Sunday 25th may,2003 11196العدد الأحد 24 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
نحن على خيرٍ، ولكنْ
عبدالرحمن صالح العشماوي

الخير موجودٌ في الناس ولله الحمد، هذه حقيقة نسلِّم بها جميعاً، فليس هناك شرٌّ محض، وليس معنى انتشار الباطل، والفساد، والظلم في هذا العصر أنَّ الدنيا خلتْ من الخير وأهل الخير، كلا ففي زماننا هذا من مظاهر الخير والصلاح ما يثلج صدْر من يتابعه، ويعرف آثاره في أنحاء العالم.
وحتى أقرِّب الصورة للأحبة القراء، أضرب مثلاً بموقف شخصي، فقد استمعت قبل شهور إلى خطاب ألقاه «كولن باول» عن تغيير المناهج التعليمية، والأوضاع الاجتماعية - خاصة وضع المرأة - في الدول الإسلامية، وضاق صدري بما سمعتُ لما فيه من تدخُّل مكشوفٍ معلن من مسؤول كبير في دولةٍ كبير، في شؤون المسلمين الخاصة، وما ضاق صدري - كما ضاقت صدور الكثير من المسلمين - إلا لما ظهر في لهجة ذلك الخطاب من عدم اهتمامٍ بحرية المسلمين الدينية والثقافية والعلمية وكأن تغيير التعليم، والمجتمع في عالمنا الإسلامي قد أصبح ضرورة لا نجاة للعالم إلا بوقوعها.
وفي اليوم التالي التقيت بالدكتور الدَّاعية الطبيب «عبدالرحمن السُّميط»، ذلك الكويتي العصاميُّ الذي حدَّد لنفسه هَدَفاً، وخطَّط له منذ أكثر من خمسٍ وعشرين سنة، وانطلق في تنفيذه بجهد فردي دؤوب، التقيت به في الرياض حيث كان مدعوَّاً لمهرجان الجنادرية، وسمعت منه عن الدَّعوة في جنوب أفريقيا، والآثار المشرقة للإسلام فيها - وهي ميدان عمله - ودخول أعداد كبيرة من النصارى والوثنيين، وخاصة القساوسة وشيوخ القبائل، والولاة، سمعت منه عن ذلك ما أسعدني، وغسل آثار ذلك الألم الذي سبََّبه خطاب «باول».
بل إنَّ ما أعرفه - ويعرفه الكثير - من إقبال الناس في أمريكا وأوروبا على الإسلام في هذه الفترة الأخيرة يدلُّ على أنَّ الخير موجودٌ - ولله الحمد - وأنَّ وعد الله ببقاء طائفة الحق والخير موجودة إلى قيام الساعة متحقِّق برغم هذه الحرب المشتعلة في العالم على عالمنا الإسلامي من قبل متعصبي السياسة الغربية من نصارى ويهود.
«نحن على خير»، نعم والحمد لله لا ننكر ذلك، ولكنْ لا يجوز أن يصرفنا ذلك إلى تهوين حالة الانحراف، وضعف التديُّن الموجودة في عالمنا الإسلامي، فإنَّ تهوينها يُعَدُّ خللاً كبيراً يمكن أن يعمِّق الانحراف، ويقلِّل من أهمية النظر في علاجه.
إنَّ أحوال كثيرٍ من المسلمين لا تبشِّر بخير، فهناك إهمال واضح لأركان الإسلام وفرائضه التي لا يجوز إهمالها، وهناك مخالفات شرعية واضحة في المأكل والمشرب والملبس، والعلاقات الاجتماعية، والأخلاق، وهناك عدم وضوح في الرؤية لما يجري من الأحداث والمواقف، وعدم قدرة على استحضار أوامر ونواهي الشرع الإسلامي الحكيم حينما نتعامل مع بعض الأشخاص، أو نحكم عليهم.
هنالك عاطفة إسلامية جياشة عند كثير من المسلمين ولكنَّ العاطفة وحدها لا تكفي بل ربما كانت العاطفة «مجرَّدةً» جزءاً من المشكلة وصورة من صور الخلل.
«نحن على خير والحمد لله»، ولكننا نرى من المسلمين منْ لا يصلِّي، ومن يصلِّي أحياناً، ومن يصلي معظم صلواته قضاءً بعد خروج وقتها، ومنْ يصلي صلاةً سريعة قَلِقَةً لا يتحقق بها خشوع ولا إخبات، ولربما خرج صاحبها من المسجد، فغشَّ، أو خدع، أو ارتشى، أؤ تعامل بالربا، أو خاصم، أو اغتاب أحداً أو أثار فتنة، بعد صلاته تلك مباشرةً.
«نحن على خير والحمد لله» ولكننا نرى من المسلمين منْ لا يصوم، ومن يستهزئ بالدين والمتدينين جهاراً نهاراً، ومن يتبنَّى أفكاراً معارضة للإسلام، ويتحمَّس لها وينافح عنها.
هنالك خللٌ في التزام كثير من المسلمين بدينهم لا يجوز أن نهمله، أو نتهاون به بحجة أننا على خير، نعم «نحن على خير»، ولكن الشرَّ يلوِّح بيدين غليظتين تحتاج إلى منْ يحول بينهما وبين قتل ما نحن فيه من الخير.
إ شارة


أمتي لم يزل يحرِّك عزمي
أملٌ في طريقك المنشود

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved