Sunday 25th may,2003 11196العدد الأحد 24 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بين الثبات والتجديد (1/3) بين الثبات والتجديد (1/3)
الشيخ سلمان بن فهد العودة

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (2) )الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (3) )مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (4)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لهذا الموضوع قصة وذلك أن بعض الاخوة في ولاية كاليفورنيا من الولايات المتحدة الأمريكية في مسجد النور طلبوا مني مشاركة معهم في مؤتمر أقاموه وكانوا يقترحون أن يكون العنوان (المراجعات المنهجية في الواقع الإسلامي المعاصر) فألقيت لهم حاضرة عبر الهاتف ثم طلب مني اخوة آخرون في الجامعة الإسلامية العالمية في كوالالمبور في ماليزيا محاضرة أيضاً في موضوع (التجديد في الشريعة الإسلامية) وحدثت هؤلاء وأولئك فتبين لي أن الحديث بين هذين الموضوعين فيه شيء من الاشتراك لا بد من كشفه وبيانه وبناء على ذلك جمعت شتاته في هذا المقال.
والعمل الإسلامي في هذا العصر سواء كان عمل جماعات أم أفراد أم مؤسسات أم غير ذلك يمر بمتغيرات ومراجعات منذ فترة ليست باليسيرة، لكن وتيرة هذه المراجعات وزخمها يتزايدان يوماً بعد يوم خصوصاً في ظل العولمة التي تحاول أن تجمع العالم كله تحت سلطة أممية واحدة سياسة واقتصاداً وإعلاماً وثقافة ثم ثانياً بسبب أحداث 11 سبتمبر وما ترتب عليها من الاجراءات العسكرية والسياسية والأمنية وغيرها، فبذلك مر العالم كله بتحولات سياسية وفكرية عميقة، وتبعاً فإن الواقع الإسلامي هو جزء من الواقع العام يتأثر به سلباً وايجاباً.
لقد كان بعض الإسلاميين منذ فترة طويلة يحاربون ويعترضون على ما يسمى بالمشاركة السياسية أو الدخول في البرلمانات، أو محاولة التأثير من الداخل كما يقال، ثم بدا لهم أن هذا باب لا بد من ولوجه فأصبح الذين كانوا بالأمس يجوبون القطر محذرين من هذه المشاركة ومبينين أن فيها خطراً وأن فيها لبساً ومتخوفين من هذه التجربة صاروا يفعلون الشيء ذاته داعين إلى ترشيح فلانٍ أو فلان أو هذه القائمة أو تلك الجمعية اقتناعاً منهم بأن هذا لا بد من فعله ولا بد من مزاحمة الشر بالخير، كذلك حمل بعض الإسلاميين السلاح لمواجهة بعض الأنظمة الحاكمة في عدد من البلاد الإسلامية وربما كان أقدم هذه التجارب هي التجربة التي جرت في سوريا، وكان من جرائها النتائج الكبيرة المعروفة ونزيف الدماء الهائل وضياع الأموال وانسداد أبواب كانت مشرعة للدعوة في وقت من الأوقات، وتلا ذلك أحداث مشابهة في أكثر من قطر إسلامي كمصر وبعد فترة طويلة من هذه التجربة ترتب على ذلك الإعلان الكبير عن أن هذه التجربة مرت بظروف صعبة واكتنفتها أخطاء عديدة وأنه لا بد من تصحيح المسار وتدارك العثار وضبط المصطلح والشعار لدى هؤلاء الأخيار.
كان ثمة آخرون من الدعاة يحملون على البث الفضائي ويحذرون منه ويتحدثون عن مخاطره وبعد ذلك وجدوا أنفسهم مضطرين - بعدما أصبح هذا البث واقعاً لا سبيل إلى تجاهله - أن يقتحموه بدعوتهم وأن يزاحموا فيه الشر بالخير وأن يعتمدوه كوسيلة جديدة من وسائل الدعوة كما يعتمدون الانترنت أو الكتاب أو الشريط أو الجريدة أو المجلة أو غيرها والوسائل لها حكم الغايات، هذه مجرد نماذج وغيرها كثير تشير إلى أن هناك ما يحتاج إلى تجلية وايضاح.
والمسلم يدعو: {اهًدٌنّا الصٌَرّاطّ المٍسًتّقٌيمّ}، وهذا الدعاء رباني عظيم في دلالته، ولحكمة الله لعباده أن يتلوه ويقرؤوه في كل صلاة بل في كل ركعة فلا تصح الصلاة إلا بهذا ولا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب كما في البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، ولأمرٍ ما شرع الله عز وجل هذا، ولا شك أن المسلم يوقن يقيناً قطعياً أن ذلك لحكمة عظيمة، وأن غيره لا يقوم مقامه فيه، والهداية المطلوبة هي أربعة أنواع: الهداية الأولى هي منح الله عباه القوى والقدرات والملكات التي بها يتوصلون إلى معرفة الخير والمصلحة وإلى معرفة الشر والمفسدة.
ومن ذلك أن الله تعالى زودهم بالحواس المعروفة من سمع وبصر ولمس وغير ذلك ومنحهم سبحانه العقول التي يحصلون بها العلم والتعلم ولهذا قال الله سبحانه:{وّعّلَّمّ آدّمّ الأّّسًمّاءّ كٍلَّهّا} إن الله جعل لآدم ثم لذريته من بعده قدرة على التعلم والفهم والإدراك لا تتحقق لغيرهم، فربنا سبحانه هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وهذا وإن كان للحيوان نصيب منه بما هداه الله إليه بفطرته فهو يعرف أين يختار المرعى وأنه يأكل إذا جاع ويشرب إذا عطش ويتقي بعض المخاطر حتى إنك تجد للحيوانات وللحشرات وللهوام والدواب من بديع صنع الله تعالى الشيء الذي يندهش منه العقل إلا أن الله سبحانه فضل الإنسان على غيره من ذلك بما لا يخفى.
فالهداية الأولى: هي أن الله زود الناس بالملكات التي بها يحصلون على الهداية ويعرفون الخير فيفعلونه والشر فيجتنبونه، ولهذا كان العقل مناط التكليف والسؤال والجزاء.
الهداية الثانية: الهداية العامة بأن الله بعث الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأنزل الكتب وخاتمتها القرآن ولهذا قال تعالى: {وّلٌكٍلٌَ قّوًمُ هّادُ } وقال سبحانه: {إنَّ هّذّا القٍرًآنّ يّهًدٌي لٌلَّتٌي هٌيّ أّقًوّمٍ} فبين أن الرسل هداة، وأن القرآن الكريم والكتب السماوية قبله كانت هداية للناس {إنَّا أّنزّلًنّا التَّوًرّاةّ فٌيهّا هٍدْى وّنٍورِ} وهكذا بقية الكتب حتى جاء القرآن مهيمناً عليها، وهذه الهداية يسميها، العلماء هداية الدلالة والارشاد، فالله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وّإنَّكّ لّتّهًدٌي إلّى" صٌرّاطُ مٍَسًتّقٌيمُ} فأثبت لرسوله صلى الله عليه وسلم هذا النوع من الهداية بتعليمه الناس وتلاوة القرآن وبيان السنة، يكون هدى الناس وإن كان نفى عنه نوعاً آخر {إنَّكّ لا تّهًدٌي مّنً أّحًبّبًتّ}.
الهداية الثالثة: الهداية الخاصة وهي هداية التوفيق للصالحين من عباد الله تبارك وتعالى أن يهديهم الله إلى صراطه المستقيم ولهذا يقول الله عز وجل: {وّهٍدٍوا إلّى الطَّيٌَبٌ مٌنّ القّوًلٌ وّهٍدٍوا إلّى" صٌرّاطٌ الحّمٌيدٌ} ويقول سبحانه {أٍوًلّئٌكّ الذٌينّ هّدّى اللّهٍ فّبٌهٍدّاهٍمٍ اقًتّدٌهً} ويقول عز وجل: {وّالَّذٌٌينّ جّاهّدٍوا فٌينّا لّنّهًدٌيّنَّهٍمً سٍبٍلّنّا} فهذه هداية التوفيق والإلهام ان الله تعالى يأخذ بيد من يشاء من عباده إلى الصراط المستقيم، ولذلك يقول بعض العلماء: إن آيات الله سبحانه وتعالى في الكون مبثوثة لا يحصيها إلا هو، ولكن المستفيد منها قليل فكم من ناظر في ملكوت السموات والأرض لا يتجه إلى هدى، ولا ينصرف عن ردى، ولكن الله يهدي من يشاء.
ومن الواضح أن هذا النوع من الهداية - هداية التوفيق وهداية الإلهام - يتجزأ ويتكون للإنسان شيئاً فشيئاً ويحصل عليه الانسان بالتدريج ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى:{وّالَّذٌينّ جّاهّدٍوا فٌينّا لّنّهًدٌيّنَّهٍمً سٍبٍلّنّا} فهم لما جاهدوا في الله سبحانه وتعالى كانوا مهتدين وإلا لما جاهدوا في الله تعالى، ولكن وعدهم الله تعالى بقوله: {لّنّهًدٌيّنَّهٍمً سٍبٍلّنّا} بمزيد من الهداية والتوفيق والعلم والمعرفة ومزيد من العمل والرحمة لم يكن لهم من قبل، وهكذا قول الله سبحانه:{إنَّ الذٌينّ آمّنٍوا وّعّمٌلٍوا الصَّالٌحّاتٌ يّهًدٌيهٌمً رّبٍَهٍمً بٌإيمّانٌهٌمً} فهم أولاً آمنوا وعملوا الصالحات، والإيمان هداية، وعمل الصالح هداية، ومع ذلك قال: {يّهًدٌيهٌمً رّبٍَهٍمً بٌإيمّانٌهٌمً تّجًرٌي مٌن تّحًتٌهٌمٍ الأّنًهّارٍ فٌي جّنَّاتٌ النَّعٌيمٌ} فهم آمنوا وعملوا الصالحات، وهذه هداية، ثم تذرعوا بها إلى هداية أكمل وأعظم منها في الدنيا وفي الآخرة بوعد الله تبارك وتعالى، وهكذا قول الله عز وجل: {وّالَّذٌينّ آمّنٍوا وّعّمٌلٍوا الصَّالٌحّاتٌ لّنٍدًخٌلّنَّهٍمً فٌي الصَّالٌحٌينّ}، فيتكلف العمل الصالح أولاً ثم يصبح سهلاً يسيراً عليه بالاعتياد والتمرين.
فمن أنواع الهداية الظاهرة في هذه الآية أن هدايتهم الأولى كانت تكلفاً وتصبراً، ثم تحولت إلى جبلة وعادة وكلفة بغير تكلف فتلقنوا هذه الأعمال، ولهذا كان قيامهم الليل أول الأمر في عناء وجهد، ثم تحول إلى عادة مألوفة لا يصبرون بدونها، ولا يجدون لذتهم إلا فيها، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى:{يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا اتَّقٍوا الله وّآمٌنٍوا بٌرّسٍولٌهٌ يٍؤًتٌكٍمً كٌفًلّيًنٌ مٌن رَّحًمّتٌهٌ وّيّجًعّل لَّكٍمً نٍورْا تّمًشٍونّ بٌهٌ وّيّغًفٌرً لّكٍمً وّاللَّهٍ غّفٍورِ رَّحٌيمِ} فخاطبهم بالإيمان، ودعاهم إلى أن يتقوا الله وأن يؤمنوا برسوله، وهذه هدايات، فإذا فعلوا ذلك قال:{يٍؤًتٌكٍمً كٌفًلّيًنٌ مٌن رَّحًمّتٌهٌ وّيّجًعّل لَّكٍمً نٍورْا تّمًشٍونّ بٌهٌ} فهذا النور هو ثمرة الهداية ثمرة التقوى ثمرة الإيمان ثمرة العمل الصالح أن يكون لهم نور يمشون فيه في الدنيا فيفرقون به بين الخطأ والصواب والحق والباطل بل يفرقون به بين الصوابات المتعددة أيها أفضل وبين الأنواع التي كلها خير أيها أخير، ولهذا قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: «ليس الفقيه من يعرف الخير من الشر، إنما الفقيه كل الفقيه من يعرف خير الخيرين وشر الشرين» وهنا قال:{وّيّجًعّل لَّكٍمً نٍورْا تّمًشٍونّ بٌهٌ} وفي الآية الأخرى قال: {إن تّتَّقٍوا اللّهّ يّجًعّل لَّكٍمً فٍرًقّانْا} فهذا الفرقان يكون في قلب الانسان وعقله، وفي خبرته وعلمه فيفرق بين الأشياء ويختار أيها أفضل وأكمل وأنبل مما يقصر عنه فهم غيره.
الهداية الرابعة: الهداية إلى مجاورته سبحانه وتعالى في جنات عدن في جنات النعيم، قال الله عز وجل: {وّنّزّعًنّا مّا فٌي صٍدٍورٌهٌم مٌَنً غٌلَُ تّجًرٌي مٌن تّحًتٌهٌمٍ الأّنًهّارٍ وّقّالٍوا الحّمًدٍ لٌلَّهٌ الذٌي هّدّانّا لٌهّذّا وّمّا كٍنَّا لٌنّهًتّدٌيّ لّوًلا أّنً هّدّانّا اللّهٍ} فتمام الهداية إنما يتحقق بمصير الناس إلى جنات النعيم في جوار الرب الرحيم فهذه الهدايات الأربع يطلبها العبد يطلبها في دعائه.
وقد اختلفت عبارات المفسرين في معنى قوله {اهًدٌنّا الصٌَرّاطّ المٍسًتّقٌيمّ}.
فقال علي بن أبي طالب وأبي بن كعب رضي الله عنهما «اهدنا» معناها ثبتنا على الصراط المستقيم، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أرشدنا، وروي عنه أيضاً أنه قال: وفقنا وألهمنا، فهناك الثبات وهناك هداية الارشاد وهناك هداية التوفيق والإلهام.
كما اختلفت عبارات المفسرين في الصراط المستقيم فقيل: هو كتاب الله تعالى، وقيل: الإسلام، كما قال ابن مسعود والحسن وأبو العالية وغيرهم، وقيل: طريق الجنة، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والصواب أن ذلك كله حق، وههنا يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله «13/382»: «فكل من المفسرين يعبر عن الصراط المستقيم بعبارة يدل بها على بعض صفاته وكل ذلك حق بمنزلة ما يسمى الله ورسوله وكتابه بأسماء كل اسم منها يدل على صفة من صفاته فيقول بعضهم: «الصراط المستقيم» كتاب الله أو اتباع كتاب الله ويقول الآخر: «الصراط المستقيم» هو الإسلام أو دين الإسلام ويقول الآخر: «الصراط المستقيم» هو السنة والجماعة ويقول الآخر: «الصراط المستقيم «طريق العبودية أو طريق الخوف والرجاء والحب وامتثال المأمور واجتناب المحظور أو متابعة الكتاب والسنة أو العمل بطاعة الله أو نحو هذه الأسماء والعبارات، ومعلوم أن المسمى هو واحد وإن تنوعت صفاته وتعددت أسماؤه وعباراته».
ولهذا نقول: إن الآية تدل على معانٍ كلها حق.
المعنى الأول منها: ثبتنا على الصراط المستقيم، ولهذا روى مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن قلوب بني آدم كلها بين اصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء» ثم قال صلى الله عليه وسلم :«اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك».
وروى الترمذي وغيره عن أنس وجماعة من الصحابة أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» فقلت: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت فهل تخاف علينا؟ قال: نعم إن القلوب بين اصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء» فالصراط المستقيم هنا هو الإسلام، فلا يبتغي المسلم ديناً سواه، وهو القرآن فلا يبتغي كتاباً غيره، وهو الإيمان فلا يختار الكفر على الإيمان طائعاً راضياً، وهو السنة فلا يصرف قلبه إلى بدعة أو مخالفة أو انحراف.
إن أركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان الستة وأصول الأخلاق وأصول المحرمات والمنهيات وأصول الاعتقاد المقررة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتي هي محل اجماع من السلف الصالح رضي الله عنهم هي من الضروريات الظاهرة ومن قواعد الدين ومعاقده ومبانيه الثابتة المستقرة، فالمؤمن يدعو ربه صباح مساء في قيامه وركوعه وسجوده بالثبات عليها حتى يلقاه، لأن هذه الأشياء مما لا يجوز أن يكون فيها أي خلل أو اضطراب وكثير من الناس قد يقع عندهم شيء من الزلزال.
والزلزال قد يضرب منطقة معينة، ولكن الذين يرصدون الزلزال يدركون ان توابع الزلزال قد تمتد إلى مناطق بعيدة جداً، وإن لم يشعر الناس فيها بزلزلة قوية لكن يدركها العارفون، فهكذا بعض الناس ربما بسبب اضطرابهم في بعض الأمور يصل الزلزال عندهم إلى القواعد والمعاقد والأصول، وهذا خطر ينبغي الانتباه له، ويجب على المسلم أن يحاذره فإن أغلى ما يملكه المسلم وقرة عينه في الدنيا وسعادته في الآخرة وقربانه إلى ربه سبحانه وتعالى هو الإيمان بالله والتسليم لشريعته والوقوف عند حدودها.
فالمعنى الأول ثبتنا على الصراط المستقيم.
والمعنى الثاني زدنا هدى، قال تعالى: {وّالَّذٌينّ اهًتّدّوًا زّادّهٍمً هٍدْى اّآتّاهٍمً تّقًوّاهٍمً } وقال تعالى: {اّيّزٌيدٍ اللهٍ الذٌينّ اهًتّدّوًا هٍدْى} فالهدى لايتوصل الانسان إليه دفعة واحدة حتى الرسول صلى الله عليه وسلم كان الوحي يتجدد عنده مرة بعد مرة وكان يرتقي في مدارج الكمال زلفة بعد أخرى وكان يقول له ربه سبحانه: {وّاعًبٍدً رّبَّكّ حّتَّى" يّأًتٌيّكّ اليّقٌينٍ} واليقين هو الموت فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبد ربه، و يصعد سلّم العبودية، ويرتقي في مدارج الكمال حتى كان يقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم عن الاغر المزني: إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة»، وعلمه ربه أنه يطلب المزيد من العلم والعمل.
فمهم للإنسان أن يطلب الزيادة من الهدى، ومن زيادة الهدى الاطمئنان إلى ما عند ربه تبارك وتعالى، ولهذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لربه عز وجل:{رّبٌَ أّرٌنٌي كّيًفّ تٍحًيٌي المّوًتّى" قّالّ أّوّلّمً تٍؤًمٌن قّالّ بّلّى" وّلّكٌن لٌَيّطًمّئٌنَّ قّلًبٌي} فاطمئنان القلب بالإيمان هو من زيادة الهدى، وكذلك زيادة العلم بتفاصيل الإيمان وتفاصيل الأعمال هي من الهدى، ولهذا قال تبارك وتعالى: {وّإذّا مّا أٍنزٌلّتً سٍورّةِ فّمٌنًهٍم مَّن يّقٍولٍ أّيٍَكٍمً زّادّتًهٍ هّذٌهٌ إيمّانْا فّأّمَّا الّذٌينّ آمّنٍوا فّزّادّتًهٍمً إيمّانْا وّهٍمً يّسًتّبًشٌرٍونّ، وّأّمَّا الذٌينّ فٌي قٍلٍوبٌهٌم مَّرّضِ فّزّادّتًهٍمً رٌجًسْا إلّى" رٌجًسٌهٌمً وّمّاتٍوا وّهٍمً كّافٌرٍونّ} فالمؤمن جاءته آية جديدة فآمن بها وسلم وقرأها، وكل هذا زيادة إيمان، والمنافق كذب بها وردها وكفر فكان ذلك زيادة في نفاقه، ومن هنا قال الله سبحانه وتعالى لنبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم: {وّقٍل رَّبٌَ زٌدًنٌي عٌلًمْا} وقد روى صالح ابن الإمام أحمد بن حنبل فقال: رأى رجل مع أبي محبرة فقال له: يا أبا عبدالله، أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، فقال: «من المحبرة إلى المقبرة» يعني لا يزال يطلب العلم إلى أن يموت.
وحتى في مرض الموت كان السلف يتلقون العلم ويطلبونه، وليس مقصود العلم المعرفة النظرية المجردة فقط، وإنما العلم والإيمان، ولهذا لما قيل للإمام أحمد - وهو في مرض الموت، وكان يئن من الوجع -: بعض السلف كانوا يقولون: إن الأنين يكتب، ترك الأنين رحمه الله..

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved