Sunday 8th june,2003 11210العدد الأحد 8 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حي على «الصلاة».. حي على «الفلاح»..؟! حي على «الصلاة».. حي على «الفلاح»..؟!
حماد السالمي

* كان صباحاً جميلاً من يوم الجمعة، ذات جمعة من جمعات أربع، أعقبت التفجيرات الإرهابية في العاصمة الرياض.
* منذ وقت مبكر في صبيحة هذا اليوم، مشيت إلى واحد من الجوامع المحيطة بحينا الجميل الهادئ، وانتظرت مع المنتظرين، حتى دخل علينا خطيب الجامع، فارتفع الأذان، وبعده استلم الخطيب زمام«المايكرفون»،فخطب فينا خطبتين لم أجد أروع ولا أبدع منهما ألبتة..!
* لقد تناول في خطبتيه الطويلتين، هذا الحدث الجلل الذي استهدف المدنيين والآمنين في المجمعات السكنية، ووصفه بأنه عمل جبان من فعل فئة ضالة منحرفة، لا تمثل المجتمع السعودي المسلم الأبي، عوضاً عن أن تمثل الإسلام الذي تدعيه، ثم حذر الناس من غواية مثل هؤلاء، ومن أخطار الذين يفتون لهم وينظّرون، ونبههم إلى خطر دعاواهم الباطلة، التي تتلبس بالدين، وتسعى إلى بث الفتنة والفرقة بين الناس أجمعين.
* لم أكتف بخطبة واحدة، في جامع واحد، بل خليت هذا الخطيب الهمام، وسارعت إلى جامع آخر، وخطيب آخر، وعندما أخذت مكاني في طرف صف من الجالسين، شاهدت خطيباً يصف ما يأتيه بعض المحسوبين على المسلمين، وعلى أبناء هذا البلد الآمن بالذات، بأنه من فعل الخوارج، الذين عرف عنهم الفهم الخاطئ للنصوص الدينية، وكانوا منذ القرن الهجري الأول، يشتغلون بتكفير الحكام، وتفسيق المحكومين، واستحلال دماء الأبرياء، وتخريب الممتلكات، وهم يظنون بزعمهم هذا، أنهم يتقربون إلى الله زلفى، وزاد هذا الخطيب المفوه، أن ضرب أمثلة على جرائم وفظائع ارتكبها الخوارج ضد المسلمين عبر التاريخ، وحذر الناس من شرورهم، أو تصديق ما يروجون له من أقاويل وأكاذيب، هدفها التشويش على الناس، وتكريه بعضهم في بعض، بهدف السيطرة عليهم، واستلاب أموالهم، والتعدي على أعراضهم.
* لقد هزني هذا الخطيب، بما أبداه من فهم وتفهم للحوادث، ومعايشته لأوضاع أمته، وحرصه على أمن بلده.. لذلك أردت أن أستمع إلى خطيب آخر، في جامع آخر، لأرى وأسمع المزيد من الرسائل المهمة، التي يضطلع بها منبر الجمعة في بلادي.. فماذا وجدت..؟ وماذا سمعت..؟
* في جامع ثالث، أدركت خطبة ثالثة لخطيب آخر، سرني بعده عن «تغريب» الخطبة، والتفاته بالكلية إلى الداخل، فقد بدا وهو أحرص الناس على وحدة هذا الكيان العظيم، وحفظ أمنه وسعادة مجتمعه، فهو الذي لفت الانتباه إلى جملة من الظواهر التي تعتور هذا الجيل، ومنها ظاهرة التزمت البغيض، والتشدد المقيت ومن ذلك كذلك، التتلمذ على أشرطة الكاسيت، والركون إلى ما في كتيبات أنصاف المتعلمين، الذين راحوا ينظّرون ويفتون في كل شأن من شؤون الحياة، حتى السياسية والعسكرية منها، دون الرجوع إلى كبار العلماء المعتبرين والمعتمدين في هذه البلاد، فتسببوا بقصد أو بدون قصد، في إغواء كثير من الشباب الغض الذي لا تجربة له ولا خبرة، ومن الشواهد على ذلك، ما رأينا من شباب صغار، يرمون بأنفسهم في المهالك، ويقدمون أرواحهم ودماءهم، إرضاء لمتبوع مضلل، وعدهم بجنات النعيم في يوم الدين، وهو الذي لا يضمنها لنفسه..!
* لقد كانت خطبة رائعة، تفسر مجاهل كثير من السلوكيات العامة بين الشباب، وتبني في جدار الوطن الذي نعمل جميعاً من أجل عزته ورفعته وسؤدده، بعيداً عن كل التقلبات والزوبعات في هذاالكون.
* ثم إني غادرت هذا الجامع على عجل، لأدخل جامعاً رابعاً في طرف الحي، فما إن دخلت، حتى وجدت كل الناس مشدودين إلى خطيب بليغ- ما شاء الله- راح يعالج مشاكل حياتية للناس، منها السلوك المروري اليومي، الذي لا يتسم كله مع تعليمات وجهود رجال المرور في المملكة، وانتشار السرقات، وكثرة المخدرات، وما يتسبب في ذلك، من تفكك أسري، وبعد عن الثوابت، واستهتار بالقيم، وتنكر للأخلاق، وجهل بالشمائل.. ثم ناقش بروية وتعقل وتبصر، مسألة أمنية في غاية الأهمية، هي موقف المجتمع من السلامة العامة، وما يجب أن يتخذه كل مواطن، من موقف إيجابي مع جهود رجال الأمن، وخاصة ما يتعلق منها، بالتحري والبحث، عن القتلة والمجرمين والإرهابيين، وذلك بالترصد لهم، وعدم اسكانهم أو ايوائهم أو التستر عليهم، والإبلاغ فوراً عن كل ظاهرة غير طبيعية، يراها الفرد أو يحس بها في حيه أو مدينته.. حقيقة.. لقد رددت بيني وبين نفسي، عبارات الثناء على هذا الخطيب وقلت: شكراً له، هكذا تكون رسالة المسجد، وهذا هو الدور المطلوب من منابرنا في كل يوم جمعة، فلا تكفير أو تنفير، ولا تفسيق، ولا علمنة أو زندقة لأحد من أهل الدين، بل تبشير وتحبيب وتواد.
* قبل أن يختم الخطيب خطبته تلك، ركبت قدمي إلى جامع خامس، دخلت والناس بين جالس وواقف، ينتظر مكاناً شاغراً لجلوسه، وهم يستمعون لخطيب يتحدث إليهم بما يفهمون، وما يشعرون ويحسون، وينطلق في كلامه من واقع همومهم اليومية في حيهم ومدينتهم، لم أسمعه يثني على «مجاهدين»، يتحزمون بالقنابل، ينتحرون فيقتلون النساء والأطفال والشيوخ، ويدمرون الممتلكات، ويخربون الدور العامرات، بل سمعته يدعو لإمامنا إمام المسلمين، في بلدنا هذا، بلد الخير.. يدعو له بالنصر، وبالبطانة الصالحة، ويطلب من الله جلت قدرته، أن ينصر دولتنا الفتية، على أعدائها من المفتنين الشريرين، الذين يريدون بها سوءاً بما يقولون وما يفعلون، ودعا الله سبحانه وتعالى، أن يديم علينا جميعاً نعمة الأمن والرخاء، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين، وسمو نائبه، وحكومتهما الرشيدة، إلى ما فيه صلاح وفلاح الوطن والمواطنين، ونصرة الإسلام والمسلمين.
* ما إن أنهى هذا الخطيب خطبته الجميلة، حتى رأيته ينزل عن المنبر ليصلي بالناس.. ولكني سمعت المؤذن يردد قائلاً:
* حي على الصلاة.
* حي على الصلاة.
* حي على الفلاح.
* حي على الفلاح.
* الصلاة خير من النوم.
* الصلاة خير من النوم..!!
* وفجأة.. انتبهت إلى نفسي، فإذا أنا قد استويت جالساً على طرف سريري، أفرك عيني، وإذا مؤذن الصلاة، من يوم جمعتي تلك، يختم آذان الفجر..!!
* اللهم اجعله خيراً، في كل يوم جمعة، وفي كل يوم.

027361552fax:

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved