Friday 2nd may,2003 11173العدد الجمعة 1 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بغداد.. بين المطرقة والسندان بغداد.. بين المطرقة والسندان
د. محمد بن سعد الشويعر

كانت صحيفة الجزيرة ذات سبق في تغطية أخبار الحرب على العراق، خلال الأيام الماضية، مع الحرص على توثيق المصادر، وفي الصفحة الأولى والصفحة 22 من عدد يوم الثلاثاء 20/2/1424هـ، اوردت سبقاً صحفياً، يزيل غشاوة الإشاعات والحدس، حول نتائج الحرب. وما عمله جنرالات الحرس الجمهوري، من صفقة فتحوا بموجبها الأبواب مشرعة، وبدون حراسة لدخول جيش التحالف مطار بغداد، ثم بغداد نفسها..
وما جاء في سبق الجزيرة هذا يتحدث عن الواقع بوضوح.. لكنه شدّني للمقارنة بين حدث وحدث، مرّت به بغداد، والتاريخ في مسيرته وأحداثه: عبر ودروس.. وما أشبه الليلة بالبارحة، كما جاء في المثل، بين حوادث عام 656هـ، عندما غزا التتار، بقيادة هولاكو، هذه المدينة العريقة، للقضاء على الخلافة العباسية، ومن ثم محاولة طمس معالم الإسلام وحضارته، وهذه السنة التي عاصرنا تفاعلات غزو التحالف مدينة الرشيد.. وإن كانت الرؤية لم تتضح بعد عن أهداف هذا الغزو المخفية، أما الظاهرة فهي ما تتناقله وكالات الأنباء، من أقوال لم تثبت بعد.. كفى الله شعب العراق المسلم، ودول المنطقة تلك النوايا.
لقد كان بين الحديثين تلازم وترابط في الهدف والغاية.
وسنحاول ربط ذلك وذلك بما يتلاءم مع التحيز والمقارنة، وإلا فإن الحديث عن كل منهما يحتاج لصفحات وصفحات.. كان وزير الخليفة العباسي: المستعصم، الذي هو آخر خلفاء بني العباس، هذا الوزير هو ابن العلقمي، الذي تمالأ مع التتار، وسهل لهم المجيء الى بغداد، ودبّر معهم المكيدة ضد الإسلام والخلافة العباسية، يقول ابن كثير عنه: فدبّر على الإسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيع، الذي لم يؤرخ أبشع منه، منذ بنيت بغداد، ولهذا كان أول من برز إلى التتار ابن العقلمي، فخرج بأهله وأصحابه وخدمه وحشمه فاجتمع بهولاكوخان، ثم عاد فأشار على الخليفة بالخروج إليه، والمثول بين يديه، لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم ونصفه للخليفة.
كما كان ابن العلقمي يجتهد في صرف الجيوش، واسقاط اسمهم من الديوان حتى نزل عدد العساكر من مائة ألف مقاتل، إلى عشرة آلاف فقط، ثم كاتب التتار وأطمعهم في أخذ البلاد ، وسّهل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقة الحلّ وكشف لهم ضعف الرجل، وذلك طمعاً منه بإضعاف المسلمين وإظهار البدعة.
بل لما تهيّب هولاكو من قتل الخليفة المستعصم، هوّن عليه ابن العلقمي ذلك، حتى قتل هو وأولاده شرَّ قتلة، كما حرّضه على قتل العلماءوشيخ الشيوخ مؤدب الخليفة، صدر الدين على التيار، والأئمة والخطباء وحملة القرآن وأستاذ دار الخلافة: محيي الدين يوسف ابن الشيخ أبي الفرج ابن الجوزيّ، وأولاده الثلاثة، وكان عدوّ الوزير وكان كلما تجمّع أهل بغداد، وكونوا بينهم جيشاً، اخبر ابن العلقمي التتار عن جهته، وسهّل لهم الإتيان من جانب أخر، الاستعداد فيه.. فكان عيناً للتتار ضد أهل بغداد، رغم انه وزير الدولة العباسية حتى فعل التتار بأهل بغداد، ما لم يعرف مثله في التاريخ «يراجع البداية والنهاية 13: 260 - 272».
ومما جاء في خبر الجزيرة المذكور مفصّلاً، يتضح أنّ: جنرالات الحرس الجمهوري، وما أخذوا من أمان لهم ولعائلاتهم، وتأمين خروجهم بطائرتين من مطار بغداد، مع حراسة مساكنهم في حي المنصور عن النّهب والسّلب، مماثلة لحالة ابن العقلمي، الذي سلم هو وأصحابه وأهله من أضرار التتار.
وقد سلّط ابن العلقمي التتار على الإكثار من القتل لسكان بغداد، وهذا شبيه بما قامت به الطائرات من دول التحالف على المواطنين: نساء وأطفالاً وكبار السن قتلاً وتدميراً لمساكنهم على رؤوسهم، أما ما حصل في بغداد من نهب وسرقات في حرب التحالف، وسرقة احتياطي الذهب، العراقي، فقد فعل التتار من السرقات والنهب، ما ذكر ابن كثير جزءاً منه، حيث سرقت مجوهرات بيت الخلافة، وجميع ممتلكات العباسيين، بل تعدّوا إلى المحارم والبنات الأبكار، ومنهن بنات الخليفة، وجواري القصر التي قدّرها ابن كثير بأكثر من ألف بكر.
وإن مما تناقلت الصحف، والفضائيات، جانباً منه، يتمثل في تكاثر اللصوص، واعتدائهم على البيوت والمحلات التجارية، والدوائر الحكومية: سرقةً لكل ما يجدون.. ثم الإتلاف والعبث، الذي يعقبه إشعال النيران في حرائق تأكل الأخضر واليابس.. وسرقة المحروقات من المحطات حتى شح البنزين والوقود في بلد البترول.
ولئن كان التتار، بتسهيل من ابن العلقمي: قد نال سخطهم الكتب التي حملوها أكداساً متتابعة، لكي تلقى في دجلة، في محاولة لطمس تاريخ المسلمين، وإنهاء لمكانتهم الحضارية.. فإن المتعاونين مع قيادة التحالف، قد أعانوا على الإتلاف والحرق، بعد السرقة لمحتويات المكتبات الشهيرة في بغداد، وطمس معالم حضارة الرافدين التي تزيد عن سبعة آلاف عام.
وحتى المتحف الوطني بمحتوياته النادرة التي لا تقدر بثمن، نهبت وفي أقل من اسبوع، حيث كانت تباع بأبخس الأثمان في باريس ولندن وغيرها من مدن أوروبا.. وبعد أن استنفد المخزون العلمي والمخزون التراثي، بعد تسليط الغوغائيين على المستودعات والقصور، والدوائر الحكومية لتركها قاعاً بلقعاً.. جاء الحقد لتخريب الزراعة بتفجير السدود، وإفساد المخزون المائي الذي هو حاجة المواطن وزراعته، وعليه قوام حياة الكائنات الحيّة كلها فضلاً عن الإنسان.. ومن ثم إفساد التربة التي يقل معها المحصول ويزداد الفقير فقراً.
إن الفارق بين الهدفين أن التتار بمساندة ابن العلقمي، لديهم حقد ضد الإسلام وأهله.. والحلفاء مما ظهر أن حقدهم على صدام وحكومته، فهو وإن كان ظالماً متجبراً، فإنه لا يجب أن يظلم الشعب في بلده: معيشة وقتلاً وأمراضاً بمثل ما ظهر فلا تزر وازرة وزر أخرى.. إن خيرات العراق ونفطه يجب أن تبقى لشعب العراق، وإدارة شؤونهم هم أولى بها، وما خربته الحرب لا بد من المبادرة بإصلاحه، وتحسين النوايا من أجل هذا الشعب المغلوب على أمره حتى لا يستبدل تسلّط بتسلط، ولا جبروت فرد، باستعمار دولة. والتحكم في مصير شعب.
من حوادث عام 614هـ
ذكر ابن الأثير في تاريخه الكامل، شيئاً من الحوادث: منها كثرة الفأر ببلدة دجيل من أعمال بغداد، فكان الإنسان لا يقدر أن يجلس إلا ومعه عصا، يردّ الفأر عنه، وكان يرى الكثير منه ظاهراً يتبع بعضه بعضا، وذلك في عام 1614هـ.
وفيها: زادت دجلة زيادة عظيمة لم يشاهد في قديم الزمان مثلها، وأشرفت بغداد على الغرق، فركب الوزير والأمراء كافّة، وجمعوا الخلق العظيم من العامة وغيرهم لعمل التورج حول البلد، وقلق الناس لذلك وانزعجوا، وعاينوا الهلاك، وأعدّوا السفن، لينجوا فيها، وظهرالخليفةللناس، وحثّهم على العمل، وكان مما قال لهم.. لو كان يفدى ما أرى بمال أو غيره، لفعلت ولو دفع بحرب لفعلت، ولكن أمر الله لا يردّ.
ونبع الماء من البلاليع، والآبار من الجانب الشرقي، وغرق كثير منه، وغرق مشهد ابي حنيفة، وبعض الرصافة، وجامع المهدي، وقرية الملكية، والكشك وانقطعت الصلاة في جامع السلطان.
وأما الجانب الغربي، فتهدّم أكثر القُرّية، ونهر عيسى والشّطيات، وخربت البساتين، ومشهد باب التّبن ومقبرة أحمد بن حنبل والحريم الطاهريّ، وبعض باب البصرة، والدور التي على نهر عيسى، وأكثر محلّة قطُفتا.
وفيها: كانت ببغداد فتنة بين أهل المأمونية، وبين أهل باب الأزج بسبب قتل: سَبُعْ. وزاد الشرّ بينهم، واقتتلوا فجرح بينهم كثير، فحضر نائب الباب، وكفهم عن ذلك فلم يقبلوا وأسمعوه ما يكره، فأرسل من الديوان أميرا من مماليك الخليفة، فردّ أهل كل محلّة الى محلتهم، وسكنت الفتنة.

«الكامل 12:331 - 332»

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved