|
|
الخمر داء عضال وبلاء جسيم وموت بطيء وكبيرة عظيمة. ولقد شرف الله الإنسان بالعقل والتمييز. والخمر يغتال العقل ويقضي على التمييز. ولم يخاطب الله من عباده إلا العقلاء. وقد حرم الله على نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم في الجاهلية والإسلام الخمر. ولقد حدثنا القرآن صراحة عن تحريم الخمر في قوله تعالى {يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} فالشيطان عدو عنيد للإسلام وأهله وخصم شديد وحانق مغتاظ وحائر موتور فقد زين للإنسان كل معصية وأوقعه في كل خطيئة وجره إلى كل جريمة فهو الذي زين له الخمر والميسر (القمار) والمخدرات وكل كبيرة ونقيصة وهو الذي زين له الكفر والشرك ولذلك أمرنا الله بمخالفته بعد ان بين لنا في كتابه العظيم ما بيننا وبينه من عداوة أزلية وخصومة أبدية ونزاع مستحكم لايزول بزوال السنين والأيام {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير} فها هو ذا القرآن ينبهنا عن أعظم شباك من شباكه وأقوى شرك من شراكه وأفتك سلاح من أسلحته ألا وهو الخمر الزميم وذلك الرجس النجس الذي يبعد الإنسان عن السعادة والهناء ويوقعه في كل بؤس وشقاء إذ حرمه من عقله وهو أكبر نعمة أنعمها الله عليه فالعقل رفع الإنسان عن درجة الحيوانات والوحوش به كان الإنسان زعيماً لكل هذه الكائنات وبه كان الإنسان موضع عناية الله فبعث إليه رسله وأنزل عليه كتبه واستخلفه في أرضه واستحفظه ملائكته ورضي له دينه وحمله أمانته وكلفه طاعته وعلمه ذكره واستودعه سره وخصه بتكريمه وتعظيمه وفضله على كثير من خلقه فأعزه وسخر له ملكه بما فيه {وسخر لكم مافي السموات وما في الارض جميعا منه ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون} بالعقل أصبح الإنسان زعيم الدنيا والآخرة أيضا لأن الله لا يثيب إلا العقلاء ولا يتجلى إلا لهم ولا يكرم إلا هم فلهم خلي الجنة بما فيها من نعيم مقيم ولهم كشف الله الملكوت عما فيه من عجائب لذا جعل الكفار يقرعون أسنانهم من الندم وهذا هو الذي جعلهم يعضون من الغيظ أناملهم بل هذا هو الذي جعلهم يندبون حظهم ويؤنبون أنفهسم والعقل بعد هذا وذاك هو أبو الحضارة وزعيم المدنية والتقدم والعمران فقد آخى بين المشرق والمغرب وربط بين البعيد والقريب فالعقل هو الذي اخترع الطائرة والقطار والصواريخ عابرة القارات والأقمار الصناعية والهاتف والتلفاز وهو الذي أسس البرق والمذياع وهو الذي اكتشف (البنج) والكهرباء فالعقل هو الملك الحقيقي وسلطان كل شيء في الحياة والمال من جنوده وهو أعظم شيء في الدنيا فهو عصب الحياة والعلم من رواده وهو أفضل شيء في الكون والبصر من خدمه وهو أعز عضو في الإنسان. فالعقل هو الذي أخرج شيخ العلماء أبا حنيفة النعمان من درجة التجار المتجولين إلى قمة الأئمة المجتهدين في العلوم الإسلامية وهو الذي سما بماركوني من درجة الفقراء الخاملين إلى درجة العظماء المخترعين وجعل اسمه يجلجل في الآفاق حتى ملأ رنينه البقاع والاصقاع. والعقل بعد ذلك كله هو الحارس الأمين والقائد البصير فهو أجل نعمة وأعظم منة وأفضل عطاء الله للإنسان فبقدر عقل الإنسان تكون محاسنه ومزاياه فهذه مكانة العقل من ملك الله وملكوته وهذا هو العقل الذي عرف الشيطان قيمته ومكانته من الإنسان فأراد ان يدمره بالخمرة السامة التي ذمها الله في كل دين ولعن شاربها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه في كل كتاب أنزل لأنها مضرة بالعقل والجسم معاً فهي تصيب المعدة بالقرحة وتعطل الكبد وتضعف صمامات القلب وتحدث الشلل في المخ واحتقان الأوردة وتصلب الشرايين وتؤثر على مراكز الأعصاب وتهبط بالإنسان إلى درجة البهائم العجماوات فيصبح ضعيف الشخصية معتوه العقل جبان الإرادة مسلوب الشرف ساقط المروءة فاقد الدين معدوم الحياء لايفكر في أهل ولا ولد ولا يحتفظ بمال ولا عمل ولايغار على دين أو عرض لأن الخمر قد أنسته كل شيء حتى نفسه وأفقدته العقل والإحساس بكل شيء حتى بوجوده إذ أماتت فيه الغيرة على كل شيء حتى عرضه وشرفه: |
![]()
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |