Tuesday 27th may,2003 11198العدد الثلاثاء 26 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قل : هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة «2 /2» قل : هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة «2 /2»
د. حسن بن فهد الهويمل

وإذا كان الكاتب ينقم على طائفة من المدرسين - وذلك حق، يتطلب البينة- فلماذا يربط بين (الدعوة) و(الضعف)؟ ويقحم أطرافاً أخرى، ويمتعض من امتثال أمر الله {وّلا تّقٍولّنَّ لٌشّيًءُ إنٌَي فّاعٌلِ ذّلٌكّ غّدْا، إلاَّ أّن يّشّاءّ اللهٍ}. ويتجاهل قول الله عن عيسى عليه السلام: ترديده (بإذن الله) في النفخ والإحياء والإبراء؟ وعيسى يعلم ويؤمن أن الله خالق كل شيء، وليس عنده نقص في الفقه. إن لحن القول كله، يحيل إلى مواجهة الدعوة، لا مواجهة أخطاء الدعاة، ومواجهة أسلمة المناهج، لا العمل على تفعيلها. وفي ذلك مسايرة لحملات التشويه. وعليه أن يعيد قراءة ما كتب من قبل.
وبصرف النظر عن ركاكة التعبير، وضحالة التفكير، وسوء التوقيت والتقدير في التعاطي مع أخطر القضايا، وأهم المسائل، فإن تخبيصات الكاتب، وخلطه بين أمور في غاية الأهمية، وأخرى في منتهى التفاهة دليل ارتباك وتوتر واضطراب. وكاتب يقارب أخطر قضيتين في حياة الأمة: (التعليم) و(الدعوة) ثم لا يزن الأمور، ولا يستبرئ لعرضه ودينه، يعرض نفسه للاتهام والتجهيل والمساءلة (ومن لا يتق الشتم يشتم)، ومن حق المتأذين أن يبادلوه سوءاً بسوء، فلقد وصفهم بالهلوسة ونقص الفقه، وقطع بتدهور التعليم. وما يتعرض له من ردود فعل، يراها هو، ومن شايعه مزايدة على القضايا، وتنقصاً من الحريات، وما هي كذلك، إنها استكمال للحرية التي يراها، ويتحرج منها حقيقة. وإذ لا نرى التسامي بأحد من الخلق فوق النقد والمساءلة، ولا نزكي أي مؤسسة تعليمية أو دعوية تحت أي مبرر، فإننا نفرق بين نصيحة المهتم بأمر الدعوة والتربية، وفضيحة الساخط عليهما، الناقم على ذويهما. وليس غريباً على ذات الكاتب ما نراه منه من اندفاعات، تضعه تحت طائلة المساءلة، ولا تقل ارتباكاً
(مالي أرى أقواماً يفعلون كذا)
فذلك هدي المصطفى. أما الرشق العشوائي، والمجازفة في الاتهام، فشأن المقوين من المقومات. وقادة الفكر والاصلاحيون يمنعهم الحياء من سوء الأدب مع الكافة، فضلاً عن صفوة المجتمع. وهل بعد المعلمين والدعاة من مكرم؟ وإذا لم يكن المعلم والمعلمة داعيين إلى الله على بصيرة، فمن يكون؟ وإذا لم نحصن أبناءنا وبناتنا من احتناك شياطين الإنس والجن واجتيالهم، عبر القنوات، والمواقع، وسائر الوسائل الإعلامية، فمن ذا الذي يحصنهم؟ وإذا لم تكن المملكة التي شرفها الله بخدمة مقدساته، ونشر كتابه، وتحكيم شرعه، وإقامة دينه، مهيئة الطلبة والمدرسين معاً للدعوة إلى الله، وحفظ جناب التوحيد، وحفظ التوازن بين مطالب الحياتين، فمن ينهض بمثل ذلك؟ إنه لا يضيق بالدعوة إلا مشبوه، أو مدخول في فكره، وإذا كان الكاتب مع الدعوة، كما يدعي، وكما نرجو أن يكون، وله ملاحظاته الوجيهة، فإن عليه أن يتخذ سبيل الدقة والتخصيص والتركيز. وهو قد حاول لملمة أطراف القضية، بعد أن ضيق عليه الرأي العام الخناق، ومع أن الحق قد يعتريه سوء التعبير، إلا أن المقال المثير مواجهة لا مناورة، وإدانة لا اتهام، وتقرير لا تساؤل.
ومع الاحتفاظ بثوابت الدين من وعظ وأمر ونهي فإن من صرف الوقت لغير ما هو له، فقد أخطأ الطريق، وفرط بالواجب، كائناً من كان، ولكن تذكير المخطئين لا يكون بهذا الأسلوب التعميمي القطعي. أما قضية ربط المواد بالدين، فالدولة تلح على أسلمة المناهج، وليس هناك ما يمنع من استحضار عظمة الخالق، حين التعرض لقانون علمي، يتعلق بالآفاق أو بالأنفس، وليس من مصلحة الأمة ان تمارس التربية بمعزل عن الدين. وكيف لا نؤسلم المناهج والمواد، ونربط الظواهر العلمية والفلكية بالإيمان؟ ما الذي يمنع من أن يكون استاذ الرياضيات واللغات داعيين إلى الله، مذكرين بعظمته وجلال قدره، ألم يقل بعض الصحابة لبعض: (تعالى نؤمن ساعة)، أو لم يقل الله عن الصالحين من عباده {الذٌينّ يّذًكٍرٍونّ اللّهّ قٌيّامْا وّقٍعٍودْا وّعّلّّى" جٍنٍوبٌهٌمً وّيّتّفّكَّرٍونّ فٌي خّلًقٌ السَّمّوّاتٌ وّالأّرًضٌ} ويقول: {وّاعًبٍدً رّبَّكّ حّتَّى" يّأًتٌيّكّ اليّقٌينٍ}. أحسب ان اتهام المناهج والمدرسين والمدرسات بالتفريط، وإضاعة التعليم، اتهام ليس في محله، ولا يمارسه إلا إنسان لا يحترم المصداقية، ولا يحسب للظروف حسابها، ولا يعرف حدود ما يجب، وواجب المقتدرين إرشاده، وواجبه قبول الحق، وعدم التبرم ممن يشاطره السفينة، مستحضراً قوله تعالى: - {لا يٍحٌبٍَ اللهٍ الجّهًرّ بٌالسٍَوءٌ مٌنّ پًقّوًلٌ إلاَّ مّن ظٍلٌمّ}.
والمدرسون الذين على جانب من التقى والورع، لا يمكن أن يفرطوا بحق الطلبة، ولا برسالة التعليم، وهم حين يجدون أنفسهم بحاجة إلى التوعية ينشئون الجمعيات، ويتطوعون بجهدهم ووقتهم، دون المساس بوقت المناهج. واتهام التعليم بهذا الحجم، وإحالة الضعف إلى الدعوة والدعاة، تشويه لرسالة المسلم في الحياة. وإذا وقع مدرس أو مدرسة فيما لا يصح من القول، فإن هذا لا يسوِّغ التعميم. الخطأ في القول حاصل، والتقصير في العمل حاصل، والتجاوز في الفعل حاصل، ولكن لا تزر وازرة وزر أخرى. ولو صدق بعض ما يقوله المرجفون المتواطئون على الخطيئة لكنا بحاجة إلى مواجهة أربعة ملايين طالب وطالبة ومئات الآلاف من المعلمين والمعلمات وأساتذة الجامعات، وهو ما لم يكن، ولن يكون إن شاء الله.
وكيف يتأتى الامتعاض من تفشي الدعوة والإرشاد في أمة تنص المادة (الثالثة والعشرون) من نظامها الأساسي للحكم على قيامها بواجب الدعوة إلى الله؟.
والدولة ومن ورائها أهل الحل والعقد من العلماء ورجال التربية والتعليم يعيشون حالة استثنائية، ويتأذون من اتهامات ظالمة، يؤزها اللوبي الصهيوني ضد التعليم في المملكة، ويتحرفون لكشف النوايا السيئة، التي ينطوي عليها أعداء الإسلام، والخائفون من (الصحوة الإسلامية) يحاولون إثبات أن المناهج تصنع الإرهاب، وأن الإرهاب بمفهومه الغربي منتج إسلامي، وفي هذه الظروف الحرجة ، يأتي من يقول كلمة في صالح الأعداء، لا يلقي لها بالاً، وواجب المسلم في الأزمات أن يكون على شاكلة من قال الله فيهم {الذٌينّ قّالّ لّهٍمٍ النَّاسٍ إنَّ النَّاسّ قّدً جّمّعٍوا لّكٍمً فّاخًشّوًهٍمً فّزّادّهٍمً إيمّانْا وّقّالٍوا حّسًبٍنّا اللّهٍ وّنٌعًمّ الوّكٌيلٍ}. إن هناك مرتابين، يخافون من مطاردة أعداء الله لعباده، ويصدَّقون كل صيحة، ومن ثم يعطون تنازلات في ثوابتهم، ويسايرون إشاعات العدو، ويسلمون له، وتلك بوادر انهزام داخلي، وتحقيق لما حذر منه المفكر الإسلامي (مالك بن نبي) من قابلية الاستعمار، وفقد شروط النهضة. ومما لا مراء فيه، أن هناك تطرفاً دينياً ودعاة غلاة وآخرين جهلة، تتأكد معالجة أوضاعهم، والحيلولة دون تمكينهم من تشكيل ذهنيات الناشئة، بطريقة تتأذى منها المؤسسات الأمنية والدعوية، ولكن ذلك شأن ولي الأمر وعلماء الأمة، وهم جادون في معالجة كل ظاهرة بالطريقة التي نسأل الله لهم فيها التوفيق والسداد.
ومن أراد أن يدلي بدلوه في تصحيح مسار (التعليم) أو (الدعوة)، وهما بلا شك في أمس الحاجة إلى المتابعة والتصحيح، فعليه ألا يقع في فرضية واهمة، تجعل من الدعوة والدعاة سبباً رئيساً في تدهور التعليم، مجازفاً في إطلاق التهم، دون تحديد، ودون إثبات، مستفزاً الخيرين، جاعلاً منهم خصوماً، متعمداً معاداتهم. وماذا عليه لو دخل مع رجال التربية والتعليم والدعوة في حديث ودي، شاطرهم فيه همهم الدعوي والتربوي، ونبه إلى بعض التجاوزات التي نراها رأي العين، ونثق أننا أحوج ما نكون إلى من ينبه عليها، ولكن بغير هذه الطرق الفجة. وهل لا يستقيم أمر الكاتب إلا بالإثارة والعداوة، وتحميل الأمور ما لا تحتمل؟ ومن ذا الذي يتعمد الإساءة لمن بذلوا وقتهم ومالهم وجهدهم للدعوة والإرشاد؟. والتعليم بوصفه القضية الأهم والأخطر، لا يمكن تناوله بهذه المجازفات المرتجلة. التعليم في المملكة قائم على خطط ومناهج، لها وعليها. وجامعات المملكة تستوعب كل التخصصات العلمية البحتة، وأبناء البلاد يبتعثون إلى سائر دول العالم المتقدم علمياً بالآلاف، ويعودون بأرفع الشهادات، والمملكة مليئة بالمتخصصين الذين تلقوا تعليمهم في مدارس المملكة، فهل يستطيع التعليم المنهار بإمداد ثماني جامعات بمختلف التخصصات، بل يفيض عن حاجتها.
ومع هذا فلسنا من الصفاقة ولا الحماقة، بحيث نزكي أنفسنا أو مؤسساتنا، إن هناك ضعفاً ينتاب كل مرافق الدولة، وهناك مقصرين أو مهملين أو متلاعبين، يبلغ حد الفساد الإداري، نعرف ذلك حق المعرفة، وليس من حقنا أن نزكي، ولا أن ندافع، ولا أن نمنع من الإصلاح، وبودنا لو تصدى لكل هذه الهنات من يزن الأمور، ويفرض احترامه على المخطئين والمقصرين. والمتفق عليه أن التعليم في جميع أنحاء العالم ينتابه الضعف، والتربويون يتعقبون مناهجه ومواده بالإصلاح والتعديل والإضافة والحذف، وما أحد منهم سخر، أو استهجن أو افترض عامل ضعف ثم عممه. وكان على الكاتب لو كان غيوراً ناصحاً ان يضع أصابعه على مكامن الداء، لا أن يطلق المفرقعات، مسقطاً التعليم، والمعلمين، ووزارة التربية والتعليم، والتعليم العالي، والتعليم الفني، ووزارة الشؤون الإسلامية، والدعاة، والدعوة. متهماً الجميع بإضاعة الطلبة.
إذ نجد لفيفاً من الكتاب الواقعين في الحمى باسم حرية التعبير فإن على المسؤولين عن هذه الحمى أن يخرجوا عن صمتهم ليكشفوا عوار هذا التحامل، وأن يضعوا أي كاتب متعد مستفز في حجمه الطبيعي، لكيلا يسنوا سنة سيئة، تبيح الإطلاقات غير المسؤولة، وفي الوقت نفسه يجب ألا يأخذ المسؤولين العجب، بحيث يَسْمون بأنفهسم فوق النقد والمساءلة، ويغفلون عن أي تقصير. والحرية في التفكير والتعبير حين تكون مكفولة، أو حين يجب أن تكون مكفولة، فإن علينا قبل هذا وذاك أن نعرف حدودها ومجالاتها. فليس لكل مجازف في القول ان يحيل إلى الحرية. الإنسان بطبعه اجتماعي، وهو ملزم بمقتضيات «العقد الاجتماعي» المستمدة ضوابطه من حضارة الانتماء، و(العقد) يعني الحرية المنضبطة. وإشكالية المشاهد العربية كافة أن الأكثرين من نخبها لا يحتفون بحدود الحرية، ولا يعرفون مقتضيات حضارتهم، ومن ثم يوغلون في (العهر) و(الكفر)، ويعدون مثل هذا الإيغال محصناً بحرية التفكير وحق التعبير. ومثل هذه المفاهيم المريضة تضع الفوضى موضع الانضباط، وتجعل كل شيء تحت المساءلة والنقد، وقد تطال المساءلة فعل الله، وتُحقُّ الخيرة في قضائه، والله لا يسأل عما يفعل، وليس لأحد الخيرة إذا قضا الله ورسوله أمراً. والتطرف في الآراء بنشئ تطرفاً مضاداً، مما يعرض الأمة لفوضوية مخلة بالحرية المطلوبة من الطرفين. ومن المعلوم من الدين بالضرورة ان الأمة أمة دعوة، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وما لعن الكفرة من بني اسرائيل إلا لأنهم لا يتناهون عن منكر فعلوه، ومن اقترف خطيئة من الدعاة أو الآمرين، فيجب ان يؤخذ بخطئه، دون ان يمتد ذلك إلى المبدأ أو المهمة أو الغير.
ومثل هذه الإثارات توغر الصدور، وتثير الشكوك، وتخلق كيانات متناحرة. والمملكة: حكومة وشعباً، لن تقوم لهما قائمة إلا بتقارب وجهات النظر، والانطلاق من سياسة الدولة الدعوية التي نصت عليها أنظمتها، وأنشئت لذلك (وزارة) و(رئاسة) و(مجلس أعلى) يرأسه الرجل الثالث في الدولة. وإذ لا نمانع من نقد التعليم ورجاله، والدعاة وأساليبهم، والهيئات وتجاوزاتهم، وما ينتاب بعضهم من جهل أو غلو أو تطرف، فإننا نرفض التعميم والمواطأة لأعداء الأمة، والتذمر من إظهار الدين، ونرفض الإطلاقات التي تحتمل أسوأ التأويل، وأقبح الاتهام، ونرفض الخوض بآيات الله دون علم شرعي مخول، ونرفض الركون إلى الذين ظلموا.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved