناك اشارة الى علو منزلتها في قومها لأن (الحديث الزين) وربما كان لضيف أو سائل حديث يرتقي عن كل عيب.. وهذا ديدن الشريفات العفيفات.
وربما كانت هذه السهام من عينها وعلو منزلتها وعفتها أسباباً لهيامه بها ووجده عليها:


واخلي اللي في محاجر عيونه
خيلٍ مشاهيرٍ تطارد باهلها

العيون.. العيون.. العيون
وكأنه في بيت جرير عن العيون:


يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
وهن أضعف خلق الله إنسانا

... ولكن:


أتلا العهد به يوم قفت ضعونه
يم النفود وحد مقطع سهلها
إذن هذا فراق فماذا كان يريد؟
يا هل مراديمٍ النضا اللي تجونه
ردوا سلامي أنا فدا اللي نقلها

سيفديك الكثيرون من قومك.. ولكن القلق ديدنك:


البارحة ما هملجن الحبايب
والجفن جا علمٍ عن النوم قزاه

قلق دائم..


أهجل كما ذيبٍ من الجو هايب
الصبح جاه ودغم الاشداق تنحاه

لماذا؟!


عليك يا راع الهروج العجايب
اللي كما اللولو تلاعج ثناياه

ولكن كعادة العاشقين النادرين وكعادة ا لمبدعين دائما فهم تعساء في الحب وانظروا الى هذا التوجد.. والوجد.. والحظ غير الجيد ولكنها الأقدار:


مشيناها.. خطاً كتبت علينا
ومن كتبت عليه خطاً مشاها

فانظروا:


لي صاحبٍ ما نيتي عنه نيه
واثره قضى لي حاجةٍ ما تناني

ولكن كم هذه المدة التي قضيتها في السجن:


تباشروا بي عقب «سابع ضحيه»
وأنا عليَّ أبرك ليالي زماني

وهل تعتقد أنها قصيرة سبع سنوات من التململ.. والصبر والانتظار أليس في ذلك عذر؟


لومي على الطيب ولومه عليه
وراه ياخذ عشقتي ما تناني

لم يعتقد بأنك حي فماذا كنت تريد..
ليته صبر عامين والا ضحية
والا توقع صاحبي ويش جاني
ماذا يفيد التوقع فالصبر قاتل..
أما قعد راكان ذيب السرية
وإلا يجي يصهل.. صهيل الحصاني
نعم.. نعم.. هنا قد أخطأ في حقك لأن من يحب راكان فلا بد أن يثق بالله أولاً ثم بأنه قد أحب رجلاً قلما يجود الزمان بمثله «وعدت فصهلت»..


الصدق يظهر من حباله ردية
والكذب يقطع من حباله متاني

حاشاك من الكذب فلست مجبراً عليه ولكن أليس هناك أمل:


روحي وأنا راكان زبن الوبنة
ما يشرب العقبات كود الهداني

عزيز نفس في كل شيء حتى في الحب إذن كان هذا فراقاً مؤلما وعودة غير سعيدة من جانب واحد فقط ولعلها:
«تجري الرياح بما لا تشتهي السفن»
في العدد القادم راكان.. ودنياه.. صراع وتضاد.. وكر وأسر وشوق وألم وحسره واستقرار!!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved