Thursday 1st may,2003 11172العدد الخميس 29 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

«خزعبلات»يهودي!! «خزعبلات»يهودي!!
جانيت بلانش ( * )

مئات من اللقاءات أقيمت داخل البنتاجون في الشهور الثلاثة التي سبقت الحرب على العراق، أو كما يسميها الأمريكيون «حرب تحرير العراق» ولكن أحد تلك اللقاءات فقط كشفته جريدة «نيويورك تايمز» معلنة أن ساعات طويلة كان من المفترض أن تمنح لدراسة التحاليل والمعلومات القادمة من العراق ضيعت في النقاش مع مؤلف أمريكي يهودي يدَّعي أنه يحمل الحقيقة للأزمة القائمة بين الولايات المتحدة والعالم المتردي من خلال «رموز» من الكتاب المقدس العبري القديم، والذي يحمل الرد على أهم سؤال يؤرق الأمريكيين وهو: أين يوجد أسامة بن لادن؟.
هذا اللقاء الغريب أقيم يوم 21 فبراير الماضي، وحضره نائب وزير الدفاع الأمريكي «بول وولفوفيتز» أحد صقور الإدارة الأمريكية، بالإضافة إلى العشرات من كبار موظفي الدفاع القومي الأمريكي.
عشية اندلاع الحرب، كان صقور البيت الأبيض قد قضوا أكثر من ساعتين في الإصغاء إلى «مايكل دروسنين» حول الكتابين الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة اللذين عرضا «القانون المقدس» في التوراة.
«مايكل دروسنين» أقنع الصقور في ساعتين أن التوراة ترد على أسئلة الحاضر، وأنها تضم تفاصيل مدهشة عن أحداث وقعت في القرن العشرين، وأن ذلك نتيجة شرعية التواجد اليهودي على الأرض، وهي الشرعية الأكبر التي بموجبها يعمل الصقور من خلال جعل العالم عبيدا لهم! ليس هذا فقط، بل ان «دروسنين» قال إن التوراة حذرت من الحرب العالمية الثانية، واغتيال الإخوة كيندي، وأعلنت عن وصول أول رجل أمريكي إلى القمر، وعن فضيحة «الواتر غيت» وعن أحداث 11 سبتمبر 2001، وسقوط صدام حسين! وأنه بفضل ذلك «القانون العبري» يمكن معرفة أين يتواجد أسامة بن لادن..!.
الغريب أن الأمريكيين اعتبروا ذلك أمرا في غاية الجدية، وبالتالي انحازوا إلى «بدعة» وقَّعها لهم في كتابين «مايكل دروسنين»! ليس هذا فقط، بل إن «دروسنين» أقنع الصقور أن المصير الذي يمشون إليه هو نفسه المصير الذي يمشي إليه اليهود.. وأن ثمة من يعرقل مشيهم المشترك نحو السلام الأبدي!.
صدام حسين كان النقاش الأهم في تلك اللقاءات السرية مع «دروسنين».
هذا الدجل يمكن الرد عليه بأكثر من طريقة، ولكن ما لا يمكن فهمه هو انحياز كبار المسؤولين الأمريكيين إلى هذه الخرافات والبدع؟ الجواب: معظم المسؤولين الأمريكيين يهود!.
نعود إلى تفسير«دروسنين» حول سقوط صدام حسين.. يقول إن «القانون العبري» يسأل: من هو الذي سقط؟ قبل أن يرد في نفس السطر: «حسين» الرقم الذي يأتي بعد ذلك هو 5763 من السنة العبرية التي تصادف حسب «دروسنين» سنة 2003 الميلادية.. التشابك بين الاسم والرقم يفسره «دروسنين» بأنه ناتج عن الحرب..! يضيف لصحيفة نيويورك تايمرز: الآن يبدو الأمر صحيحا ولكن حين أخبرتهم به لم يصدقوني تماما..!.
يدَّعي «دروسنين» أنه لم يكن يولي أهمية للقانون العبري من قبل إلا حين تم اغتيال «إسحاق رابين» في نوفمبر 1995، قال إنه تعلم العبرية التي ستسمح له بتحديد الرموز التي تؤدي إلى قراءة الكلمات المشفرة في التوراة، وأنه قرأ أن «إسحاق رابين» شكَّل العديد من الكلمات أمام خط «القاتل والمقتول»!.
ادعى «دروسنين» أنه كتب إلى مسؤولين إسرائيليين في سبتمبر 1994، وأخبرهم بأن القانون العبري كشف له «الجريمة» التي ستحدث بعد سنة، وأنه وجد في ذلك القانون اسم «يغال أمير» الذي هو اسم قاتله في 11 سبتمبر 2001، وجد كمبيوتر «دروسنين» عبارة «التوأمين» و«الطائرة» و«انهيار» وأن «أسامة» هو الذي نفذ تلك الحوادث!.
قلنا من قبل إن هذا الدجال له الحق في تصديق ما يشاء.. و لكن الأمر يتجاوزه الآن.. لقد نجح في توسيع دائرة مؤيديه والمنخرطين في دائرته.
الأمريكيون الرسميون لا يعترفون أنهم يصدقون تلك الادعاءات ولكنهم يفعلون ذلك سريا لأن «بول وولف» قال في تصريح رسمي قبل الحرب على العراق: لدينا مصادرنا التي تؤكد لنا أن ما نفعله مبارك ولا يمكن تجاهل عبارة «مباركة» التي استعملها «جورج بوش» منذ سبتمبر 2001.. شيء آخر أكثر أهمية وخطورة وهو الانحياز الأمريكي لإسرائيل تحول إلى هدف رسمي منذ وصول الصقور إلى البيت الأبيض وأن «دروسنين» كان على اتصال بمعظمهم منذ سنة 2000، وهي السنة التي تحول فيها الخطاب السياسي الجمهوري الأمريكي إلى خطاب ديني أيضا، هذه التفاصيل مهمة لأن تحدد لنا الدائرة التي يمشي فيها هؤلاء في طريق تسيير العالم حيث تتجسد فكرة العبودية من خلال الممارسات الأمريكية في العالم وبالتالي الممارسة الإسرائيلية في الشرق الأوسط ليس هنالك شيء اسمه توافق وجهات النظر، هنالك شيء اسمه: القناعة المطلقة أن اليهود سيقودون العالم إلى السلام الأبدي! لأن الذين يشكلون اليوم 81 بالمائة من المسؤولين الأمريكيين هم في الأصل يهود، ينتمون إلى جماعة «السلام الأبدي» التي ظهرت في بداية القرن الماضي كجماعة فاعلة في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأمريكية.
في النصف الثاني من القرن الماضي نستطيع الوصول إلى حقيقة كبيرة وهي أن الذي يحرك الأمريكيين هو الخطاب الديني الراديكالي المتطرف، المنحاز كلية إلى «القانون العبري» الذي يرى أن نهاية العالم ستكون في سنة 2006 هذا أكبر دليل على الدجل الذي من خلاله صارت أمريكا القوة العظمى على هذه الأرض!

( * ) كاتبة في الشؤون الأمريكية والإسرائيلية:«لافيريتي» الفرنسية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved