Thursday 12th june,2003 11214العدد الخميس 12 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بصراحة بصراحة
عانس... ولا ضرة...
لبنى وجدي الطحلاوي

أعرف أني سأخوض في أمور وقضايا تثير الكثير من الحساسيات... لكن لابد من طرحها، لأنها على درجة كبيرة من الأهمية، لإيجاد الحلول المنطقية لها وللحد منها أيضاً..
كما أدرك خلفيات تلك القضايا إلى حد بعيد، ربما لأني اخصائية نفسية قبل ان أكون كاتبة، وربما لأني ابنة هذا المجتمع أعيش مشكلاته وهمومه وأتفاعل معها أيضاً ولا يمكنني الانفصال عن ذلك.
يقوم البعض بطريقة أو بأخرى بتشويه صورة المرأة السعودية أمام العالم، كما يظهرها البعض الآخر بأن طموحها كله محصور في الخروج من العنوسة ويقبلن بأي حلول كانت للتخلص من ذلك... وأنهن لا عقل لهن ولا رأي ولا إرادة ولا طموح ولا شخصية مستقلة... وذلك أبعد ما يكون عن واقع المرأة السعودية.
والإسلام جاء بأعظم رسالة إنسانية عرفتها البشرية في تاريخها، يكفل حقوق الإنسان في أرقى الصور التي تكفل له تلك الحقوق وتصون كرامته، منقذاً للبشرية وناصراً ومعززاً ومكرماً للمرأة، لأنه خصها بأمور ومميزات رفعت من قدرها ومن مكانتها بالشيء الكثير، وجعلتها تحاط بكثير من العفة والحشمة والاحترام، جعلتها باختصار (الجوهرة المكنون في المجتمع المسلم)، وأعطى الإسلام للمرأة المسلمة الكثير من الحقوق، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أعطاها حق الإرث والتجارة والولاية والوصاية والجوار... وغيرها من الحقوق العظيمة منذ أكثر من 1400 سنة، وتحضرني قصة أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، عندما أجارت رجلاً كافراً وكان ذلك في صدر الإسلام وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلم أخوها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بذلك، فحمل سيفه ليقتل ذلك الكافر، فتصدت له أم هانئ قائلة له أنه في جوارها، فقال لها علي، أنه كافر ويريد ان يقتص منه، فطالبته ان يحتكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر، فعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمر فقال «لقد أجرنا من أجرت يا أم هانئ» احتراماً وتقديراً لوعد وكلمة تلك المسلمة، لرجل في جوارها، حتى لو كان كافراً، وتحقيقاً لرغبتها، وذلك ان دل على شيء فإنما يدل على علو منزلة ومكانة المرأة المسلمة في الإسلام وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا..
ومن شروط الزواج الإسلامي الشرعي (الإشهار والإعلان)، وان تكون المرأة غير مكرهة على الزوج.. ولابد ان يقدم لها الرجل مهراً شرعياً، والإسلام أعطى المسلمة حق المخالعة ان كرهت العيش في كنف زوج لا ترغبه، وذلك أمر شرعي يطبق في محاكمنا الشرعية والآن بعض الدول العربية لجأت له ولتطبيقه في محاكمها لنصرة المرأة المسلمة وإعطائها بعضاً من حقوقها الضائعة التي كفلها لها الإسلام منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، ومثال على ذلك ما أقدمت عليه مصر مؤخرا من تطبيق هذا الأمر الشرعي في محاكمها.
وفيما يتعلق بالزواج الإسلامي الشرعي، فالزواج لم ينطلق من قاعدة التعدد.. أي لا يعتبر التعدد هو القاعدة التي يجب ان ينطلق منها الزواج الإسلامي بل التعدد هو الاستثناء والله أعطى المسلم البصيرة ليتبين أمره، فبالتأكيد ليس كل رجل قادر على التعدد، والتقيد والالتزام، بالشروط الشرعية لذلك وتطبيقها، كما أمر الله سبحانه وتعالى وبما يرضي الله، فيظلم نفسه ويظلم زوجاته.. والطلاق أيضا ليس القاعدة التي يؤخذ بها لتكون خاتمة لكل زواج إسلامي بل هو الاستثناء وأبغض الحلال عند الله، ولذلك هناك شروط للالتزام بها في حالة التعدد من أهمها (العدل والمساواة في المعاملة والإنفاق على الزوجات)، كما الطلاق أيضا لابد ان تكون هناك أسباب توجب الطلاق وهناك شروط أيضاً والتزامات وواجبات لابد ان يلتزم بها الرجل المسلم ويقوم بها (من نفقة ومؤخر.. وغيرها) وإلا تحمَّل ذنباً عظيماً يحاسب عليه في آخرته، (نحن لا نستطيع ان نُحرِّم أمرا أحله الله، لكننا لا نستطيع أيضا إغفال الشروط والضوابط الشرعية التي وضعها الإسلام بشكل واضح وصريح، للتقيد بها في ذلك أولا..) التي يتغاضى عنها الكثيرون في حالات التعدد أو الطلاق فيلحقوا الضرر والأذى بالمرأة.. ويتحملون إثماً كبيرا على ذلك..
وهناك دول عربية إسلامية مثل (تونس) تمنع التعدد في دستورها إلى حد عقوبة السجن للرجل الذي يثبت أنه يجمع في زواجه أكثر من امرأة، معتبرة أنه نادرا ما يتحقق العدل والإنصاف في ذلك ومن ثم هناك ظلم (حسب اجتهادهم) سيقع على إحداهما وان تلك الشروط من العدالة والإنصاف ومن الصعب التقيد والالتزام بها من قبل الرجل ومع أني ضد التعدد ما لم تكن هناك ضرورة وأسباب لذلك إلا أني أجد ان منع التعدد بالشكل المطلق إلى حد العقوبة هو مغالاة ومخالفة لشرع الله وفيه ظلم كبير للمرأة والرجل أيضاً، ففي بعض الظروف، في حال كان الزوج مضطراً للزواج من امرأة أخرى لأن زوجته مريضة أو غير قادرة على الإنجاب، ففي دولة مثل تونس سيجبر على تطابق زوجته الأولى حتى ان كانت متفهمة للظروف والدوافع ومتقبلة للأمر، وهذا أيضاً غير عادل لأنه قد تكون تلك الزوجة الأولى كبرت في العمر ولا يوجد من يعولها ويرعاها فهي لا أبناء لديها، بينما استمرارها في كنف رجل يرعاها ويوفر لها احتياجاتها يعد أمراً إنسانياً وحيوياً، وقد تكون هناك عشرة طويلة من الصعب الانفصال عنها والتضحية بها، وهنا يكون الرجل مخيراً بين أمرين كلاهما مر ولا ثالث لهما، إما تطليق تلك الزوجة الأولى ليستطيع الزواج من ثانية أو الاستمرار مع الزوجة الأولى وحرمانه من الحياة الزوجية الطبيعية، إن كانت مريضة، أو حرمانه من الأبناء مدى الحياة إن كانت عاقراً.
إن الإسلام جاء رؤوفا رحيما بالعباد، ولذلك فالتعدد في الإسلام هو لحل موقف إنساني كي لا تظلم المرأة ولا يظلم الرجل أيضا، ولكن البعض حوّلَ الأمر إلى نوع من المغالاة والاستخفاف بالمرأة، وذلك أبعد مايكون عن الهدف السامي والإنساني العظيم للغاية من التعدد.
فبدأنا نقرأ هنا وهناك عن الدعوات المتكررة للتعدد بحجة القضاء على العنوسة.. للتعدد أصول وضوابط شرعية يجب الالتزام والتقيد بها أولا، والأمر لا يسمح بالمزاح ولا بالاستخفاف بالمرأة السعودية عبر صفحات الجرائد وان نجد ذلك ممن وضعوا ضمن شريحة المثقفين، فماذا ننتظر من غير المثقفين كيف ستكون نظرتهم وتقييمهم للمرأة؟.
وأريد ان أعلن هنا على الملأ حقيقة مرة، مفادها ان القضية الحقيقية الجديرة بالاهتمام والتناول والمغيبة تماما هي (الطلاق) لا العنوسة، وإليكم آخر الاحصائيات الدقيقة والموثقة من المحاكم الشرعية ومن المأذونين بالمملكة، وأبدأ بالعاصمة الرياض التي تحتل قمة القائمة والمركز الأول في تسجيل حالات الطلاق، (12863) عقد زواج منها (2314) عقدا بواسطة المحاكم، و(10549) عقدا بواسطة المأذون إلى جانب (4528) صك طلاق، أما المنطقة الغربية تحتل المركز الثاني وتنافس بجدارة على المركز الأول، فمنطقة مكة المكرمة بلغ عدد عقود الزواج (19963) عقداً منهم (5432) بواسطة المحاكم و (14531) عن طريق المأذون في مقابل (4459) صك طلاق .. وفي المدينة المنورة بلغ عدد العقود (5878) عقد زواج منها (702) بواسطة المحاكم و (5176) بواسطة المأذون في مقابل (1083) صك طلاق، وفي المنطقة الشرقية (4547) عقد زواج منها (753) عن طريق المحاكم و (3794) عقدا عن طريق المأذون، في مقابل (1387) صك طلاق... إلى آخره من الاحصائيات التي تؤكد حجم تلك المشكلة في مناطق المملكة كافة التي هي أبغض الحلال عند الله...تعتبر غائبة ومغيبة تماما ولم تأخذ حقها في التناول ومن أهل الاختصاص مثل الاخصائيين الاجتماعيين والاخصائيين النفسيين والباحثين.. وأريد ان أطرح أسئلة جوهرية على من يضخمون قضية العنوسة ما مدى دقة ومصداقية الأرقام التي تطرح أولا؟ وعلى أي أساس توضع هذه الأرقام؟ وماهي الفئة العمرية التي تحدد تبعا لها العنوسة وهل أخذ في الاعتبار ارتفاع سن الزواج في العالم أجمع؟ وهل زواج طرح من هذه النسبة وربما ان هذه الزيجات لم تسجل رسمياً في المحاكم؟ لأن من تصل به الأنانية ذروتها ويجبن فيتزوج في السر قادر على ان يحين في تسجيل ذلك في المحاكم الشرعية.
لقد نشرت دراسة احصائية ميدانية في الجزيرة بتاريخ 9 مايو 2003م قام بها قسم الخدمات الاجتماعية بمستشفى الملك فهد بجدة عن الزواج (المسيار) وجاءت البيانات كالتالي ان 88% من المواطنين يؤكدون على خطورة وسلبيات ذلك و 3 ،79% لايقتنعون به على الاطلاق 80% يؤكدون ان أغلب الرجال الذين يقدمون على ذلك لديهم زوجة أولى وأطفال وان هناك أثراً نفسياً يتركه هذا الزواج على المرأة لأن الرجل غير مسؤول عنها وأنه زواج ينقصه البناء والترابط الأسري ومحكوم بظروف سلبية جميعها تصب على المرأة ذاتها لتنازلها عن جزء كبير من حقوقها.
والمسلمة ليس طموحها في ان تتخلص من العنوسة بأي حلول كانت وأكبر دليل على ذلك ان هناك الكثير من قضايا المخالعة في المحاكم لنساء يطالبن بالانفصال عن أزواجهن لسوء المعاملة وسوء المعاشرة ولو كان كل طموح المرأة في الخروج من العنوسة لما كان في بلادنا طبيبات ولا معلمات ولا صحفيات ولا كاتبات ولا إعلاميات ولا سيدات أعمال ولا نساء يعملن في التعليم والهيئات والمؤسسات المختلفة.. إلى آخره من تلك النماذج المشرفة ولاكتفت كل منهن بالزواج وتركت خدمة بلادها ووطنها، إن دور المرأة المسلمة داخل أسرتها وفي تنشئة وتوجيه وتربية الأبناء رسالتها الأولى ولاشك في ذلك ونجاحها في هذه الرسالة مطلب أول، لكن هذا ليس كل طموح المرأة المسلمة وإلا لما كان لدينا كما ذكرت سابقا تلك النماذج المشرفة من المتعلمات والمثقفات ولما كانت إنجازات الطفرة من نهوض وتنمية تحققت على هذا النحو في بلادنا التي شهد لها العالم بأنها كانت إنجازات غير مسبوقة والمرأة كانت قاسماً مشتركاً فيما تحقق لكونها نصف هذا المجتمع وأهم قطاع يشهد على ذلك قطاع التعليم وإلا لما كنا وجدنا من تعلمنا في المدارس والجامعات في بلادنا على أقل تقدير...
لن نقضي على العنوسة المزعومة، بدعوات التعدد... ولا بالزيجات المسماة (المسيار)...
لا يمكن ان نضع حلولا خاطئة تنذر بهدم الأسر وتهدد سعادة البيوت الزوجية الآمنة وتؤدي إلى المزيد من الارتفاع في معدلات الطلاق وتفجر لنا قضايا ومشكلات أخرى في المجتمع لا حصر لها.. من أجل القضاء على مشكلة هي في الأساس خاضعة لتضخيم كبير ومبالغ فيه..
وكيف يطالب البعض (بالتعدد) لحل مشكلة العنوسة وهم يرجئون أسباب العنوسة لغلاء المهور وارتفاع مستوى المعيشة؟ فهل ستكون الزوجات الجدد (ببلاش) (فوق البيعة) لا مهر لهن ولا منزل ولا متطلبات للحياة المعيشية والحياة الزوجية الجديدة؟ ما هذه الحلول التي تستخف بقدر المرأة ومكانتها وتتناقض تماما مع ما يتم ذكره من أسباب للعنوسة ومعوقات أمام الشباب للزواج ؟ لماذا تترك القضية الأهم والمشكلة الفعلية التي تهدد المجتمع بالانهيار وتفكك الأسر وتهدد الأطفال بالضياع وهي الارتفاع الرهيب في معدلات الطلاق.. وعندما نتكلم في هذا الأمر فنحن نطرح احصائيات رسمية دقيقة وموثقة.
إن الفتيات أصبحن يهتممن بالعلم ويرجئن الزواج إلى مرحلة الجامعة أو بعد الانتهاء من الجامعة (لأن بعض الخطاب ينقضون وعودهم بعد الزواج ويمنعون زوجاتهم من تكملة تعليمهن)... وانخفاض معدل الأمية بين النساء بشكل ملحوظ يؤكد حرص الفتيات وشغفهن بالعلم وذلك أمر مفيد لهن وللمجتمع ويدل على أن الزواج والخروج من العنوسة ليس أكبر هم الفتاة.. لماذا يشارك البعض في هدم الصور المشرقة والنماذج المشرفة للمرأة السعودية التي بات العالم أجمع يتعرف عليها الآن ويشيد بها.
لقد ذكرت الإعلامية كوثر البشراوي على الفضائية اللبنانية (المستقبل) أمام العالم أجمع في برنامج (خليك بالبيت) بعد جولتها في دول الخليج وحضور مؤتمر عن المرأة في الكويت، ثم زيارتها للمملكة العربية السعودية في ختام جولتها وحضورها عدة تجمعات نسائية ثقافية في المملكة، وكما صرحت حرفيا (بأنها لم تر مثيلات للسعوديات لا في شخصيتهن ولا في ثقافتهن ولا فيما يتمتعن به.. لا في بلادها تونس ولا في بريطانيا التي عاشت فيها سنوات معدودات ولا في أي مجتمع آخر.. وانها بهرت بهن وبلباقتهن وبجمال الأحاديث والنقاشات الثقافية الراقية التي كن يتجاذبن أطراف الحديث فيها وبلباقة نادرة وفائقة) لقد جاءت تلك الشهادة من إعلامية مثقفة اشتهرت بجرأة الطرح وعدم المجاملة في حواراتها... كما جاء ذلك التصريح على قناة فضائية لبنانية وفي برنامج يديره الإعلامي اللبناني زاهي وهبي.. فإن كنا هكذا نبدو للآخرين.. فكيف نبدو لدى أبناء الوطن...!!!؟؟؟

ص.ب 4584 جدة 21421 فاكس: 6066701-02

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved