Friday 9th may,2003 11180العدد الجمعة 8 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نقاط فوق الحروف نقاط فوق الحروف
مقامات المحاسبة
عبدالله بن محمد الشقير (*)

إن محاسبة النفس في الدنيا تحمل في طياتها تيسير حساب يوم القيامة لما تتضمنه من تدارك الأخطار ومع إهمال المحاسبة ديمومة الحسرات. وقد تكون هذه توطئة لتدارس منزلة الصبر المعين على المحاسبة الذاتية حيث أمرنا الله بالصبر والمرابطة فقال: {يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا اصًبٌرٍوا وّصّابٌرٍوا وّرّابٌطٍوا} وللمرابطة ستة مقامات وأصلها المحاسبة.
المقام الأول المشارطة: يحتاج العقل إلى مشاركة النفس ويشترط عليها الشروط، ويرشدها إلى طريق الفلاح، كما أن التاجر يستعين بشريكه في التجارة طلباً للربح، ثم ينبغي أن يحاسبها ويطالبها بالوفاء بما شرط عليها، فإن هذه التجارة ربحها الفردوس الأعلى، فتدقيق الحساب في هذا مع النفس أهم من تدقيقه بكثير مع أرباح الدنيا.
المقام الثاني المراقبة: إذا استوصى الإنسان بنفسه، وشرط عليها ما ذكرناه، لم يبق إلا المراقبة لها وملاحظتها.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الإحسان قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك» و من ذلك أراد استحضار عظمة الله ومراقبته في حال العبادة. قال الحسن: رحم الله عبداً وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر. فهذه مراقبة العبد في الطاعة وهو أن يكون مخلصاً فيها، ومراقبته في المعصية تكون بالتوبة والندم والإقلاع، ومراقبته في المباح تكون بمراعاة الأدب، والشكر على النعم.
المقام الثالث المحاسبة بعد العمل: قال الله تعالى: {يّا أّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا اتَّقٍوا الله وّلًتّنظٍرً نّفًسِ مَّا قّدَّمّتً لٌغّدُ} وهذه إشارة إلى المحاسبة بعد مضي العمل، قال عمر رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا. وكما ينبغي أن يكون للعبد ساعة في أول النهار يشارط فيها نفسه، ينبغي أن تكون له ساعة آخر النهار يطالب فيها نفسه، ويحاسبها على جميع ما كان منها، كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء فينظر في رأس المال، وفي الربح، وفي الخسران لتتبين له الزيادة من النقصان، فرأس المال في دينه هو الفرائض، وربحه النوافل والفضائل، وخسرانه المعاصي.
المقام الرابع معاقبة النفس على تقصيرها: اعلم أن المريد إذا حاسب نفسه فرأى منها تقصيراً، أو فعلت شيئاً من المعاصي فلا ينبغي أن يهملها، فإنه يسهل عليه حينئذ مقارفة الذنوب، فينبغي أن يعاقبها عقوبة مباحة كما يعاقب أهله وولده. وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه خرج إلى حائط له، ثم رجع وقد صلى الناس العصر، فقال: إنما خرجت إلى حائطي ورجعت وقد صلى الناس العصر، حائطي صدقة على المساكين. ومثال على المعاقبة لمن نام عن صلاة الفجر يمكن أن يعاقب نفسه بصوم ذلك اليوم أو زيادة ورده من القرآن.
المقام الخامس المجاهدة: وإذا رأى العبد نفسه تتوانى بالكسل عن شيء من الفضائل، أو ورد من الأوراد فينبغي أن يؤدبها بتثقيل الأوراد عليها، وإذا لم تطاوعه نفسه فإنه يجاهده ويكرهها ما استطاع.
وقال ابن المبارك: إن الصالحين كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفواً، وإن أنفسنا لا تواتينا إلا كرهاً، ومما يستعان به عليها أن يسمعها أخبار المجتهدين، وما ورد في فضلهم، ويصحب من يقدر عليه منهم، فيقتدي بأفعاله.
المقام السادس معاقبة النفس وتوبيخها: قال أبو بكر رضي الله عنه: من مقت نفسه في ذات الله أمنه الله من مقته.
وقال أنس رضي الله عنه سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد دخل حائطاً فسمعته يقول وبيني وبينه جدار: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، بخ، بخ، والله لتتقين الله ابن الخطاب أو ليعذبنك.
واعلم أن أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك، وقد خلقت أمارة بالسوء، ميالة إلى الشر، وقد أمرت بتقويمها وتزكيتها.

(*) رئيس مركز الحوية بالطائف

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved