Saturday 31th may,2003 11202العدد السبت 30 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
حراس الأزمنة المنتهية
عبدالله بن بخيت

لدي قناعة أرجو من الاخوة القراء اختبارها قبل تبنيها لمن أراد الاستفادة منها وتوظيفها وأظن أنها مفيدة كثيراً وقد جربتها وحققت نجاحاً في كل الأحوال. تقوم هذه القناعة على أن الشماغ هو الجينز بالنسبة للسعوديين والغترة البيضاء هي بمثابة البدلة مع الكرفتة. يعني إذا ذهبت تراجع في دائرة حكومية البس غترة بيضاء لكي تحظى بالاحترام الذي يخلص معاملتك. تجنب لبس الشماغ أو البشت.
علمتنا التجارب أن لبس البشت لم يعد ينطلي على الموظفين. لأن المسألة صارت واضحة. لو أنك شخصية مهمة على مستوى لبست البشت كان ما راجعت بنفسك. كان تركت واحداً من صبيانك يراجع عنك. البشت بدأ يحول صاحبه الى مسخرة بين الموظفين. أما لبس الشماغ فيدل على أنك رجال طرقي.. بالانجليزي بالفصيح يعني Casual.
منذ أكثر من سنة قرأت مقالا لأحد الزملاء في مجلة اليمامة لا أتذكر اسم الكاتب يقول: ان الشماغ في الأصل غطاء طاولة الطعام في البيت الإنجليزي. وعندما وصل إلينا لم نجد ما نفعل به فاستخدمناه كلباس للرأس. لم آخذ كلام الزميل بجدية، فقد ظننته نوعاً من الكلام الساخر. نسيت الموضوع حتى قدر لي أن أتغدى مع شايب تجاوز عمره الثمانين ويتمتع بذاكرة قوية مميزة. لا أعرف كيف فتح الموضوع أظن أني نصحته بلبس الشماغ لأنه أسهل وأقل رسمية ويجلس على رأسك أكثر من ثلاثة أيام مما يوفر عليك غسيل وكوي. ولم أقل له أن الشماغ هو جينز السعوديين خشيت ألا يفهم. بعد أن تركني أنتهي من عرض مميزات الشماغ قال: خلصت عاد. قلت نعم. عندها قال: والله لو أموت ما خليت ابن فلان يلعب عليَّ. ذكر اسماً محدداً لا داعي لذكره. فقلت وش دخل ابن فلان في لبسك الشماغ. فقال: هذا لعب عليكم تبيه يلعب عليَّ. ثم استطرد قائلاً: سافر ابن فلان في احدى السنوات البعيدة الى البحرين ومكث هناك ثلاثة أشهر ورجع ومعه بالات من الأقمشة الانجليزية صوف وقطن وغيرها. الرجال كان غشيماً في التجارة فجاب معه كراتين مليانة قماش مرنقط بالأحمر مساحتها متر في متر. حرج عليها في كل مكان ما لقي من يشتريها منه. فكر في بداية الأمر في تحويلها الى ملابس داخلية ولكن الناس نصحته فلا يمكن أن تجد سعودياً عنده استعداد يلبس سروالاً أحمر. أقلع عن الفكرة بعد أن فكر في بيعها كما هي غطاء طاولات طعام. ذهب الى شلقا «حي من أحياء الرياض القديمة يسكنه بعض الاخوة من دولة خليجية» وطلب منهم تصميم طاولات طعام تناسب الذوق المحلي. وهي سطح معدني يقف على أربع أرجل من خشب. طلب منهم انتاج خمس عشرة طاولة في البداية حتى يختبر السوق. حرج على طاولات في حراج ابن قاسم وبعد عدة أيام باع أكثرها ولكن تبين بعد فترة ان الناس لم تستخدمها كطاولة طعام لسبب بسيط أن طاولة الطعام تتطلب كراسي. ولكنها أفادت الناس في المطبخ حيث تصف عليها ربة البيت مواعينها بعد غسلها. فازدهرت صناعة الطاولات عند أهل شلقا. وبعد فترة وجيزة غزت كل بيوت الرياض بعد ان ادخل عليها بعض التحسينات وسميت بعد ذلك نملية. بعد ان أخذ اليأس يدب في قلب ابن فلان من بضاعته الكاسدة شاهد بالمصادفة رجلاً عراقياً أو خليجياً يجول في احدى الأسواق يلبس شماغاً أسود أو شهباء مثل شماغ ياسر عرفات. الفرق بينها وبين بضاعته يكمن في اللون فقط. ضربت معه الفكرة. بعد عدة أسابيع أخذ بعض الشباب يلبسونها على رؤوسهم بكل اعتزاز فثارت ثائرة كبار السن بتحريض من حراس الأزمنة المنتهية وراحوا يطاردون الشباب وينتزعونها من فوق رؤوسهم بدعوى أنها تشبه بالكفار والأجانب. دارت الأيام لتصبح من عاداتنا وتقاليدنا وشعاراً رسمياً لحراس الأزمنة المنتهية أنفسهم.

فاكس: 4702164

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved