Thursday 1st may,2003 11172العدد الخميس 29 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

فاتحاً المجال لدراسة أعمق فاتحاً المجال لدراسة أعمق
الضريبة وتأثيرها في الاقتصاد
تركي الثنيان / جامعة هارفارد

من المعلوم أن أحد أهم أهداف الضريبة هو التأثير في توجه الاقتصاد لتحقيق أهداف اقتصادية أو اجتماعية محددة سلفا. وبما أن البلد يمر بمشكلة الكل معترف بوجودها، ويكمن الخلاف فقط في حجمها، الا وهي البطالة، فإنه من الممكن أن تقوم الضريبة بدور إيجابي لتحجيم المشكلة، وربما دور جوهري على المدى البعيد. مهما كان الاختلاف في حدود أثر الضريبة لحل المشكلة، تبقى أحد الوسائل الممكن تفعيلها لمحاصرة المشكلة، ولكنها للأسف مازالت مغيبة. ولعل تغييب دور الضريبة لم يأت عن سهو، وإنما بسبب الانطباع السيء وهو انطباع له وجاهته في بعض الحالات ولكن سوء التطبيق لا يعني إلغاء المبدأ من أساسه. هذا المقال يقترح تفعيل الضريبة لحل مشكلة البطالة عبر طريقة تجعلها أكثر قبولاً في المجتمع.
قبل الخوض في الاقتراح، لابد من الإشارة إلى مسلمة أو على الأقل كاتبها يراها مسلمة من أسباب البطالة الرئيسية ألا وهي عدم وجود الكفاءة المناسبة، لوظيفة محدودة محددة المواصفات. فهي قضية جودة «غير مرنة» في المقام الأول. هذه الجودة يصعب على الدولة، أن لم يكن مستحيلا، أن تقدمها لأسباب عديدة لعل أولها اختلاف الأذواق والحاجات والأزمان مما يحتم على الدولة أن تلتزم الحياد قدر الامكان في عملية التعليم العام. «افترض أن مادة ميكروسوفت أدخلت في المدارس، وبعد خمس سنوات ظهر ما يبزه، وقس عليه».
ولتوفير تلك الجودة، لابد من تدخل من يريدها: التاجر. ومن هنا تبدأ الخطوط الأولية للفكرة. الفكرة ببساطة تكمن في فرض ضريبة على الدخل الناتج عن الأعمال التجارية المبرمة في البلد، وتوجيه الدخل الناتج لرفع مستوى كفاءة الشباب السعودي في الأعمال التي يحتاجها قطاع الأعمال.
لابد من ثلاثة أمور جوهرية: أولاً: ضريبة سعرها منخفض، خمسة بالمائة من إجمالي الأرباح مثلا، وثانياً: أن يتم صرف الضريبة عن طريق التجار. وثالثا: المرونة لابد أن تكون هي الإطار الذي تتم فيه هذه العملية.
فمثلا، شركة سيارات دخلها السنوي الصافي مليون ريال. يقتطع من هذا المبلغ خمسون ألف ريال ويصرف في مجال تدريبي، وفق إرادة الشركة وبمراقبة مصلحة الزكاة. قد تقوم الشركة بالتبرع للمعهد المهني بهذا المبلغ شريطة أن تطرح مادة تختص بصيانة سيارات هذه الشركة وهذا المثال هو واقع فعلا لبعض الشركات، فبعضها أنشئ معاهد تدريب وغير ذلك.
ولنجاح الفكرة، لابد من إيجاد الدافع للشركات التجار لقبول الفكرة، وهذا لايكون الا إذا وجد حافز مادي والثقة، والمرونة.
فعلى الجانب المادي، سعر الضريبة المنخفض حافز مشجع للانخراط في هذا المشروع، لا سيما إذا الحق هذا الحافز بعقوبات تجعل التهرب أكثر كلفة مالية من الانصياع. وإذا كانت بعض الشركات تنفق مبالغ تفوق 10% على الجانب الدعائي، فهذا جانب يجب أخذه في الحسبان. فالجانب الدعائي مهم لأي شركة، وعليه لابد أن يتزامن مع فرض الضريبة إمكانية أبراز الدور الذي قامت به الشركة.
كما أن جانب الاستثمار بعيد المدى المتضمن لهذه الفكرة، سيجعل التاجر يوجه مال الضريبة بما يعود عليه من نفع تجاريا. فهي ضريبة على المدى القريب ولكنها استثمار على المدى البعيد «ضريبة استثمار». فشركة زراعيه مثلا عندما تقوم بأفتتاح كلية للزراعة، ويكون لها الحق بإضافة مواد محددة تعنى بالزراعة تسويقاً وتطويراً وخلافه بما يتفق مع أهداف هذه الشركة التجارية، ستجد نتاج هذا الأمر عبر اكتشاف مواهب تتبناها في الدراسة الجامعية قد يكون ذلك توفير مزايا مالية من مرحلة متقدمة وهذا في نهاية المطاف يلغي أو يقلل من مخاطر أن يكون هذا الاقتراح وسيلة دعائية فقط.
اما على جانب الثقة، فان غياب الثقة هو أول أسباب التهرب الضريبي. بدون ثقة في طريقة صرف الأموال، سيبدأ التاجر بالتلاعب، والبحث عن طرق التهرب مما يفتح باب الرشوة على مصراعيه وسيضيع عامل الضريبة الاستثمار في معمعة التهرب. ولعل هذا الجانب بالذات هو ما يحتم وجود مصلحة الزكاة والدخل كمشرف فقط على حقيقة الصرف لا على نوعيته أو كيفيته، وهذا ليس طعنا في أمانة المصلحة ولكنه انطباع فطري عالمي لا أحد يرغب أن تأخذ الدولة أمواله.
وهذا، يقود إلى ضرورة تواجد الدولة بشكل محدود. والعامل الثالث: المرونة. وهذا يعني ضرورة وضع قواعد عامة تحدد أوجه الصرف، كأن تكون شاملة لكل اوجه التدريب والتعليم، بموجبها ينطلق التاجر في صرف مبلغ الضريبة. ويقع العبء على راسمي السياسة السعودية تحديد ما هو غير مسموح به عبر قواعد واضحة وبأقل حد من البيروقراطية وان كان ولا بد من اللجان المعتادة فلا بد من تمثيل التجار فيها وبصوت مسموع.
وعليه، يترك للتاجر حرية الصرف وفق ما يراه مناسب متى ما كان واقعا في دائرة المسموح به. وليكن ذلك، أي نشاط تقوم به الدولة، فهو مسموح للتاجر أن يقتحمه وأن تغيرت الأساليب. فمثلا، للتاجر أن ينشيء معهداً يعنى بالتجارة الألكترونية يسمى باسمه الشخصي، ويدرس مواد لا تخالف قوانين البلد الاتجار في الخمور مثلا.
وللتاجر أن ينضم مع غيره لتبني مشروع معين، فتجار الذهب مثلاً، لهم الحق في إنشاء معهد تدريب الصاغة أو معهد تدريب التسويق. وقد يريد أحدهم أن يصرف المبلغ لدعم جمعية تحفيظ القرآن، أو شراء آلة تصوير لمدرسة يدرس فيها ابنه. هذا حافز لا أظنه يضاهى لأنه يعطي للتاجر فرصة التميز وفرصة خدمة بلده. فمهما قيل عن التجار فهم جزء من المجتمع يتأثرون بمريضه وضعيفه. وأعتقد أن جزءاً كبيراً لا يستهان به، يستشعر المسئولية. وجزء أكبر بحاجة إلى شرارة تشعل عطاءه.
الموضوع يتضمن أطراف وجوانب متعددة «الشركات الأجنبية، الزكاة، .... الخ»، وما هذه إلا فكرة مبدئية لعلها تفتح المجال لدراسة أعمق. ولكنه، متى ما نفذ بطريقة نقية، فان مردوده سيكون عالي الجودة. ولنحتسب في صرفنا فلا نعدم الأجر دنيا وآخرة.

talthuna@law.harvard.edu

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved