Tuesday 6th may,2003 11177العدد الثلاثاء 5 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الكبرياء العربية والجبروت الأمريكي في مأزق..! الكبرياء العربية والجبروت الأمريكي في مأزق..!
د.حسن بن فهد الهويمل

2/2
وأطراف الإشكالية: الغرب، والعرب، والعراق، ومن ورائهم أطراف أخرى، تتمثل بما بقي من العوالم: الإسلامية والغربية والشرقية، ودول الجوار، كل أولئك يعيشون حالة من التوتر والترقب الحذر. وليس أحد منهم بقادر على فك الشفرة، فكل شيء بعيد قريب، والمحير سقوط الحكومة، واختفاء رموزها، ثم تساقطهم الواحد تلو الآخر، وإلحاح بعضهم على الاعتقال، لحقن دمه، وعدم الرغبة الملحة في العثور على سلاح الدمار الشامل ورأس الفتنة. وإذ يغيب الطرفان المشرعنان للحرب: رأس النظام والسلاح، أو يغيبان، تظل المأزقية قائمة، ويظل معها الناس في أمر مريج، ولن يجرؤ أحد على إثبات ما لم ترد الرؤوس المدبرة إثباته، وإذا كانت أمريكا تعيش سكرة الانتصار العسكري، وذهول الصدمة «السبتمبرية» فإن الوقت ساعات حبالى يتمخضن عن مفاجآت معضلات، وستكون يوماً ما أحوج ما تكون إلى من ينتشلها من مستنقع الفتنة، ويخفف عنها أعباء المسؤولية الجسيمة. فملء الفراغ الدستوري الذي خلفه غياب السلطة في العراق بالشكل المقبول عزيز المنال، وإعادة القدر الكافي من البنية التحتية التي دمرتها ثلاث حروب شرسة، وديون العراق التي نيفت على مائة مليار دولار، لاتحتمل المزيد من الالتزامات. ولن تنفرد أمريكا بملء الفراغ، وإعادة البناء، وحل إشكالية الديون، وأصدقاؤها الذين لم تُطع لهم أمراً في الشأن العسكري، لن يكونوا معها كما تريد في شأن الإعمار وفك الأسر على الأقل. وفوق هذا وذاك فإن العالم بأسره يتجرع مرارة حربين شرستين، أدتا إلى إسقاط عقيدتين: فاحتلال العراق للكويت، أسقط رهان (القومية العربية) وحرب أمريكا الخارجة على الشريعة، أسقطت رهان الحرية والعدل و(الديمقراطية) الغربية.
- العرب فقدوا مصداقية: القومية.
- والعالم فقد مصداقية: العدل والحرية و(الديموقراطية).
وبقي ركام الكلام الذي قاله المفكرون القوميون عن حتمية العقيدة القومية، وركام الكلام الذي أطلقه المستغربون عن إنسانية الحضارة الغربية وعدالتها، دونما قيمة.
وأدرك المتهافتون على سرابيات الحضارة الغربية أنه أسقط في أيديهم، وانقلبوا خاسرين، والطرفان: الغرب والشرق ستكون أمامهما خيارات، كل واحدة منها أعقد من الآخر، ولابد لهما من لغة إعلامية مطمئنة، لا لغو فيها، ولا تأثيم، وتحرف سلطوي دستوري متوازن، يعيد المشاهد كافة إلى سواء السبيل، ويحقق أدنى حد من المعقولية والمصداقية. وكل من استعاد لغة الأمس، متصوراً أنها ستفعل فعلها السالف، سيمنى تحرفه بالفشل، ذلك أن العذاب المستطير الذي تجرعته الشعوب العربية، كشف لها زيف اللغة الإعلامية، ومحاولة تشفير الذهنيات، لتقبل الواقع المرير، لم يعد أمراً هينا، لقد سقطت كل الأقنعة، وتعرت كل الزيوف، ولم تعد الأذن العربية مهيأة لقبول كل مايقال.
وإذ تكون تلك الحرب الخارجة على الشرعية بتدبير ومكيدة ومباركة من اليهود الذين ينتابهم الذعر، ويحسبون كل صيحة عليهم، وبتنفيذ متسرع وغير مسؤول من دول كبرى، وقعت تحت تأثير الأصولية اليمينية المتحزبة على الأمة، فإنها تذكرنا ب (غزوة الأحزاب) التي تنادى إليها كفار الجزيرة العربية من الشمال والجنوب والشرق والغرب (قريش) و(بنو سليم) وقبائل (غطفان) و(بنو مرة) و(بنو أشجع) و(بنو فزارة) و(بنو أسد)، وإذا كانت الآيات هي الآيات، فإن الرجال غير الرجال، ومثل هذا التكالب المتعجرف المتغطرس قد أعاد التاريخ، فإنه سيترك ظلاله القاتمة المأزومة على الذهنية العربية المشلولة، مشكلاً عقبة في طريق الحلول المجحفة التي يتأبطها صناع القرار، ودافعاً إلى مزيد من العناد والمغامرات والانفجارات، مشكلاً مزيداً من الأزمات الطاحنة. والأمة العربية التي أخرجت الاستعمار (البريطاني) و(الفرنسي) و(الايطالي) بملايين الشهداء، لن تقبل به آتياً تحت أي مظلة، وسوف تكون مستعدة بدفع الثمن مضاعفاً، وسيطفو على السطح في ظل هذه الممانعات لاعبون تحركهم الثارات، وليس هناك مايمنع المقهور من أن يتحالف مع الشيطان، ولا أحسب المؤسسات السياسية بقادرة على التحكم بالرأي العام، ذلك ان الامتعاض الذي فاض معينة، لن يكون من السهل ترويضه، ولن يكون للاستعمار موطىء قدم مرئي، ما لم يمكن له طرفا القضية: السلطة والأمة. وكل منهما وجل من الآخر، وحتى لو خدمت الظروف العائد الجديد، فإن الثمن سيكون باهظاً على الطرفين. والأهم من كل هذا وذاك وعي النخب الذين غنوا للقومية العربية وللحضارة الغربية معاً، ثم فوجئوا بغدرهما، هل سيتحرفون لتجاوز عقابيل الإخفاقات. ومما لاشك فيه -ومن خلال المنظور القريب - أن الذين خاضوا الحروب، وخسروا الرجال والأموال والسمعة، لن يرضوا بالحلول الوسطية، التي تحق الحق، وتبطل الباطل. وكيف لعربي أن يحلم بالإنصاف، وهو غارق إلى أذنيه في وحل المكائد الصهيونية، والأطماع الغربية، التي استغلت الضعف والتخلف والتفرق، وقوت من جانب الطابور الخامس. والحكم البائد في العراق الذي شرعن بتصرفاته المناقضة لأبسط الأعراف لكل مكيدة، راح ضحية صلفة وجهلة بأبجديات السياسة. والمأزق الأصعب في إمكانية عودة البقية من كل الأطراف المحتقنة بكل قابليات الانفجار من: معارضين وطائفيين وعرقيين إلى الصف العربي، لبدء رحلة شاقة، تضمد الجراح، وترأب الصدع، وتجمع الشتات، وتمكن العراق من أخذ مكانه الطبيعي، محتفظاً بوحدته الإقليمية وتجمعه البشري. ومن تصور أن سقوط النظام العراقي يعد نهاية المشكلة فقد وهم وأوهم. الخطوة الأولى في الطريق إلى الهاوية اختفاء العصابة الظالمة، التي أذاقت الشعب مر العذاب، ثم جاءت الصاخة، على يد قوة أجنبية أمطرت الشعب العراقي بوابل من الحمم، أحرقت الأرض، وشوت الوجوه، وتعمدت طمس الذاكرة والتاريخ والحضارة. وقدر الأمة الأتعس وقوعها تحت قيادات تحرض على نفسها، وتثير اشمئزاز الآخرين، وتحملهم على قمع كبريائهم الفازعة المصطنعة، وحين يجد الجد، تتخذ تلك القيادات من الشعب الأعزل دروعاً بشرية، تختفي وراءه، هذه الظواهر غير السوية تؤزم الأزمات، وتضع الأطراف في مآزق حرجة. وفي لجة المشاكل وعتوها فإن هناك تصورات للأحداث متباينة، وقراءات متعددة لتداعيات الحروب الأهلية والحدودية والتحريرية، لو صدق أكثرها تفاؤلاً، لكانت كارثة تواجه الأمة العربية. ومهما حاولنا محاصرة التشاؤم والقلق، فإننا لا نستطيع الإغماض على أهداف مخيفة، يلوح بها المعنيون والمراقبون، وتزحف بها فلول الأحزاب البائدة. وتحت وابل الضربات المتلاحقة، وتتابع المكائد العظيمة، واللعب المكشوفة، فإن الأمة العربية لما تزل في حالة من الذهول والارتباك، ولم تتخذ أي موقف جاد، يخفف من المعاناة، ولما تلح في الأفق بوادر وفاق، يضع كل المشاكل تحت الأقدام، ليمكن الأمة من مواجهة قدرها المأزوم بروح جماعية متفائلة، وأسلوب موحد، ذلك ان ذيول الحرب الشرسة ستنسحب على كل مصالح الأمة، ولاسيما أنها تعيش على حافة الانهيارات الاقتصادية والأمنية. فالأزمات مستفحلة، والجبهات الداخلية مأزومة، والعنف على أشده، والخطابات متناحرة، حتى لاتكاد تجد رجلين على قلب رجل واحد، والغرب القادم على مطايا القوة، له أطماعه ونواياه المخيفة، التي لا تواجه بمبادرات فردية، ولا بقرارات فورية.
فالحرب التي تولت كبرها أمريكا، لايمكن ان تكون تطوعية، ولا إنسانية، وليست وقفا على تحرير العراق، وتدمير السلاح. والمليارات التي استنزفتها تلك الحرب، لن تتحملها الخزينة الأمريكية وحدها. والتحدي السافر للشرعية الدولية، وتقديم القوة العسكرية على القوة القانونية، لايمكن ان تحرض عليها أسلحة الدمار الشامل، ولا دكتاتوروية (صدام)، فكم في العالم من أسلحة مدمرة، وكم فيها من حكام ظلمة، ولاشك ان وراء الأكمة ما وراءها. وإذ نكون سعداء بسقوط النظام العراقي، لما يشكله من أعباء على المنطقة الخليجية، وعلى الأمة العربية، فإننا لا نرى ممارسة الوصاية، ولا أن تتولى دولة كبرى عملية إسقاط الحكم، وحين لا نختلف حول النوايا والمطامع، فإن الأمر يتطلب من المعنيين تصرفاً حكيماً، بعيداً عن المثاليات والعنتريات والغوغائيات، وهو ما لم تهيئ الأمة العربية نفسها له، ولا قيمة للمزايدات التي نسمعها بين الحين والآخر، على مستوى الزعماء السياسيين أو الحزبيين أو الدينيين، فلقد سمعنا الكثير الكثير، ودخلنا في رهانات خسرناها، قبل أن يجف المداد، وكم زايد على المثاليات من لاينطوون على مثمنات، ومن يمتلكون أكثر من نافقاء، حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، نفذوا بجلودهم، تاركين الأبرياء يتجرعون مرارة المجازفات والمغامرات المجنونة، وذلك ما يفعله الجهلة المتهورون، والأضوائيون المفوهون، وأدعياء المواقف، ممن لايحسنون صنع القرارات، ولاتنفيذ المخططات، ولا فقه الواقع، ولا احترام المصداقية. لقد كان بإمكان العراق في الحرب الثانية أن يخرج من الكويت، مفوتاً على العالم بأسرة الضربة القاضية، ولما لم يحسن التصرف، وهو كذلك منذ أن خلقه الله، فقد دمرت ترسانته، وأحرقت أرضه، واقتيد كما السائمة إلى خيمة في (صفوان) ليوقع على بياض، ملتزماً بما لايقدر عليه من غرامات، قابلاً التجرد من كل سلاح مرهب أو رادع، وهو قد فعل أسوأ من ذلك في الحرب القاضية، وقد يفعلها غيره. والأمة العربية وسط هذه النكبات والنكسات، تعيش حالة من الغياب، أو التغييب، فالدول الكبرى تتداول وضع العراق، فيما بعد الحرب، وكل دولة أوروبية تتقدم برؤيتها أو تحفظها أو اعتراضها. وكأن العراق غنيمة أو فيء يقتسمه المجاهدون في سبيل الحضارة الإنسانية والحرية، والدول العربية ليس لها أي دور في عراق ما قبل الحرب، ولا فيما بعده، وجامعتها تصارع ذاتها، وتعيش حالة من التوتر، وخلافها مع بعض الدول الأعضاء، حفزهم على الامتناع عن دفع حصتهم، وهي مع هذا الوضع الطارئ في أحلك الظروف، لا تستطيع أن تكون شريكاً في تقرير المصير العراقي، وكيف لها أن تفكر، وهي بعد لم تقرر مصير نفسها. وغياب الأمة ومؤسساتها، واكتفاء كل دولة بتصريح استهلاكي، لايسمن، ولايغني من جوع، يشكل مأزقاً حرجاً، والمأزق يشتد ضيقا حين لا تلوح في الأفق بوادر وفاق عربي مؤقت، يدفع بكلمة واحدة، تحمل الحلفاء على التفكير بحل يقترب من الإنصاف، ولايكونه. ومع الويلات المتلاحقة، فإن الحلفاء الذين دمروا الآلة العسكرية والبنية الاقتصادية في العراق، أشعلوا فتناً عمياء، سيكون لها مابعدها، فمن سيحكم العراق؟ وبماذا سيحكم؟ - وذلك موضوع قادم-. وفي بؤرة التوتر، وعلى حافة الهاوية، يجب على أمريكا ان تفعّل دور العرب، وأن تكرههم على أن يؤدوا أيسر الأدوار، لتهدئة الشارع العربي، وليس هناك ما يمنع من أن تتقنع بهم، لتجتاز بالمنطقة ويلات (اللاسلم) و(اللاحرب)، وعلى العرب ان استؤمروا، أن يمارسوا الوسطية، وأن يجنحوا للسلم كافة، وان يعطوا أمريكا شيئاً من الثقة والاطمئنان، فالواقع المرير لايحتمل المزايدات الكلامية، ومنطقة الخليج لا تحتمل حرباً رابعة، وحين نستبعدها، فإن أمريكا لن تجد بداً من ممارسة الضغوط الاقتصادية، وتحريك العبوات الناسفة من مشاكل: طائفية وحدودية، وحزبية، وبخاصة ان الأوضاع القاتمة في المنطقة العربية قابلة للاشتعال، والإشكالية، بل أم المشاكل على سنن (أم المعارك) و(أم القنابل)، تكمن في تحديد المآزق، ووضع الحلول المرحلية المناسبة، وتنكب المزايدات، وتوعية الشارع العربي، والكف عن تملقه وتخديره أو تهييجه، والتحرك وفق السنن الكونية، لا وفق الخوارق، فالله جعل النار برداً وسلاماً على (ابراهيم)، وفلق البحر (لموسى)، وأخرج (يونس) من بطن الحوت، و(يوسف) من غيابة الجب، وسخر الريح (لسليمان) وأمد (محمداً) بالملائكة المردفين، ونصره بالرعب، وهو القادر والقاهر فوق عباده، وليس الجبروت الأمريكي بمعجز في الأرض، والله وعد بالدفاع عن الذين آمنوا، ولكن أحداً من المغلوبين لم يفرّ إلى الله، ولم يدخل في الدين كافة، ليتعرض لنفحات الله، وإذا أصاب الأمة قرح، فقد أصاب عدوهم قرح مثله، وتلك الأيام يداولها الله بين الناس، فهل نحن فيما نحن عليه مؤهلون لمدد الله؟ وهل استكملنا العدد والعدة، إن علينا التفكير بخطاب يعلم، ولايزيف، ويؤلف ولايفرق، ويطمئن ولا يهيج، ويعطف الخصوم ولاينفرهم. الأمة العربية تنطوي على إمكانيات مهدرة أو مهملة، وأمريكا تمتلك قدرات متعددة، وهي إذا قالت فعلت، ومن واجبنا أن نقدر ونوقت، وأن نكف عن خطاب المزايدات والمواقف الزائفة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved