Thursday 1st may,2003 11172العدد الخميس 29 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

«جغرافية الاحتلال» كتاب إسرائيلي جديد يكشف: «جغرافية الاحتلال» كتاب إسرائيلي جديد يكشف:
عندما يصبح قتل الأطفال تشريعاً قانونياً

* القاهرة مكتب الجزيرة عمر شوقي:
«جغرافية الاحتلال» هو عنوان كتاب بالعبرية من تأليف اليشاع افرات صدر في التاسع من شهر ابريل الحالي في إسرائيل ويقع في 236 صفحة من الحجم الوسيط، وهذا الكتاب هو بحث أكاديمي مبني على الأسس العلمية والمنهجية المتبعة في الدراسات التاريخية والسياسية.
ويعتبر الكتاب من أشد الدراسات نقداً للمشروع الاستيطاني الصهيوني الإسرائيلي في الاراضي الفلسطينية (في الضفة الغربية وقطاع غزة).
وقام افرات بوضع وجهة نظر تتعلق بمحور جغرافي ديمو جرافي حيث يوجه لوماً شديداً إلى واضعي سياسة الاستيطان، الذين لم يأخذوا بعين الاعتبار مستقبل الظروف والأحوال التي ستؤول إليها المناطق المحتلة من حيث المبنى البشري أي الديموغرافي، واعتبر المخططات الاستيطانية مغامرة فاشلة فشلاً ذريعاً، وكانت بعيدة عن الواقع وأقرب إلى الرؤى الصهيونية التقليدية (الكلاسيكية)، وأشار إلى أن هذه المخططات لم تأخذ بعين الاعتبار الواقع السياسي الجاري في المناطق الفلسطينية.
وفي واقع الأمر فإن باحثين استراتيجيين وعسكريين سياسيين اسرائيليين كانوا قد أشاروا إلى فشل المشروع الاستيطاني من الناحية التاريخية، مثل الباحث الاسرائيلي يهوشفاط هركابي، الذي كان أكد أن المشروع الاستيطاني هو عبارة عن صهيونية خاطئة.
اما تركيز افرات فعلى المحورين الجغرافي والديموجرافي بحيث إنه يشير إلى أن المشروع الاستيطاني مصيره إلى الزوال الحتمي، والمسألة هي مسألة وقت لا غير، وادعاؤه ان المستوطنين لا يستطيعون فرض سيطرتهم وهيمنتهم إلى أجل طويل، لكونهم مجموعة عددية قليلة (أي ان قوتهم الديموغرافية محدودة) مقارنة مع الأغلبية الفلسطينية الساحقة التي ما زالت تعبر عن غضبها من الاستيطان وافرازاته الاخرى التي تعيق حياتهم اليومية وتقدمهم الانساني، بالاضافة إلى ان نسبة التزايد الطبيعي عند المستوطنين متدنية للغاية، مقارنة مع النسبة بين الفلسطينيين: وأيضاً مسألة التوزيع الجغرافي للمستوطنات في مناطق متباعدة عن بعضها البعض يحول دون تكوين استمرارية استيطانية على الاراضي المحتلة. ويشير بوضوح تام إلى ان مسيرة الاستيطان اعتمدت على سرعة رهيبة في احتلال الاراضي من الفلسطينيين بواسطة المصادرة ووضع اليد بدلاً من التخطيط الفكري الذي كان يجب أن يكون معتمداً على أسس منظمة، ولكن فرحة الاحتلال وجشع السيطرة على الأرض سبق التخطيط.
ويؤكد افرات ان إسرائيل لا تملك قوة بشرية (ديموجرافية) لتزويد المستوطنات بالمستوطنين، وبالفعل لن يكون باستطاعتها فعل ذلك أمام اكثر من مليون فلسطيني يعيش في قطاع غزة مثلاً.
ويؤكد أن الواقع الجغرافي الاستيطاني للفلسطينيين هو السائد في الأراضي المحتلة، ويعترف بأن الاستيطان لم ينجح في تفكيك هذا الواقع على وجه الإطلاق، وأن شريان المواصلات بتواصل المدن الفلسطينية الجبلية من جنين في شمالي الضفة الغربية وحتى جبال الخليل ثابت وسكانه لم يغادروا المنطقة، بينما اعتمد الاستيطان على اقامة المستوطنات في اطراف المدن الفلسطينية بدافع تحويل هذه المدن إلى خادمة لها بزيادة ارتباطها بها، اضافة إلى سياسة تضييق الخناق على المدن وسكانها التي أصابها الفشل الذريع. ويتوصل افرات إلى نتيجة مركزية، مفادها أن الاستثمار الهائل الذي وظفته حكومات إسرائيل والمؤسسات الصهيونية والاسرائيلية في الاستيطان مخلخل ولا يعتمد على رؤية تخطيطية مستقبلية، ولهذا لا أمل ببقائه إلى الابد، ومصيره إلى زوال في فترة قصيرة وقريبة جداً.
من جهة أخرى يشير افرات إلى أن اغلب الساسة الاسرائيليين لم يفكروا بعد احتلال الضفة وقطاع غزة بالاستيطان، وكان اعتقادهم الثابت أن الاستيطان يجب أن يتمركز في اطار الخط الأخضر فقط. ولم يخطر ببال أحد من هؤلاء السياسيين ان إسرائيل ستلجأ يوماً ما إلى تكثيف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية كما جرى في سنين لاحقة بعد الاحتلال. ويدعي الباحث أن السياسيين ارادوا تطوير الأراضي لصالح السكان المحليين أي الفلسطينيين والسعي إلى رفع المستوى الاقتصادي والمعيشي للسكان في هذه المناطق، وكل هذا بهدف ربط اقتصاد الفلسطينيين باسرائيل.
وكان المخطط الاسرائيلي مباشرة بعد حرب 1967 هو اقامة مدينة كبيرة إلى الغرب من جسر «داميا» بهدف توطين أكبر عدد ممكن من اللاجئين الفلسطينيين فيها، والبدء بتصفية مسألة اللاجئين. ووضعت خطط لإقامة مجالس قروية ومحلية واقليمية اسوة بما هو في إسرائيل وتطوير شبكة المواصلات فيها لزيادة الارتباط باسرائيل، ولكن تخوف السياسيين الاسرائيليين وتراخيهم افسح المجال أمام قوى يمينية صاحبة مصالح عقائدية واقتصادية للدخول إلى الساحة الاستيطانية من باب آخر هدفه بسط الهيمنة الصهيونية والاسرائيلية على تلك المناطق بكونها جزءاً من إسرائيل كان ينتظر ضمه من قبل الشعب الاسرائيلي.
ويستعرض افرات مخططات ومشاريع كثيرة مرفقة بخرائط، مثل: مشروع الون، ومشروع دايان، وخريطة براك، ومشروع بيلين أبو مازن وخرائط شارون الاستيطانية، ومشروع شارون في خريطته الثالثة هو عبارة عن اقامة دولة فلسطينية في منطقتي (أ) و(ب) وابقاء المنطقة (ج) تحت السيطرة الاسرائيلية.
ويعتقد افرات ان ابقاء هذه المنطقة بيد إسرائيل غير مجد لكون التجمعات الاستيطانية متفرقة من ناحية التوزيع الجغرافي، اضافة إلى أن المناطق الخاضعة للفلسطينيين وتلك الخاضعة لاسرائيل ستشكل عوائق من ناحية السيطرة العسكرية عليها.
ويستخلص افرات نتيجة من مخطط شارون ان الدولة الفلسطينية التي يقترحها المخطط لن تؤدي إلى منح المستوطنين أي نوع من الاستقرار.
وبالمقابل فإن افرات يطرح «الجدار الفاصل» بين إسرائيل والفلسطينيين باعتباره أكثر جدوى ومنفعة من مخطط شارون، ويشير إلى أن الابقاء على وضع حدود افتراضية بين إسرائيل والفلسطينيين كما هو الحال الآن لن يضمن استقراراً لمدة طويلة، بينما اقامة جدار فاصل ستخفف من سفك الدماء الذي تدفعه إسرائيل مقابل تمسكها بالاحتلال.
ويشدد افرات على أن الاحتلال والسيطرة على شعب آخر والتحكم بحياته اليومية وتنغيصها هي التي كسرت العمود الفقري للمجتمع الاسرائيلي.
وخلاصة الأمر فإن هذه الدراسة ستضع المشروع الاستيطاني في الميزان وتنتظر اجابات من السياسيين الاسرائيليين الذين يعرفون في داخلهم الاجابات الصحيحة والواقعية، ولكنهم يتعاملون مع الواقع بأسلوب النعامة.
وواقع الأمر فإن هذه الدراسة تعتبر بداية من بدايات الاعتراف الاسرائيلي بواقع فشل المشروع الاستيطاني، وأن هذا المشروع قد ارتد إلى قتل اصحابه والواقع المرير الذي تمر به المستوطنات يشهد على ذلك، وبالطبع هذا الواقع ليس أسوأ من واقع الفلسطينيين الذين ما زالوا يعانون الأمرين من الاحتلال الاسرائيلي وسياسة القمع والإبادة التي تلجأ الحكومة الاسرائيلية إلى اتباعها مع الفلسطينيين، بادّعاء محاربتها للإرهاب الفلسطيني.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved