Thursday 1st may,2003 11172العدد الخميس 29 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في ثنايا الملتقيات الثقافية في ثنايا الملتقيات الثقافية
عادل علي جودة

في احدى قاعات العلم والمعرفة، حيث يلتقي ذوو الفكر والعلم والخبرة، قاعة المحاضرات العامة لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، احد قطاعات مؤسسة الملك فيصل الخيرية، ومنذ حوالي ستة عشر عاماً، وتحديداً بتاريخ 8/5/1408هـ ، اقيمت محاضرة تحت عنوان:« حوار الحضارات»، وكان المحاضر في تلك الامسية - ولعلي اقتبس هنا جزءاً من حديث مدير الحوار، الدكتور مرزوق بن تنباك، وهو يقدم الضيف قائلاً: اشكر الله سبحانه وتعالى ان اتاح لنا هذا اللقاء مع عالم ومفكر من علماء الامة الذين واصلوا مسيرة السلف، وساروا على طريق العلم، وجعلوا لنا من مفكري هذا العصر موضع قدم« - هو المفكر الإسلامي الاستاذ الدكتور رشدي فكار - رحمه الله -، الذي قدم محاضرة قيمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وفي نهاية المحاضرة، اي في اثناء الحوار الذي يدور عادةً عقب انتهاء الضيف من إلقاء محاضرته، كانت هنالك وقفة مع تساؤل محير من احد الحاضرين، ووقفة اخرى مع الاجابة التي هز بها المحاضر ارجاء القاعة.
اما التساؤل فكان:« الانسان الغربي غير متعادل عاطفياً، لكنه قوي ومسيطر، والإنسان المسلم متعادل عاطفياً، ولكنه في موقع الضعف وعدم القدرة على التطور. ومن هنا اصل الى التساؤل: ماذا يستفيد الإنسان عموماً من الاهتمام بالوجدانيات والعواطف إذا لم يستطع أن يصنع السلاح المكافئ لحماية نفسه؟».
والمتأمل في هذا التساؤل الذي طرح منذ ستة عشر عاماً، الذي يدور في اذهان المسلمين منذ عصور خلت، يلاحظ انه مازال قائماً حتى الساعة، والاحداث التي تجثم على صدر الامة الإسلامية تشير إلى ذلك بكل وضوح.
واما الإجابة التي رسمها المحاضر بفكره وهدوئه وكون منها لوحة فنية امتزجت فيها الوان الطيف كلها، واحدثت وقعاً عظيماً في نفوس الحاضرين، فقد كانت على النحو الآتي:
«هل الإنسان خلق ليكون حيواناً او ليكون إنساناً؟ إذا كان الإنسان خلق ليكون «هومو هوميني لبوس» كما قال الشاعر اللاتيني بلوتس حينما قال: ما ابشع الإنسان حينما تكون علاقة الإنسان للإنسان «هومو هوميني لبوس»، اي علاقة الذئب بالذئب، يعني تتحول البشرية الى مجموعة من الذئاب، هذه اقولها لمن يعتقد ان الغربي حقق وانجز، لنكون صرحاء، للاسف هناك انبهار، الغربي يعرف حدوده وابعاده، ولكن الذي لا يعرف حدوده وابعاده هذا المنبهر به، غاب عنه ان هذا الغربي صاحب ابشع مجازر دموية في تاريخ البشرية، واعني بذلك الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية لم يقم بها القبائل والعشائر والناس البسطاء، لا، بل قامت بها الدول المتقدمة، فهي حرب، حرب الملايين من القتلى، وتخريب المدن، اذاً هذه القضية لابد ان نضعها في الحساب كون الإنسان مجموعة ثلاثية، مشاعر، ومنافع، وغرائز، وبقدرما مشاعره تقود غرائزه ومنافعه ومصالحه، بقدر ما يرتقي في إنسانيته، وحينما تقود غرائزه مشاعره ومصالحه بقدر ما ينزل الى حيوانيته، فاذاً الغربي لا جدال انجز واختزل، وهو منبهر بما انجز، وبأنه يتنزه في الفضاء، وانه يمشي على القمر، نحن متفقون، هذا لا يمكن ان ننكره، ولكن الخطأ المطبعي، او المعادلة الخاطئة ان الغربي انتصر في شيء محدد وهو التجريب العلمي، بمعنى انه استطاع عن طريق السيطرة على ظواهر عزلها مخبرياً، او استطاع ان يكشف قوانينها، ان يعطي لنفسه هذا الهيلمان بفضل المعرفة التكنولوجية والتطبيق الصناعي، ولكن هل انتصاره في التجريب العملي، يعني انتصاره في الإنسان؟ هذه القضية التي دفعتني لوضع الموسوعة في علم الإنسان.. فالغربي إنسان بقدر ما تجده في اثناء عمله دائماً يعمل ويعمل، ولكن يكفي يخلو بنفسه، انتهى يوم العمل، ويجلس مع نفسه ماذا يفعل؟ هذا هو السؤال المطروح، حينما يريد أن يكون إنساناً، لا آلة، ولكن انتهى كآلة وبدأ يريد ان يكون إنساناً، فأما انه - وهو الغالب - يسكر، يذهب الى البار، وقالها جورباتشوف، حين قال نحن مجتمع سكارى الفُتكا، لأنه اساساً يريد ان ينسى نفسه لأنه غير قادر على ان يتواجه، وهناك الآخر الذي يذهب الى الصيدلية بكل هدوء يشتري حبوباً مهدئة ومنومة ويذهب الى منزله لينام - انا لي صديق صيدلاني يقول ان نسبة رواد الصيدلية لهذا الغرض تصل الى 70 او 75%، فاذاً اما خمر، واما حبوب منومة، واذا اصر على ان يتواجه فهو شيء من اثنين اما ينقد كمفكر او عالم، وهذا ما رأيناه في القمم الفكرية في الغرب، واما ان يعلن الرحيل، فلا داعي لشبابنا ان ينبهر بالمظاهر، الغربي فعلاً متقدم وصاحب انجازات، لا ننكر هذا ابداً، ولكن هذا الغربي ايضاً علينا ان نعي جيداً أنه في الداخل جاف، فهل نحن نقبل لأنفسنا ان نكون اصحاب الهَمَّينِ؟ يعني لدينا هم وهو كيف نتواجه موضوعياً في الحياة والتقدم الموضوعي والارتقاء الفكري والعلمي.. الخ.
ونضيف اليه همه وهو الجفاف، فالذي اخشاه ان نصبح من ذوي الهمين، يعني همومنا التي علينا ان نتخلص منها لكي نرتفع الى مستوى حياة تتماشى مع العصر، وبدلاً من ان نعالج همومنا نذهب لنستقي من بقايا همومه وهذه امنيته، فنبدأ نحاكيه ونقلده، والعين بصيرة واليد قصيرة، وفي النهاية يجعلك تلهث وراءه من دون مناسبة، وهو صاحب الامر الذي يحولك الى مجرد تابع له تتقبل منه عيوبه، او يفرض عليك عيوبه، ويشح عليك بحسناته وعطائه».
تلك كانت إجابة المفكر الاسلامي المصري - الذي توفي في مقر إقامته بالمغرب يوم الجمعة 4/5/1421هـ الموافق 4/8/2000م عن عمر ناهز الثانية والسبعين إثر ازمة ربوية حادة، وشيع جثمانه في بلده الام مصر الحضارة والتاريخ.
تُرى لو كان «رشدي فَكّار» موجوداً بيننا اليوم، ويشاهد الاحداث الدامية التي تجري على ارض العراق وفلسطين، وطُرِح عليه مثل ذلك التساؤل، ترى بماذا سيجيب؟ وكيف سيصنّفُ إنسانَ هذا الزمان؟ اهو كما قال الشاعر اللاتيني بلوتس:« هومو هوميني لبوس»؟

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved