Saturday 7th june,2003 11209العدد السبت 7 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
عروة بن الزبير
بقلم عبدالرحمن صالح العشماوي

ورد هذا الاسم الجميل في مقالة سابقة في هذه الزاوية عن الهمم العالية، وهاتفني عدد من الاخوة والاخوات يبدون اعجابهم بصاحب الامنية العظمى «ان يدخله الله الجنة» عروة بن الزبير، ويسألون عن اخباره، وليس عروة برجل «غُفْلٍ» فهو ملء سمع التاريخ وبصره. كان عروة مضرب المثل في خشوعه، وكمال صلاته، وحرصه على ترتيب حياته على اوقات الصلوات. كان صاحب بساتين كثيرة، وثروة مالية جيدة، وتجارة عريضة، ومع ذلك فقد كان يسابق المؤذن الى المسجد، وكان اذا استغرق في صلاته نسي كل مايدور حوله، لأنه يغيب عن العالم المحسوس محلقاً في آفاق الصلاة الرحبة، وكانت النتيجة حياة مستقرة كل الاستقرار، وبركة، ومالاً وبنين، وحدائق وبساتين، ولأنه صاحب صلاة وخشوع، واخبات لله وخضوع، فقد كان من كبار المتصدقين المنفقين، كان يطعم اهل مكة من فواكه بساتينه، قبل ان يشبع منها هو وأهله، وما كان على نفسه وأهله بخيلاً مقتراً، بل كان منفقاً معطياً. كان عروة رجلاً اجتماعياً منتجاً جاداً نافعاً للناس، بشوشاً حسن الخلق، لم يمنعه ورعه، وخشوعه من غرس السعادة في قلوب الناس من حوله، كانت بسمته تسبقه الى كل من يقابله. كان رحمه الله ذا قلب فارغ من الدنيا وحبها، مع ان يده كانت مليئة منها، كل امواله وبساتينه كانت تتلاشى وتغيب عن عينيه وقلبه حينما يرفع يديه بتكبيرة الاحرام، لأنه يدخل بذلك الى عالم الصلاة الفسيح، اما اذا سجد، ولامست جبهته الارض، فإنه عند ذلك يكون قد انتقل الى عالم آخر، عالم الاتصال برب العباد. ولعروة بن الزبير مع السجود قصة، ومع اليقين والرضا بقضاء الله سبحانه وتعالى حكاية وأية حكاية. رحل عروة من مكة الى الشام بدعوة من الخليفة، وكان الخليفة حريصاً كل الحرص على اسعاد ضيفه، واكرامه، اعد له سكناً جميلاً، ومراكب وثيرة، وبرنامجاً حافلاً بالأُنْس، والمسامرات النافعة، والترويح المباح، وكان أحبُّ ابنائه اليه واصغرهم سناً في صحبته، وذات يوم كان مع الخليفة وابنه الصغير الحبيب الى نفسه يجلسون في شرفة مطلة على اسطبل الخيل، وكان ابنه الصغير محباً للخيل، ونزل السائس بالابن الى الاسطبل بأمر من الخليفة، ورغبة من عروة، وهناك اقترب الصغير في نشوة وفرح من فرس نافرة غير مروضة فرمحته بحافرها في جبهته فمات، نزل الخبر نزول الصاعقة على الخليفة، وبكى وهو يردّد: لا حول ولا قوة إلا بالله، اشقينا ضيفنا من حيث اردنا ان نسعده، وتفطر قلب عروة حزناً، ولكنه كان يردِّد: لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم اجرني في مصيبتي وعوضني خيراً، اللهم ان كنت اخذت فقد اعطيت، وكان في الصلاة من الراحة ماخفّف الاحزان. ومرَّت الايام، وعروةُ يصبرِّ الخليفة على ماجرى ويهوِّن عليه الأمر، وأحسَّ عروة بألم شديد في إحدى رجليه، ولما تجاوز الألم حدَّه، أخبر الخليفة، فدعا له الطبيب وطلب منه المبالغة في العناية بضيفه العزيز «عروة». وفق الطبيب امام الخليفة بعد أيَّام مضطرباً حزيناً وقال له: الامر يا أمير المؤمنين أعظم من ان يخفى، لقد تمكَّنت الآكلة من رجل عروة ولا مناص من بترها. كان ألم الخليفة لهذا الخبر «الصاعقة» فوق الاحتمال، ولكنَّ عروة بن الزبير رحمه الله ، كان اوسع صدراً منه، فما كاد يعلم بالأمر، حتى رفع بصره الى السماء، مبتهلاً الى ربه شاكراً حامداً، راضياً بقضائه العادل. قالوا له، لابد ان نسقيك الخمر حتى يغيب وعيك حينما تُقطع رجلك، ولم يكن للطب آنذاك الوسائل الموجودة الآن. ونظر عروة اليهم مبتسماً قائلاً: ماشربتها من قبل، ولن اشربها أبداً، ولكن اذا كان ولابد فدعوني اصلي، فإذا استغرقت في سجودي ومناجاتي لربي فافعلوا بها ماتشاؤون. وحلّّق عروة في آفاق الروح حين وضع جبهته على الارض ساجداً لله، وقطعوا رجله، واخذ بعد ذلك يردّد: اللهم لك الحمد ولك الشكر لئن اخذت رجلاً فلقد ابقيت اكثر
مما اخذت هكذا كان عروة مثالاً للمسلم العامل المخلص النافع للناس المحبّ لهم، التقي الصالح.
إشارة


لايستوي في العالمين من اقتفى
اثر الكرام الراشدين ومن غوى

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved