Tuesday 27th may,2003 11198العدد الثلاثاء 26 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مواجهة الانحراف مواجهة الانحراف
د.موسى بن عيسى العويس(*)

أليس بإمكان الإنسان اكتساب ثقة البشر ومحبتهم دون إعلان مشايعته لطائفة ما، أو تعصبه لجماعة، أو حزب، أو فئة دون أخرى. أليس بوسع المرء العيش بأمن وسلام، ورغد واطمئنان دون مكابرة أمام الملأ بغيرته الدينية، وانتماءاته السياسية والمذهبية والإقليمية على منابر أماكن العبادة ومنتديات الهيئات والمؤسسات.
أليس بمقدور الإنسان بناء بيته دون تقويض لغيره، ورتق ثوبه دونما تمزيق لثوب جاره، وانتزاع رزقه دون سطو أو اعتداء على حق غيره. ألا تتسع تعاليم الأديان السماوية - والإسلام أعظمها وأكملها، وأجلها وأشرفها- لاحتواء هذا الإنسان وما يتنازعه من أهواء ورغبات، وما يكتنفه من نزعات ونزوات أمام تساؤلات عدة نحتاج إلى إجابات صريحة وجريئة وأسئلة من هذا اللون، وموضوعات كهذه أعلم أنها خطيرة المسالك، متشعبة الإجابات، محفوفة بالاتهامات، لكنها في نظري، جليلة الشأن، جزيلة الفائدة، بعيدة الأثر في المجتمع الإنساني متى قبلت للطرح والحوار والمناقشة وتهيأنا لها وهيأنا الآخرين داخلياً وخارجياً. مشكلة كثير من شعوب البلاد العربية والإسلامية باعتقادهم ان موضوعاً كهذا له من الخصوصية مايقصر مناقشته، ويحصر معالجته على علماء الدين وحدهم، ويحملهم جراء ذلك تبعات الانحراف واختلاط المفاهيم.
وهذا في رأيي هو عين الخطأ وموطن الضلال، إذ ربما كان تطرف السياسات الدولية السرية منها والعلنية من بواعث تأصيل العداء، وتوسيع الفجوة بين العالم وترسيخ الاختلاف، ولكن الإنسان قد لايرى أو يعترف بمساوئ الذات، ولاينتقد الحرفة التي يتوقف عليها معاشه كما يقال.
كثير من القضايا الفكرية التي وجدت رواجاً في البلاد الإسلامية أحيطت في بعض فترات التاريخ بسياج متين، فظلت طي الكتمان تحت ذرائع كثيرة أقل مايمكن القول عنها ان في إثارتها إضرار بالمصلحة العامة، وجراءة على مقام الهيئات الدينية، والسلطة القضائية، أو السيادة الوطنية والأنظمة السياسية حتى آلت إلى ما آلت إليه حملة بعض الأفكار المنحرفة، فتنادت فئات المجتمع بمختلف شرائحه، وبدأت تتلاوم في الأندية والمؤتمرات والندوات، شاجبة ومستنكرة من تبني ظواهر الانحراف المولدة للارهاب، فأجمعت على إدانة الأعمال التخريبية، وتعامت عن الأسباب، لاعتبارات عدة أملتها عليهم جملة من المواقف التي تتحكم فيها عوامل القوة سواء كانت سياسية، أو عسكرية، أو اقتصادية، أو دينية.
في اعتقادي أنه ليس هناك دولة من الدول، أو شعب من الشعوب إلا ويمتلك سلاحاً يعرف متى وكيف وأين يستخدمه، ولايمكن ان يتورع عن ذلك إلا في ظل دين يردعه أو قيم إنسانية تزجره أو عدالة تمنعه وهذه الحوادث والأحداث التي اكتوينا بها، وأهاجت العالم من حولنا ليضع ثقافتنا أمام المحاكمة شاهدي على ذلك.
أمام من سود تاريخ انساننا المعاصر سودنا نحن صفحات الصحف والمجلات شجباً وتربعنا على شاشات الفضائيات استنكاراً واستحوذنا على لواقط الإذاعات تنديداً واعتلينا منابر الجوامع وعظا ووعيداً، وأي فائدة ترجى من ذلك ما لم يصاحب هذه الأقوال أفعال ومواقف صادقة، تعترف بالخطأ، وتنفي العواطف الدينية التي تاجر البعض بها، واتخذها وسيلة لتنفيذ غايات شخصية ألحقت بالأمة الضرر الجسيم.
كثير من الكتاب أمام هذه الظواهر حََملُوا الأنظمة والمجتمع جزءاً من مسؤولية هذه الأعمال، إذ إن تلك الفئة التي ابتليت بالانحراف، والخروج عن الجادة هم من نسيج هذا المجتمع المتماسك، وهؤلاء الكتاب هم المنصفون كما أرى، لأن لسان حال بعضهم تجره العواطف الصادقة نحو قول القائل: «إذا احتربت يوما وفاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها» أما سواهم فلا تعدو إدانتهم كونها عواطف ومشاعر وقتية تزول بتقادم الأيام، وتتابع الأحداث يشكرهم عليها معاصروهم وحسب أما التاريخ فلايذكرها لهم لأن المؤرخ لايحفل إلا بمن غير مجرى مادته، وجهد في صوغ فكر أمته على نحو يؤهلها للريادة، لا بأفكار هدامة، أو أعمال تخريبية شاذة، تقوض المجتمع الإنساني ولا تبنيه.
نحن في المملكة العربية السعودية جزء من هذا العالم الواسع المترابط الذي باتت ظواهر الإرهاب تهدد أمنه واستقراره، وتؤثر في نموه وازدهاره، وتعيقه عن أداء رسالته وواجباته، ولكننا نختلف معهم في وسائل القضاء عليه بنظرة أعم وأشمل، وأكثر حكمة واعتدالاً وهدوءاً واتزاناً مما تطرحه بعض الدوائر الغربية ذات الأهداف الخفية.
في مواجهة الانحراف يترك المجتمع للحاكم وسائل الردع التي تمليها عليه مسؤولية الحكم، ولكن في الوقت نفسه لاتعفي السلطة الفئة المتنورة من الأخذ بمبدأ الحوار البناء الذي يحفظ للناس أمنهم الفكري، ويقيهم شر الانزلاق.
الحوار البناء أساس المجتمع المدني الحديث وحجر زاويته الصلبة. الحوار البناء يمنح كل إنسان حقه من الحرية في القول والعمل، فيستمتع بها في حياته ويمتع الآخرين بها الحوار البناء يحرر العقول من أسر التبعية العمياء، فتبرز منها أسمى الأفكار التي تسهم في الرقي والتقدم في كل منحى من مناحي الحياة، وفي كل فرع من فروع العلم.

(*) إدارة تعليم منطقة الرياض

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved