Saturday 31th may,2003 11202العدد السبت 30 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آتً لما هو آتً
التجديف إلى غير مرسى
خيرية السقاف

من الصديقات العزيزات طبيبة نفسانية تزداد رهقاً نفسياً إلى رهافها كلَّما قابلت حالات متفاوتة، من مشكلات الناس، التي في الغالب ما تصل عنها معي إلى علاج نافع وهو التَّوكل على اللَّه تعالى في دفع البلاء، والاعتماد عليه تعالى في إبراء الداء، واللُّجوء إليه عن اللُّجوء إلى الإنسان، والثقة في أنَّ كلَّ لحظة تعبر بالإنسان إنَّما هي خطوة له للمغادرة، فلا تحتمل الحياة، ويجب ألاَّ يبذل لها الإنسان ما يقضي على راحته النفسية، أو استقراره الذهني أو يقدم لها صحتَّه الداخلية، فذهنه وحسه ووجدانه إن عمل على شفائها بما عند اللَّه كفاه اللَّه أمراض ما في هذه الحياة ممَّا تجده صديقتي العامل الأول والأخير في هذه الأمراض التي تواجهها فهي لا تخرج بأسبابها عن نطاق الإنسان، وأمور الدنيا، وطموحات العيش فيها. فالصبَّر على الإنسان بلاشك يؤدي إلى أرفع أنواع الأجر، والزهد فيما في الحياة يكوِّن الرصيد الأكبر فيما هو عند اللَّه تعالى. والعملية في النهاية هي إمَّا صحة دائمة في الآخرة، أو علَّة مستديمة في الدنيا.
هذه الصديقة من ضمن ما تواجهه من ظاهرة بين الناس هو ظاهرة النسيان.. وقد يصل عند الإنسان إلى الذهول، وقد يصل إلى أن يفقد الإنسان قدرته على التعايش مع الآخر، ومع عدم قدرتي في الخوض فيما هو ضمن المعالجات «الطبية» الدقيقة فإنَّني أرى أنَّ «الكمية» التي تتلقاها ذاكرة الإنسان من وعن كلِّ ما حوله من المعلومات والأخبار، والأوجه، والمواقف، والكلام.. والمتطلبات.. هو العامل الأساس للنسيان في حياة الإنسان التي أصبحت كالمرجل، فبينما كان الإنسان يعرف من الناس ما لا يتخطى عدد المائة إن كان سيد قوم عليه مواجهتهم، أو ربَّ أسر متداخلة.. أو حتى معلما أو رئيس دائرة، ومن عدد ساعات عمل تتداخلها ساعات قيلولة وراحة وترويح مع الأهل والصغار إلى ساعات عمل حتى في لحظات الراحة لا يفتأ العقل عن التفكير، ومن مساحة تتاخم فيها البيوت ويعرف فيها الإنسان جاره وقريبه وعدد بيوت حارته وعدد شوارعها إلى مدن في داخل مدينة واحدة، ومن وسيلة اتصال واحدة هي ظهر الدَّابة تحمله لمسافة يتخطاها اليوم في جزئية من الساعة بينما كانت تستغرق منها ساعات وأيام إلى هذا الكم المذهل من وسائل الاتصال، ومن المواجهة عند اللقاء ينتقل فيها المرء بقدميه أو دابته إلى هذه الوسائل الهاتفية المتفاوتة في السرعة ينتقل فيها المرء بقدميه أو دابته إلى هذه الوسائل الهاتفية المتفاوتة في السرعة والتأثير «الكهرومغناطيسي» إلى الشاشات اللَّيزرية إلى الطائرات إلى.. وإلى..، ومن مجموعة من الكتب «أكبرها» وأجلُّها القرآن الكريم إلى هذه المكتبات التي لا يستوعبها الوقت فكيف الذهن والعقل بكلّ وسائلها وأشكالها وأحجامها ومحتوياتها. ومن العمل الذي في كثيره جهداً مراجعة الوارد من بضاعة حانوتات صغيرة إلى مراجعة أرصدة تأخذ في الزيادة والتشَّعب في الاستثمار.. و.. من مرض يعالَج بتلاوة من القرآن يسيرة بنيَّة صادقة وإيمان مطلق، أو بعض أنواع قليلة من المعالجات إلى هذه المصحات التي تزخر بأنماط من الأمراض ليس للمرء عهد بها ولهذه الأدوية التي يحار فيها حتى النطاسيين والصيادلة..
فكيف لا تهترئ الذاكرة
وتكتظ، وتمرض، وتتعطل؟
حزني عليك صديقتي أنَّكِ تجدفين في غير مرسى.
فاللَّهم أكفنا شرَّ هذه الدنيا.. وأخرجنا منها بسلام.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved