Thursday 12th june,2003 11214العدد الخميس 12 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إلى وزير التربية والتعليم إلى وزير التربية والتعليم
عبد الله بن عبد الرحمن المانع / ص.ب 53418 الرياض 11583 ت 4655845/01/ 053229219 فاكس 2930002/01

عندما جددت الدولة - وفقها الله - ثقتها بوزير التربية والتعليم فان ذلك شرف متجدد للوزارة نفسها بوزيرها الذي كما عهدته - عندما كان عميدا لكلية التربية - محبا للعلم والمتعلمين، مخلصا في عمله، يود ان ينتشل التعليم، ويرفعه الى مصاف الدول المتقدمة وبذلك لابد ان نضع ايدينا بيده راجين له التوفيق في تحقيق معنى التربية للشباب الصالح والتعليم الذي يبني حاضر ومستقبل الوطن وعلى قدر اهل العزم تأتي العزائم.
في البداية دعونا - يا معالي الوزير - نتساءل معا:
- لماذا لا يستطيع خريج الثانوية العامة الانخراط في سوق العمل؟ هل المنهج الذي درسه على مدى اثنتي عشرة سنة لا يؤهله الا للبطالة الصريحة.
- ثم لماذا لو وجد عملا بطريقة ما، فلا يجد في الغالب الا مكتبا يقبع خلفه، ويسرح فيه مع احلام اليقظة، يحرق الوقت حرقا، لم يقدم فيه خدمة لمجتمعه ولا لنفسه. هل المنهج الذي درسه على مدى الاثنتي عشرة سنة لا يؤهله الا للبطالة المقنعة؟
واذا كان التعليم لم يعد يستهدف مجرد التلقين، وحشو الادمغة بالحقائق والمعلومات، فقد اصبح ولا يزال نشاطا عمليا بناء متكاملا يأخذ بيد النشء الى تحقيق العلم بالعمل، والى اخضاع النظرية للتطبيق والى تثبيت الثقافة بالممارسة. وبذلك يكون للتعلم والتعليم فائدة بينة ترجى، ونتيجة واضحة تجنى، ويكون ميدان التربية المخلصة تربة صالحة تنمو فيها الملكات وتكتشف فيها المواهب، وتستغل فيها القدرات.
لقد اصبح امام وزارة التربية والتعليم مسؤولية التكامل في تربية النشء من جميع النواحي الجسمية والعقلية، والانفعالية والخلقية، بل عليها استثارة الهمم الكامنة، والمواهب المتوارية في اعماق كثير من الطلاب مثل مواهب الخلق والابداع، وملكات الفك والتركيب، وحب الاستطلاع والرغبة في الاستكشاف العلمي.. وبذلك، لم يعد الطالب مجرد خزان فارغ نملؤه بما نريد نحن وما لا يريد هو، وانما هو نبتة وطنية طرية في داخله كم هائل مما يجب اكتشافه، وفي اعماقه طاقة عجيبة ينبغي استغلالها وفتح الابواب الفنية والعلمية لها بدلا من طمرها او اهمالها وكبتها.. فلماذا لا نهيىء للشباب في مراحل دراسته الثلاث مناخا يضيء له دربا الى الحياة الحضارية المتسارعة فيكون فاعلا فيها بدلا من ان يكون مستهلكا لها. لماذا لا نمد له يد المساعدة في هذه الحياة العملية ليتسلح بشيء من التطور التقني والفني مستكشفا للاسرار العلمية والصناعية التي تدور حوله؟ انتركه - عبر سنوات الدراسة - لا يملك ازاء هذه الاسرار سوى الدهشة والانبهار؟ يكفينا خجلا ان ينطلق الآخرون بخطوات واسعة وطلابنا لا يجنون منها الا الغبار والفتات قابعين وراء اسوار التاريخ وخلف الزوايا المهملة فلا يحسن خريج المدرسة سوى الاستهلاك لما يصنعه الآخرون، ولا يجيد سوى اجترار الامجاد الماضية معجبا ومبهورا بالقافلة وهي تسير..
فلا يحق لوزاراتنا الجليلة الجديدة الا ان تنتشل الشباب من التقاعس عن العمل المنتج الفعلي ولا يجوز لها الا ان تأخذ بيد الطلاب ليضعوا اقدامهم في عجلة التطور التقني والتقدم العلمي والعملي فنيا ومهنيا بدلا من ان تدوسهم تلك العجلة فلا تزيد البطالة الا جيشا من العاطلين البائسين «بطالة مقنعة في المكاتب وصريحة في الشوارع» لا يتقنون سوى اللهاث خلف العمالة الفنية الوافدة لتصلح لهم ما افسدته ايديهم.
لماذا يحدث ذلك ولدينا جهاز تعليمي عملاق؟
ولعل الاجابة على ذلك هو ان الواقع التعليمي الآن حشو اكثره وعلمي اقله، وعملي ادناه، وبصريح العبارة، فان المنهج التعليمي - بهذه الصورة - لا يمكن ان يعد النشء لحياة البقاء الحضاري حينما تنكفىء العمالة الفنية الاجنبية الى اوطانها .. لانه لا حياة لامة لا تدير معملها ومصنعها ومتجرها وزراعتها بنفسها. ان مثل تلك البرامج النظرية لم تعد تساعد شباب الامة في المدارس على فهم العصر الذي يعيشون فيه، وبالتالي لا يقدرون على ان يتفاعلوا مع معطياته ومعداته وآلاته اكثر من قدرتهم على الاستهلاك الترفي الذي يعيقهم عن اللحاق بالركب.
ولاشك ان البرنامج التعليمي الذي لا يستغل قدرات ابنائه ومهاراتهم وابتكاراتهم بشكل صحيح، برنامج اقل ما يوصف بأنه هش هزيل متخلف لا يفرز غير الاتكالية والتواكل ولا ينتج سوى الترهل والتكاسل.
وفي ظل مثل هذا البرنامج الذي يركز على الكم لا الكيف، لا عجب ان تتوطن البطالة ذات التأثير المتلف للاخلاق «لأن الفراغ مفسدة».
ولذلك فمهمة التربية والتعليم في هذا الصدد - الى جانب التأصيل الديني والخلقي واللغوي - مساعدة الشباب على فهم اهمية اكتشاف مصادر العمل المنتج، ومساعدتهم على اعداد انفسهم لما يلائمهم من المهن التقنية والفنية والحرف الصناعية، بل واستنهاض مكامن الابداع في هذا الشأن، فكم من شاب قد تنفتح له ابواب كانت مغلقة، وكم من شاب قد تنفتح له آفاق واسعة لمواصلة العطاء والابداع الفني في مدارج التعليم العالي بنظرياته وتجاربه وتطبيقاته المتقدمة.
اعداد من الطلبة - لا يستهان بها - قد تتسرب عبر التعليم العام او التعليم الجامعي وقد لا يجد طالب الثانوية العامة مقعدا له في الجامعة فماذا يفيده رصيد الحشو النظري في هذه الحياة العملية؟ من هنا يأتي دور التعليم العملي والتقني امام الشاب الذي تقطعت به السبل ولديه مخزون فني يمكن ان يكون نواة استغناء عن الآخرين فتفتح له آفاقا واسعة في سوق العمل بدلا من الاستجداء والتسكع في المجتمع فهذا شاب قد تعلم اسرار التكييف وابدع فيه، وذاك تعلم اسرار السيارات والعربات ونبغ في فكها وتركيبها واصلاحها وذلك يعلم شيئا عن المياه والكهرباء فيفيد نفسه ومجتمعه ويحل محل الاجنبي الذي ربما جاء الى الورشة المفتوحة وهو لا يفقه شيئا الا من التعلم برؤوس لم يكن يحلم بها.واذا كنا نردد - دائما - في المدارس بأن «صنعة في اليد امان من الفقر» فلنطبق تلك الامثال الصائبة والحكم الواقعية على الطبيعة.
نرجو ان نجد علاجا جذريا وحلا مناسبا للتساؤلات السابقة، وان لا نراوح مكاننا فيقذف كل منا باللوم على الآخر وان نضع ايدينا على مكمن الداء والدواء في مسيرة التنمية التي يتطلع اليها ولاة الامر وفقهم الله.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved