Saturday 31th may,2003 11202العدد السبت 30 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

800 ألف طالب وطالبة يشاركون في «رسائل بلا حدود» 800 ألف طالب وطالبة يشاركون في «رسائل بلا حدود»
« سأحلم ببحر يافا وشمس اللد »

* رام الله - مكتب الجزيرة:
«بعد ما عانيته من هجمة الاحتلال على أخي مجدي الشهيد بتاريخ 24/4/2002م، وبعد أربعين يوما فقدت أبي ناجي أيضاً على أيدي الاحتلال.. شرعت أبحث عنك أبي، في زوايا البيت، فلا أجدك، أنظر إلى فراشك الخاوي فأراه جحيما، وأنا من رأى مصرع أخي ساعة استشهاده. أصبح قلبي كتلة هائلة من الألم.. سأبتاع السلام يوما وأحطم وأحطم القيد وألقي بجسدي الحي الميت بين أحضانك أبي، لتضمني بين يديك.. عمري وحبي، لماذا حرموني منك؟ محمد ناجي خليلية، جنين».
تنقلب كل موازين القوى، وتسقط كل الأعراف والمواثيق الدولية عندما يتحدث طفل في الثالثة عشر من عمره، بهذه الكلمات، التي هي ليست مقتبسة عن رواية تراجيدية في العصور القديمة، بل هي مثال حي لما يعانيه أطفال فلسطين.. فمحمد ناجي خليلية من جنين، طفل في الثالثة عشر من عمره، أراد أن يعبر عما يجول في خاطره، لعل صوته يصل إلى هذا العالم الأصم. من خلال مسابقة بعنوان «رسائل بلا حدود» نظمها المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية «بكدار» وبالتعاون مع وزارة التربية، شارك فيها 800 ألف طالب وطالبة من مختلف أنحاء فلسطين.
ربما كانت فكرة هذه الرسائل جديدة ومستوردة، ولكن فكرتها جديرة بالتجربة، فنحن وكما أشار الدكتور محمد اشتية مدير عام بكدار، «لا نحتاج إلى فرض العزلة على أنفسنا، فقد فرضها المحتل».
توافدت قرابة مليون رسالة من المدارس في أنحاء فلسطين، مضغوطين وبحاجة للتفريغ، ولربما وجدوا في هذه المسابقة الفرصة للتعبير عن أنفسهم، أراد كل منهم مشاركة الآخرين همومه، لعله يجد أذناً صاغية، أو كتفاً يسنده ليبكي عليها، لم تكن غاية هؤلاء الأطفال الجائزة أو الفوز رغم حلاوتهما، بل أرادوا إيصال فكرة تصف معاناة الشعب الفلسطيني الذي يقاسي الأمرين عند صباح ومساء كل يوم.. الاحتلال لا يرحم أحداً، لا فرق بين صغير أو كبير.. رجل أم امرأة.. وهؤلاء الأطفال هم الضحية، فمنذ بداية انتفاضة الأقصى، أيلول 2000م، وهؤلاء الأطفال يعانون ويقاسون من جرائم الاحتلال، فالطفل الفلسطيني لا يشبه أطفال العالم، فهو أكبر من سنه وتفكيره يخرج عن إطار اللعب واللهو، فتجد الطفل الصغير يتحدث بإسهاب عن أنواع الدبابات والطائرات الإسرائيلية، لينتقل إلى أنواع الرصاص والأسلحة، وكيف أنه سيتدرب على استخدامها عندما يكبر ليقاتل بها عدوه ومحتله.. ولكن وبالرغم من كل هذا لا يتخلى الفلسطيني عن إنسانيته، فالأطفال عندما كتبوا رسائلهم هذه، حمل بعضهم العصا المحتلة، البعض الآخر سخر منه، آخرون حاكموا العدو محاكمة عقلانية.. ولكن لم يتخل أي منهم عن إنسانيته، ورفضوا جميعاً مخاطبة هذا المحتل بطريقته الهمجية.
الطفلة ذوق طارق عبدالحليم، من طولكرم، في الصف الأول الثانوي، كتبت رسالتها وعنونتها «إلى أخي في الإنسانية، إلى جندي إسرائيلي على حاجز عسكري.. احتفلنا بعيد الأم، ثم توجهنا إلى أسرة قريبة منا لنشاركها هذه المناسبة، ولنواسي أماً غاب ولدها عنها. أتدري يا أخي كيف غاب؟ إنه مات بعد أن أطلق عليه أحد زملائك الرصاص: قتله وعمره أربعة عشر عاما.. هل شاركت أمك في عيد الأم؟ أظنك لم تشاركها بسبب المهام المطلوبة منك ضد الفلسطينيين. أقترح عليك إن زرتها، متأخراً، أن تحمل لها: زجاجة من دم طفل فلسطيني قتلته على قارعة الطريق، وما زالت أمه تبحث عنه. وأنا متأكدة أن أمك لن تكون راضية عن هذه الهدية».
أما الطفلة لارا عامر من رام الله فقد افتتحت رسالتها المعنونة إلى عدوها بالقول «في البدء ألقي عليك التحية، هكذا تعلمنا في بلادنا، أنا لارا من اللد، وعمري إحدى عشرة سنة، وأقطن مدينة رام الله.. قبلت أن تكون رام الله بديلاً عن اللد، تخيلت المسبح الصغير بحراً كبيرا، ولكن مع كل هذا سلبتني حلمي البسيط، وأتيت إلى منزلي الصغير واحتللته، وقتلت ودمرت واعتقلت. أنا لا أقبل بعد اليوم بالمسبح الصغير، وسأحلم ببحر يافا وشمس اللد».
محمد سمارة مراعبة كتب الى سفير سويسرا يقول: «قامت حكومتكم الكريمة ببناء مدرستنا «مدرسة راس عطية في قلقيلية» عام 1995م، والآن تعمل إسرائيل على بناء جدارهم الأمني المزعوم، والذي يبعد عن المدرسة حوالي خمسة أمتار. نتمنى أن ترسلوا رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية ليقوموا قدر الإمكان بإبعاد السور عن المدرسة».
بينما جاءت رسالة ربى محمود عيد من طولكرم، والموجهة إلى جندي إسرائيلي على حاجز عسكري، لتقول: «أنظر إليك وأنت تقف خلف تلك الكتل الأسمنتية، وعلى ظهرك هذا العتاد وهذه المعدات التي لا قبل لك بثقلها، وعلى وجهك هذه الصرامة الحادة، وفي قلبك هذا التوتر والقلق.. وأنظر لزميلاتي الذاهبات إلى مدارسهن وعلى ظهورهن حقائبهن المليئة بالعدة والعتاد، وعلى وجوههن الأمل والطلاقة، فأرى الفرق شاسعاً بين ما نحمله على ظهورنا وما تحمله على ظهرك.. فأصل إلى الحقيقة التي تطاردك، وهي أنك تعيش بأمل القوة، ونعيش بقوة الأمل».

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved