Thursday 1st may,2003 11172العدد الخميس 29 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شيراك أصبح في وضع لا يحسد عليه شيراك أصبح في وضع لا يحسد عليه
تحول في الرأي العام الفرنسي تجاه الحرب

* باريس - شين بليجنوت*
ناتالي لافارا، تعمل سكرتيرة في إحدى شركات الأدوية في العاصمة الفرنسية باريس، أعادت النظر في موقفها المعادي للحرب على العراق، وتقول: لا أزال أعتقد أنه كان موقفا صحيحا للرئيس الفرنسي جاك شيراك بأن يقول لا لهذه الحرب، ولكني عندما رأيت مظاهر السعادة على وجوه العراقيين بعد رحيل صدام حسين وجدت لزاما علي أن أسأل نفسي ثانية: هل ربما أخطأنا في حكمنا هذا؟.
هذه المشاعر تعكس حالة عدم الارتياح المتزايدة بين الفرنسيين حول معارضة الرئيس شيراك الشرسة لهذه الحملة على العراق بقيادة الولايات المتحدة، فمنذ أسبوع واحد فقط كان العثور على شخص في فرنسا يختلف مع حكومته حول الحرب بمثابة العثور على النفط في قلب باريس، ولكن مع السقوط الرمزي لتمثال صدام حسين في بغداد مع مشاهد الفرح والسعادة التي ظهرت في احتفالات العراقيين بحريتهم. بدأت تظهر هنا في فرنسا مظاهر تفيد بأن الأصوات المعادية للحرب قد بدأت في الخفوت.
خطأ محرج
والإعلام الفرنسي لا يزال يدافع بقوة عن موقف الرئيس شيراك المناهض للحرب، ولكن المواطن الفرنسي العادي بدأ يشعر بالغضب من موقف رئيسه بسبب ما يراه على أنه قد وقع في خطأ سياسي محرج، فيقول جيورجيس شابات الذي يعمل في احد مطاعم باريس: لقد كان شيراك مخطئا عندما قال لا لهذه الحرب؛ فالشعب العراقي قد أراد بالفعل الإطاحة بنظام صدام حسين، كما يؤكد السيد دومينيك مويسي أحد كبار المستشارين في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية بباريس على أن الرأي العام في فرنسا في حالة تحول الآن، وأضاف: لقد بدأ الشعب الفرنسي يتساءل منذ السقوط السريع لإمبراطورية صدام حسين إذا ما كانوا قد أخطأوا عندما قاموا بإبعاد أنفسهم عن تسطير التاريخ وإعادة صياغته، ونأوا جانبا فيما يتعلق بتلك الحرب، فمنذ ثلاثة أسابيع فقط كان 84% من الفرنسيين يعارضون تلك الحرب. ولكن أظهرت النتائج أن النسبة قد وصلت إلى 55% فقط في الأسبوع الماضي طبقا لاستطلاع رأي أجرته جريدة «لو جورنال دو ديمانش» الفرنسية التي تصدر صباح كل أحد.
ومع ارتفاع وتيرة الحرب كانت مقاومة شيراك الضارية لتلك الحرب بقيادة الولايات المتحدة لغزو العراق قد ساهمت في ارتفاع شعبيته إلى أعلى مستوياتها، كما كانت باريس مسرحا لأكبر المظاهرات والمسيرات المعادية للحرب حول العالم. أما شيراك نفسه فقد كان يبحث عن وسيلة لتأكيد حضوره الشخصي وحضور بلاده السياسي في حقبة ما بعد الحرب الباردة في أوروبا، وأراد أن يلعب دور بطل السلام العالمي. فبعدما واجه مشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة في الداخل، لجأ إلى التشبث بتلك الفرصة في محاولة لصرف الأنظار عن مشاكله الداخلية وتحسين صورته أمام العالم.
وقد رآه البعض أيضا على أنه يحاول الظهور في صورة أفضل صديق للعالم العربي في الغرب، في محاولة لتهدئة الجالية الإسلامية الكبيرة في فرنسا، والتي تمثل 10% من إجمالي عدد سكان البلاد.
ولكن شيراك وجد نفسه الآن في موقف دبلوماسي لا يحسد عليه، ففي غضون أيام تحول موقفه من كونه بطلا عالميا يسير على نهج الأخلاقيات والمثل العالية إلى ما يبدو أنه قد أصبح الصوت الوحيد المتجهم والغاضب الذي يشتكي ويناضل من أجل عدم استثناء بلاده من المشاركة في غنائم الحرب.
ويعتقد السيد مويسوي أن فرنسا سوف تدفع ثمنا «واقعيا للغاية» بلغة المصطلحات الدبلوماسية السياسية بسبب موقفها المعارض للحرب، وفرنسا بالفعل تجد نفسها الآن معزولة عن أوروبا، وقد وصف السيد جين لوي بورلانجيه عضو البرلمان الأوروبي الموقف الفرنسي في عموده في جريدة «لو فيجارو» اليومية الفرنسية بأنه «ووترلو» ثانية ولكن سياسية هذه المرة للرئيس شيراك..
وكانت النتيجة كما يقول السيد إيلين ميدلين السياسي في تيار المحافظين الذي عارض السياسة الرسمية الفرنسية للحرب منذ بدايتها، أن شيراك قد أصبح يمثل الصديق الحميم لصدام حسين، وأضاف: إن العراقيين قد أصبحوا يشعرون اليوم أنهم تم تحريرهم بدون رغبة فرنسا، أو ربما أيضا عكس رغبتها.
وكصورة من صور إضافة الإهانة على الجرح الفرنسي، صدم شيراك دول شرق أوروبا العشرة بتوقيع معاهدات إضافية مع الاتحاد الأوروبي في أثينا باليونان، وكانت كل تلك الدول من المؤيدين للحرب بقيادة الولايات المتحدة، وكان شيراك قد وبخهم توبيخا لاذعا في فبراير الماضي عندما حذر تلك الدول بأنها سوف تندم على دعمها للرئيس بوش، وقد صرح أحد الدبلوماسيين البولنديين لصحيفة فرنسية قائلا: هناك بعض المرارة في حلوقنا بسبب ذلك التكبر الفرنسي.
وذلك الاجتماع الرمزي الذي تزامن مع أكبر عملية توسعة للاتحاد الأوروبي على الإطلاق، كان من المفترض أن يكون عرضا مؤثرا للتدليل على توحد الأوربيين على فكرة الاندماج، وعلامة على الشعور بالفخر بأنهم استطاعوا أن ينحوا خلافات الماضي جانبا، ولكن ما حدث هو أن ذلك الاجتماع تهدد بأن يكون عرضا محرجا للتفرق والانقسام، وقد أصدر قادة الاتحاد الأوروبي في ختامه بيانا مشتركا يدعون فيه إلى وجود دور مركزي للأمم المتحدة في عراق ما بعد الحرب.
وشيراك الذي لا يزال يحظى بنسبة شعبية تصل إلى 65% في استطلاع للرأي بعدالحرب يبدو أنه لم يعان من أية انتكاسات سياسية في الداخل حتى الآن، ويقول السيد مويسي: إن الأثر على مستقبله السياسي سوف يكون ضئيلا للغاية، فلن تجرى انتخابات رئاسية في فرنسا في المستقبل القريب، والناس سوف ينسون موقفه ذلك سريعا.

(*) خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص ب«الجزيرة»

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved