Thursday 1st may,2003 11172العدد الخميس 29 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

المكارثية الجديدة! المكارثية الجديدة!
جوناثان فريدلاند ( * )

هذه الحرب «غير أمريكية»، ربما تكون هذه العبارة غريبة بعض الشيء؛ ولكن هناك شعور مكارثي غير مريح ينتقد الآخرين ويصطاد المعارضين في كل مكان، ويهدف إلى تطهير أي فرد يشتبه في أنه يمارس «نشاطات غير أمريكية»، إلى جانب شعورالكثيرين خارج الولايات المتحدة أن هذه الحرب أمريكية، ولكن ذلك غير صحيح على الإطلاق، فهذا يعد ظلما للولايات المتحدة وتاريخها، فتلك النظرة تفترض أن إدارة بوش تمثل كل الأمريكيين في كل العصور، في حين أن العكس هو الصحيح، فهذه الإدارة وهذه الحرب لا تمثلان النمط الأمريكي، فعلى النقيض تقريبا بكل المقاييس، فإنهما يعدان استثناء للقاعدة الأمريكية.
فقد قامت الولايات المتحدة بصفة أساسية على التمرد ضد الإمبريالية، بعدما ولدت من رحم حرب ضد قمع احتلالي بغيض، فلا تزال ترى نفسها على أنها الصديق الفطري لكل أولئك المناضلين من أجل طرد الأجانب الذين يحتلونهم، ومن المفترض أن تكون آخر دولة في العالم تلعب دور الحاكم الخارجي.
وقد ألقيت المسؤولية على عاتقها بعد عام 1945 في كل من ألمانيا واليابان، ولكنها بناء على رغبة متعمدة منها لم ترد أن تمارس حكما بالوكالة على تلك الشعوب البعيدة، ولا حاولت أن تغير خريطة العالم لتصبح ملونة بنجوم وخطوط العلم الأمريكي، ربما تمارس نفوذا نعم؛ أنظمة صورية وعميلة نعم؛ ولكن تمارس حكماً إمبريالياً استعمارياً رسمياً فلم تفعل ذلك مطلقا.
وقد خرج جورج بوش عن الخط المعهود للولايات المتحدة حتى الآن، وقام بإلغاء كل الرؤساء الأمريكيين الاثنين والأربعين السابقين عليه بما في ذلك والده، ثم يطمح الآن في الخوض في إنشاء إمبراطورية وكأنه هدف لا يبعث على الخجل.
ويريد أن يحكم العراق بعد صدام حسين مباشرة من خلال جنرال أمريكي كحاكم للعراق، وهو العسكري السابق جاي جاردنر، وكما أوردت «الجارديان»، فإن خطط واشنطن لبغداد تتكون من 23 وزارة، وسوف يرأس كل وزارة أمريكي، وهذا نوع من الحكم الأجنبي المباشر الذي لم نر له مثيلا منذ انهيار الإمبراطورية البريطانية، مما يعد خرقا لكل ما هو أمريكي طالما آمنت به الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذا لا يعني أننا نفترض أن هناك نموذجاً أمريكياً مثالياً واحداً أو سياسة خارجية أمريكية واحدة لم تتغير منذ عام 1776، فهناك بالطبع تقاليد أمريكية متضاربة في بعض الأحيان، تحاول كل منها أن تنسب أصولها إلى مؤسس الولايات المتحدة، ولكن الشيء الصادم هو أن حرب جورج بوش على العراق قد عارضت كل تقليد أمريكي من تلك التقاليد السابقة، والجميع يعرف دعوة توماس جيفرسون لوجود أمريكا التي لا ترفض فقط أن تحكم دولة أخرى، ولكن تتجنب حتى التدخل في الشؤون الداخلية للدول بصورة كاملة.
وإذا أرادت الولايات المتحدة أن تصدر ديموقراطيتها، فينبغي ألا تفعل ذلك من خلال استخدام القوة، ولكن من خلال أبسط صور النفوذ وهو أن تكون هي مثلا في ذاتها، وقد أعلنها الرئيس جون كوينزي آدامز أن «الولايات المتحدة لا تذهب خارج أراضيها للبحث عن وحوش لتدميرها»؛ فهل هناك وصف أدق من ذلك لحملة واشنطن للقبض على صدام حسين؟ وعملية «تحرير الشعب العراقي» لم تنتهك فقط تقاليد توماس جيفرسون، ولكن انتقدت كل المدارس السياسية الأمريكية السابقة، فقد صنف المؤرخ الأمريكي والتر روسيل مدارس السياسة الخارجية الأمريكية إلى ثلاث مدارس، وبإلقاء نظرة عليهن الآن سوف نجد أنه من الواضح أن تلك الحرب لا تمثل أياً منهن.
فواشنطن اليوم لم تنفصل فقط عن منابع الحكمة المختلفة التي كانت تقود الولايات المتحدة منذ نشأتها، ولكنها أيضا انفصلت عن النموذج الذي شكل السياسة الخارجية الأمريكية منذ عام 1945، وربما من السهل أن ننسى هذا الآن في الوقت الذي يقوم فيه سياسيو الولايات المتحدة ومعلقوها بالاحتجاج على المؤسسات الدولية، ووصفها بأنها تحت الهيمنة الفرنسية وأنها أصبحت لا تساوي شيئا، في حين أن هذه المؤسسات كانت في مجملها تقريبا صناعة أمريكية؛ سواء كانت تلك المؤسسات هي الناتو أو الأمم المتحدة، أو حتى مبدأ التعددية السياسية ذاته، فكلهم كانوا هدية الولايات المتحدة إلى العالم.
وقد قام كل رئيس أمريكي بداية من روزفلت وحتى بوش الأب باحترام والحفاظ على تلك المؤسسات أمريكية الصنع.
وإذا أردنا إجراء تعديلات عليهم الآن من أجل التوافق مع القرن الحادي والعشرين فإن ذلك ربما يكون عملا شرعيا، ولكن أن نصفهم بالازدراء ونسخر منهم فإن ذلك يعني أننا نلقي بالأفكار الأمريكية إلى سلة المهملات.

* «الجارديان» البريطانية.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved