Thursday 12th june,2003 11214العدد الخميس 12 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يطالب بتصحيح النظرة القديمة للمرضى.. د. خالد التركاوي استشاري طب الأطفال: يطالب بتصحيح النظرة القديمة للمرضى.. د. خالد التركاوي استشاري طب الأطفال:
الصرع مرض يمكن علاجه وليس أسطورة أو خرافة

ارتبط اسم الصرع منذ القديم بكثير من سوء الفهم ونُسِجَتْ حوله ألوان من القصص المرعبة وعانى أصحابه الأمرَّين فكانوا بنظر الناس إما شراً يجب محاربته أو عيباً يُستحسن إخفاؤه ... أما عن علاجه فحدّث ولا حرج. كان خليطاً عجيباً من القسوة والجهل، وكم وُسِم المصاب له بالتخلف أو بالجنون فعاش محروماً بما يتمتع به معظم الناس رغم أن الصرع مرض مثل غيره من الأمراض الذي يمكن علاجه متى عرفت أسبابه وتم تشخيصه بدقة.. لكن ماهو الصرع؟ وكيف يحدث وغيرها من الأسئلة التي يجيب عنها د. خالد التركاوي استشاري طب الأطفال بمستشفى الحمادي بالرياض من خلال هذا الحوار:
- يجب أن نعرف أولاً أن الدماغ بمثابة جهاز التحكم المركزي بوظائف الجسد المختلفة، وهو يتكون من ملايين الخلايا العصبية المتخصصة التي تُكَوّن فيما بينها شبكة هائلة من الدورات الكهربائية تفوق في تعقيدها أعظم الحواسيب العملاقة وتستخدم هذه الخلايا في اتصالاتها ما يعرف بالنواقل العصبية: «وهي مواد كيميائية كالأدرينالين والأستيل كولين تُفْرَز من الخلية المرسلة لتحدث أثراً محدداً في الخلية المستقبلة»، ويكون الفعل الناجم عن تأثير الناقل العصبي في الخلية إما تحريضاً أو تثبيطاً، وبناء على مجموع الرسائل المحرضة والمثبطة التي تستقبلها خلية دماغية في لحظة ما يتحدد ردُّ فعلها وتؤدي عملها المطلوب،، وإذا ما اختل هذا التوازن الدقيق بين التحريض والتثبيط اضطرب عمل الخلية المعينة وأرسلت رسائل خاطئة إلى آلاف الخلايا الأخرى فأصبن جميعاً بحالة من اختلال التوازن، واختفى ذلك النظام الجميل ونتجت النوبة الصرعية، ومع أنّ أول ما يَرِدُ إلى الذهن تلك الصورة النمطية من التشنج المفاجئ وغياب الوعي لكن الصرع أكثر من هذا فقد تشمل نُوَبُهُ وظائف بدنية متنوِّعة وتتظاهر بمظاهر شتى من اختلاج في العضلات إلى غياب الوعي إلى سلوك غير مرغوب أو إحساس غريب أو خليط من هذا كله وغالباً ما تترافق هذه النوب عند حدوثها بتغيرات في فعالية الدماغ الكهربائية يمكن لها أن تسجل بوضوح بواسطة تخطيط الدماغ الكهربائي.
* هل ثمة اعتبارات خاصة أو أسباب تزيد من احتمالات حدوث الصرع؟
- ينتشر مرض الصرع في كل بقاع المعمورة دون اعتبار للحدود الجغرافية أو ارتباط بمستوى الدخل أو الثقافة، فمعدل حدوثه في مدينة مومباي الهندية مثلاً يبلغ 3 ،6 بالألف بينما يبلغ 6 بالألف في مدينة روشستر بولاية مينوسوتا الأمريكية، وتشير التقديرات المحافظة إلى أن معدل حدوثه في معظم بقاع العالم يتراوح بين 5 - 8 بالألف . من الصرع ما ينجم عن آفة عضوية في الدماغ يمكن تحديدها بدقة كالأورام والجلطة وتشوهات الأوعية الدموية، وغيرها وهذا النوع هو ما اصطلح على تسميته بالصرع الثانوي، ومنه ما هو مجهول السبب ويتعذر ربطه بأية آفة ظاهرة في الجهاز العصبي لذا يسمى الصرع الأولي، وقد صُنف الصرع حسب التصنيف العالمي للنوب الصرعية إلى صرع جزئي تتوضع آفته في بؤرة معينة من الدماغ وتتظاهر أعراضه في جزء محدد من البدن، وصرع شامل أو متعمم وفيه ينتشر الاضطراب الكهربائي في الدماغ كله، ويتظاهر في البدن بكامله، وينضوي تحت كل من هذين الصنفين أنواع الصرع المختلفة عدا حالات قليلة لم يتم تصنيفها بعد كاختلاجات حديثي الولادة والاختلاجات المصاحبة للحرارة عند الأطفال .
* كيف يمكن تشخيص الصرع وتمييزه عن بعض الأمراض الأخرى ذات الأعراض المشابهة؟
- للوصول إلى تشخيص صحيح للصرع لا بد من الحصول على وصف دقيق للنوب الصرعية وملابساتها لتفريقها عن بعض ما قد يشابهها كالإغماء ونوب حبس النفس وحالات الذعر المرضي، كما ينبغي معرفة الأمراض الأخرى التي قد يعاني منها المريض «سوابقه المرضية كما تسمى» أو أمراض ذوويه «القصة المرضية للعائلة»، ففيهما يكمن الكثير من المعلومات التي توجه نحو التشخيص السليم، ثم نتلوها ببحوث استقصائية أهمها تخطيط الدماغ الكهربائي EEG وقد نحتاج إلى فحوص السائل الشوكي «السائل المحيط بالدماغ» أو تصوير الدماغ بالرنين «الطنين» المغناطيسي MRI أو غيره حسب مقتضى الحال.
* وماذا عن أفضل أساليب العلاج واحتمالات الشفاء؟
- العلاج يعتمد على كون الصرع أولياً أو ثانويا،ً حيث يتجه إلى علاج السبب في النوع الثانوي، ثم يأتي دور الأدوية المناسبة لكبح جماح النوب، أما في النوع الأولي فلا يوجد سبب معروف ليتم علاجه ومن ثمَّ فإن الأدوية المضادة للنوب الصرعية تصبح حجر الأساس في خطتنا لمساعدة المريض.
وينبغي أن يكون هدف المعالجة واضحاً لدى المريض وأهله، ألا وهو جعل حياة المريض أقرب ما تكون إلى الطبيعية ويكون ذلك بمنع النوب من الحدوث كلياً أو الإقلال منها إلى أقصى حد ممكن مع تجنب الآثار الجانبية للأدوية المستعملة، فالشفاء الكامل من الصرع قد يحصل عند مريض ما، لكن لا يوجد دليل على أن دواء ما قد أسهم في ذلك، وقد يدوم المرض مدى الحياة فتكون الأدوية عندها ضرورية للتخفيف من وطأته على حياة المصاب.وقبل أن يُستخدم أيّ من هذه الأدوية ينبغي أن نحدد نوع الصرع بدقة ليتيسر وصف أفضلها تأثيراً على ذلك النوع، كما ينبغي التنبه إلى أنها جميعاً تمتلك آثاراً جانبية غير مستحبة وقد يكون بعض هذه الآثار على درجة من الخطورة تستلزم إيقاف تناول الدواء واستبداله بآخر، المشكلة أنه لا يمكن التنبؤ مسبقاً أيّ المرضى سيُعاني من هذه الآثار الجانبية لذا وجب الحذر والمتابعة وإجراء التحاليل المخبرية لاكتشاف الضرر المحتمل قبل استفحاله.
* وما صحة ما يقال إن أدوية علاج الصرع أكثر خطورة من الصرع ذاته؟
- قبل أن يسارع البعض فيدعو إلى إلقاء أدوية الصرع جميعاً في البحر لتخليص الإنسانية من شرها، يجدر بنا، أن نعرف قصة تطورها؛ فهي دليل على ما للجهد الإنساني المنظم من دور في محاربة المرض وقهره، فقد استخدم قديماً العديد من الأعشاب والتراكيب والسموم التي لا تخطر على بال، دام ذلك حتى أواسط القرن التاسع عشر حينما اكتُشف تأثير مادة البروم BROMIDE المضاد للنوب الصرعية فكان بحقٍ أول الأدوية الحديثة، وظل متربعاً على عرش أدوية الصرع أكثر من ستين عاماً رغم كل عيوبه، ثم تلاه عقار الفينوباربيتال الذي تصدر القائمة زهاء ربع قرن من الزمان حتى تم تطوير نموذج حيواني لمرض الصرع استعمل مخبرياً لتجريب الأدوية عليه قبل أن يُسمح باستخدامها من قِبَل المرضى، عندها أجرت معاهد الصحة الأمريكية بالتعاون مع عدد من مراكز الأبحاث مسحاً لأكثر من 21 ،000 مركَّب لاختبار صلاحيتها كعقاقير محتملة لعلاج الصرع تَمَّ في النهاية اختيار ثمانية عشر مركباً لتدخل نطاق الاختبارات الأولية على المرضى، ثم طُرِِح بعضها لاحقاً للاستخدام البشري بعد ثبوت فعاليتها وأمانها وإن لم تَخْلُ بالطبع من الآثار الجانبية.ويبدو جلياً أنه لا مفر من العيش على مضض مع أدوية لا نحبها كثيراً حتى يأذن الله باكتشاف ذلك العقار المثالي الخالي من العيوب.
* ألا يوجد علاج جراحي يفيد في علاج الصرع ويجنب المرضى مخاطر الأدوية؟
- لا يكتمل الحديث عن العلاج دون التأكيد على دور الجراحة، فبعد الحرب العالمية الأولى ظهر اهتمام بمعالجة الصرع جراحياً خاصة في الحالات التي نجمت عن نُدَبٍ في نسيج الدماغ وما حوله، ولم تتحسن حظوظ الجراحة إلا في العقد الأخير إِثْرَ التحسن الذي طرأ على التقنيات ووسائط التشخيص مما زاد من فرص نجاح المداخلات الجراحية، لكن الجراحة لا تصلح لكل مرضى الصرع، وهي تعتمد على إزالة ذلك الجزء من الدماغ الحاوي على البؤرة الصرعية، وقد سُجِلَ شفاء كامل في 75% من الحالات المعالجة بنجاح، أما التي لم تُشْفَ بشكل كامل فقد تحسنت بشكل ملحوظ وذلك في نسبة وصلت إلى 90% من الحالات المعالجة.
* ما صحة فعالية الحمية أو اتباع نظام غذائي معين في علاج الصرع؟
- الحمية طورت في عشرينات القرن العشرين بعد أن لوحظ تحسن حالة بعض المصابين بالصرع عند الصيام وتعتمد هذه الحمية في مفعولها على إحداث تغيُّرات في الاستقلاب شبيهة بما يحدث لدى الصائم من ارتفاع في نسبة المواد الكيتونية في دمه، ورغم النتائج الأولية المشجعة إلا أن صعوبة تطبيقها وظهور أدوية فعَّالة قد قلَّل من شعبية هذه الحمية خلال عَقْدَيْ الأربعينات والخمسينات، ثم عادت للظهور بقوة مؤخراً لازدياد الرغبة لدى البعض في تجنب المعالجة الدوائية أو لِفشل الأدوية تماماً في بعض الحالات، وغني عن القول: إن هذه الحمية يجب أن تكون صارمة ومتناسبة مع عمر المريض ووزنه وأن تُتَّبع بدقة حتى تحدث أثرها المطلوب .
* هل يقلل الصرع من القدرات العقلية للمصابين به؟
- يتمتع معظم مرضى الصرع بصحة جيدة وذكاء ضمن الحدود الطبيعية، وفيما خلا النوب التي قد تحدث على فترات تطول أو تقصر تكون حياتهم عادية وباستطاعتهم أن يشاركوا «لا بل أن ينافسوا» في مجالات شتى، كل ما في الأمر أن طبيعة النوب المفاجئة لا تسمح باستخدامهم في بعض الوظائف إلا بشروط، فلا يتولون قيادة السيارات العامة مثلاً، وأن يتجنبوا العمل في الأبراج العالية ما لم يتم تزويد العامل بحزام أمان، وألا يباشروا العمل على بعض الآلات ما لم تكن الآلة مزوَّدة بكوابح تعمل تلقائياً عند فقد العامل لوعيه، كما أن بعض النوب تجعل العمل في بعض المواقع والمجالات «علاقات عامة مثلا» أمراً غير وارد.
* ولكن بمتفسر ضعف التحصيل العلمي لمرضى الصرع؟
- معظم التقارير التي اتهمت الصرع بأنه سبب للتخلف والفشل كانت غير دقيقة، ويعود ذلك الضعف الذهني المشاهد غالباً إلى الآثار الجانبية للأدوية وخاصة الفينوباربيتال، ونفس الشيء في عالم الرياضة؛ فلا يوجد أي دليل على أن الجهد الشديد يؤدي إلى إحداث النوب الصرعية، بل إن تجنب المشاركة بالفعاليات الرياضية خاصة في سن الطفولة قد يحرم الطفل من اكتساب خبرات معينة هو في أمسَّ الحاجة اليها، لكنه يُنصح بتجنب رياضات معينة كغوص الأعماق وتسلق المنحدرات والسباحة بدون وجود منقذ متخصص في الجوار.
* وماذا عن الأمومة وتأثرها بالصرع؟
- من حق كل امرأة أن تكون أماً، ومريضة الصرع ليست استثناءً شرط تلقيها العلاج المناسب قبل الحمل وأثنائه وبعده، ورغم الزيادة البسيطة في نسبة الإجهاض أو التشوهات الخلقية في أجنَّة أمهات تناولن أدوية الصرع أثناء الحمل إلا أن الخطر الأكبر هو أن يُترك المرض بدون علاج، وأما ما ينصح به البعض من تجنب الرضاعة الطبيعية أثناء تناول أدوية الصرع فهي نصيحة تحتاج إلى مراجعة، إذ إن كمية الدواء التي يتعرض لها الطفل عبر الرضاعة هي أقل بكثير من كميته التي تعرض لها أثناء الحمل وليس من المنطقي إيقاف الرضاعة الطبيعية مع ما فيها من فوائد جمة خوفاً من ضرر غير محتَّم .
* هل يحتاج مريض الصرع إلى معاملة خاصة من المحيطين به؟
- لا تقتصر المعالجة الناجمة لمرض الصرع على إيقاف النوب، بل تتعداه إلى إعادة تأهيل المريض من خلال مساعدته على استرداد ثقته بنفسه والتخلص من خوفه والعودة إلى المشاركة الفعَّالة فى محيطه، وليتحقق هذا لا بد من تغيير الصورة السلبية السائدة عن المرض في ذهن المريض أولاً ومن ثم أسرته ومجتمعه، فبدون هذا التغيير يظل النجاح جزئياً، وغني عن القول إن الفائدة المرجوة من عملية إعادة التأهيل لا تصيب فرداً واحداً فحسب، بل تمتد إلى مجمل النسيج الاجتماعى على المدى البعيد، كما أن المنفعة الاقتصادية الناجمة عن عودة المريض إلى مزاولة حياته الطبيعية المنتجة لا يمكن تجاهلها . لهذا كله يتعيَّن أن تنضم فعاليات عديدة فى المجتمع إلى المؤسسات الصحية للعمل من خلال رؤية واضحة ومتوازنة لتحقيق أكبر قدر من النجاح ضمن الإمكانات المتاحة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved