Saturday 14th june,2003 11216العدد السبت 14 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الغائب والحاضر في الخطاب الإعلامي العربي الغائب والحاضر في الخطاب الإعلامي العربي
د. علي بن شويل القرني ( * )

هناك عدد من السمات الأساسية التي يتميز بها الخطاب الإعلامي العربي، وهي قواعد وأسس يرتكز عليها الخطاب في كليته وشموليته.
ومن المهم الاشارة إلى أن هذه الأسس ليس بالضرورة أن تكون واضحة وصريحة داخل الخطاب، ولكنها قد تبدو أكثر تجلياً عند قراءة الخطاب من الخارج.
وقد يكون هناك اختلاف على درجة توافق انطباق هذه الأسس على كل خطاب عربي ولكن الاختلاف قد يكون في الدرجة وليس في تغييب هذه الأسس تماماً.
وتوجد أربعة أسس ينطلق منها الخطاب الإعلامي العربي، وهي: السلطوية والآحادية والرسمية والقدسية.
أولاً: السلطوية.. وهذه سمة تختص بها كثير من أجهزة الخطاب في العالم النامي بشكل خاص ولا يعني ذلك غياب السلطة في خطابات أخرى في المجتمعات الغربية لكننا معنيون هنا بخطابنا الإعلامي المعاصر.
وقد نسأل أولاً عن السلطة: ما هي وكيف تتم ممارستها،؟ السلطة في العالم العربي موجودة في كل المؤسسات الاجتماعية التي تحيط بالفرد وتغمره بخدماتها.. فهي مغروسة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية وهي موجودة في المدرسة والأسرة والمسجد.. وفي الكتاب والصحيفة وأجهزة التلفزيون والاذاعة، وهي موجودة في رجل الأمن والمعلم والأب والأم والأخ الأكبر والقائد والمسؤول .. إنها منتشرة في كل مكان وتحيط بالفرد العربي في كل لحظة من لحظات حياته العامة والخاصة.
ووجود السلطة بشتى أشكالها ودرجاتها لا يعني أنها أدوات تكبيلية قمعية مرعبة في كل حالاتها، لأن الفرد في أي مجتمع يحتاج إلى وجود سلطة لحمايته والدفاع عنه والسهر على راحته ودرجة تواجد هذه المؤسسات السلطوية وكثافة عملها وحجم تدخلها تقل وتزداد باختلاف التنظيمات السياسية والاجتماعية في كل مجتمع من المجتمعات العربية، فلا يمكن أن ندعي أن هذه الجمعيات متساوية في سلطوياتها المؤسساتية، بل ما نعلنه هنا أن الاختلاف بين البنى المؤسساتية المجتمعية العربية هو الذي يخلق مناخ اختلاف الخطابات العربية.. وهو ما يساهم في تعددية الموقف الرسمي العربي تجاه القضايا الإقليمية الدولية.
ولا شك ايضا أن ممارسة السلطة تختلف من مجتمع إلى آخر فقد تمارس من خلال قنوات تنظيمية شرعية يعرفها المواطن ويدرك منفعيته منها، وقد تكون تعسفية فردية عشوائية قهرية لجماهير دولة أخرى.
إذن رغم اختلاف درجة وحجم السلطة فإن الخطاب العربي عادة ما يكون مكبلاً بالسلطة ورهيناً لسطوتها وخاضعاً لسيطرتها، فالسلطة موجودة في أشخاص الخطاب وموضوعاته وتوجهاته وقيمه وهي موجودة أيضاً في تفاصيل الخطاب واختياراته وتوقيته، ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا التواجد السلطوي في الخطاب، والذي يجب أن نوضحه - هنا - أيضاً هو أن درجة هذا التواجد وشموليته وتفاصيله تختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر.
ثانياً: الآحادية.. ونقصد بذلك أن الخطاب الإعلامي العربي يقوم بتغييب الآخر واستبعاده من المثول أمام الرأي العام ..ولهذا فهو خطاب آحادي التوجه والممارسة وغير قابل للثنائيات والتعدد.
ويأتي ذلك بشكل طبيعي نتيجة تفرد المؤسسات الاجتماعية بسلطة الخطاب واشرافها على مجريات أموره وتحديد آلياته وتخطيط تفاصيله.
ولهذا فإن التعددية الوحيدة الموجودة في الخطاب الإعلامي العربي لا تأتي من داخل الخطاب بل أنها تكون من وجود خطاب آخر ولهذا تشكل مجموعات الخطاب العربي مع بعضها البعض وليس بانفرادها تعددية في الرؤية والاتجاه والممارسة.
ويفرز الخطاب مع مرور الوقت ومن اجل تدعيم أسسه ولبناته وآليات تقوم بفرز كل الأفكار والمحتويات واستبعاد ما يتنافى مع روح الخطاب وشكله ومضمونه، كما يفرز الخطاب كوادر بشرية تعمل على تدعيم الخطاب وترويجه.
ثالثاً: الرسمية.. إذا كانت المؤسسات الإعلامية في المجتمعات الغربية ترى بأنها مؤسسات مستقلة ولا تقع في دائرة النفوذ الحكومي بل أنها تسعى لأن تكون مؤسسات منافسة للمؤسسات الاجتماعية الأخرى مثل الحكومة والبرلمان والشرطة والكنيسة والأسرة فإن الحال في العالم الثالث والدول العربية غير مستثناة هو في كون المؤسسات الإعلامية التي يفترض أن تقوم بانتاج وترويج الخطاب السائد تابعة للمؤسسات الرسمية.
ولهذا عادة ما تقف مؤسسات الإعلام العربية في حيرة من أمرها أمام بعض أو معظم الأحداث الجديدة والمواقف السياسية الطارئة ريثما تتلقى توجيهات أو اشارات تستطيع من خلالها استطلاع الرأي الرسمي للحكومة وبالتالي تتصرف إعلامياً طبقاً لهذا الموقف أو هذا التوجه.
ولا يكفي في بعض الأحيان أن تقوم هذه المؤسسات باستنتاج الموقف الرسمي من خلال الخبرات السالفةوالمواقف السابقة، بل أنها تحتاج إلى «المراوحة» الإعلامية في انتظار إعلان الموقف الرسمي، حتى لو اضطرت الوسيلة صحيفة أو إذاعة أو تلفزيون إلى إغفال الحدث وتجاهل أهميته لمدة زمنية تؤثر على علاقة المؤسسة الإعلامية بمتلقيها مما يعكس مزيداً من فقدان الثقة مع الوسيلة الإعلامية.
ونقصد بالرسمية أن تكون المؤسسة الإعلامية - إذاعة أو تلفزة أو صحيفة- حكومية أو شبه حكومية أو تحت تأثير ونفوذ الحكومة.
وانطلاقاً من هذه الرسمية التي تطغى على الوسيلة، فإن حالة الانفكاك بين وحدتي الإعلام الرئيستين - الخبر والرأي- تزداد صعوبة وتعقيداً، على الرغم من أن فك ارتباط الخبر من الرأي قد يساعد الوسيلة على الوفاء ببعض التزاماتها الإعلامية المهنية بالتحرر من قيود انتظار الرأي الرسمي وبالتالي يهيئ لها المبادرة في الإعلان عن الحدث ويعفيها من انتظار تشكل وتحديد الموقف الرسمي.
رابعاً: القدسية.. يحيط بكل خطاب عربي نوع من القداسة التي قد لا تكون متوفرة حول خطابات أخرى غير عربية.
ولا نقصد بالضرورة القداسة الدينية ولكن قداسة الهدف الذي يتضمنه الخطاب، أيا كان موضوعه، والقدسية قد تكون محاولات لتغليف الخطاب واحاطته بشكل من الطقوس الدينية أو الاجتماعية أو السياسية.
وتتمثل القداسة في مكانة ووضع الخطاب ومرتبته الاجتماعية، حيث يحتل الخطاب موقعاً فوقياً ومنزلة عالية في بنية القوة الاجتماعية يكون هو المصدر الشرعي الذي يعين الأشخاص ويمنحهم الصفة الاجتماعية التي تؤهلهم في الخوض في موضوعات الخطاب، ويعطيهم التعريف الاجتماعي الذي يحدد دوائر المسئولية وهوامش الحريات.
كما أن القداسة تخلق الحواجز التي تعيق عمليات اختراق هذا الخطاب من أشخاص آخرين أو عن طريق موضوعات جديدة مغايرة، وتجعل من الخطاب شبكات من الرصد المتواصل الذي يستكشف القابليات المتفجرة في الموضوعات والأشخاص ويتعامل معها أو يلغي دورها ويهمش مكانتها الاجتماعية، وكما اشار الدكتور تركي الحمد إلى أن الطبيعة البشرية تتجه إلى اضفاء هذا النوع من القداسة على الكلمات والمفاهيم والمصطلحات واعطائها بعداً ثابتاً يحولها في نهاية المطاف إلى قيود لادراكنا وحكمنا على الأشياء والعلاقات.
وهذه القدسية تكون الستار والحجاب الذي يعطل محاولات العقل للانفلات من سيطرة القيد الذي يحول دون إعادة النظر في التصورات والأحكام العامة ويفقدنا الصلة بالمحيط المتغير، وتصبح عمليات الانتاج الثقافي مجرد قياس وإعادة قياس وبينما يرى بعض الكتاب أن مفاهيم الاصالة وحدها قد تكون هي العامل وراء اضفاء طابع القداسة على المفاهيم والكلمات، إلا أننا نختلف مع هؤلاء في كوننا نرى أن هناك عدداً آخر من القوى في المجتمع سواء أكانت سياسية أو ثقافية أو غير ذلك تعمل على تجسيد القدسية في أنواع الخطابات السائدة في المجتمع.. والأصالة ببعدها التراثي ليست إلا إحدى هذه القوى الفاعلة في هذا الاتجاه.

( * ) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود - الرياض

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved