Monday 30th june,2003 11232العدد الأثنين 30 ,ربيع الآخر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

«عروبة العولمة وحصان الحرب» «عروبة العولمة وحصان الحرب»
جانبي فروقة*

كان الكاتب الفرنسي شاتوبريان من الرواد الأوائل الذين استشعروا بولادة العولمة فبعد انتشار السكك الحديدية والتلغراف والسفن التي تسير بالبخار في منتصف القرن التاسع عشر قال: «عندما قلص البخار المسافات، فإنها ليست السلع وحدها هي التي ستسافر، وإنما أيضاً الأفكار المرسلة والمتخصصة».
وكان جوزيف سيتيجليتز «(وهو أحد أبرز المفكرين الاقتصاديين العاملين في البنك الدولي) قد طرد من منصبه العام الماضي لأنه تجرأ وقال الحقيقة المؤلمة والخطرة التي تعكس ما يتربص ببلدان العالم الثالث والتي أغضبت إدارة البنك ووزارة الخزينة الأمريكية التي تسيطر بدورها على البنك الدولي حيث قال في صحيفة «أمريكان بروسبكت»: إن مقدار نجاح العولمة أو فشلها اقتصادياً في بلد ما يعتمد على السياسات الوطنية والقومية لهذا البلد» وطرح مثالاً على ذلك: «إن الدول النامية التي دخلت معترك العولمة بناء على سياسات صندوق النقد الدولي واجهت مصاعب اقتصادية كبيرة، لم تقدم العولمة فيها مكاسب إلا لشريحة قليلة جداً بينما دمرت اقتصادياً غالبية الشعب وأما في الدول التي دخلت العولمة بناء على سياسات وطنية وقومية وحافظت على استقلالها مثل بعض دول آسيا خاصة ماليزيا فقد استفادت من فرص العولمة :«لذلك يرصد ستيجليتز القضية من زاوية أن المشكلة ليست في العولمة بحد ذاتها بل في الطريقة التي تحث بها إدارة العولمة وطنياً وقومياً».
يقال أربعة أشياء لا يستقل قليلها: النار والمرض والعدو والدين وقد أثارت العولمة زوابع ورياح التغيير على كل مناحي الوجود البشري وقضاياه الدينية والسياسة والاقتصادية والثقافية وطرأ بالتوازي مع ذلك تغيير كبير على مفهوم الحرب الذي تم إذكاؤه كحصان لعربة العولمة، وكوسيلة اضطرارية لتحقيق المصالح، فاليوم بات من الممكن تبادل الدمار والفناء عبر المحيطات والبحار ولم يعد الدخول إلى عاصمة ودحرها أو ازالتها من الخارطة يحتاج إلى تكبد واستنزاف الكثير من الموارد المالية والبشرية فالحرب اليوم غير حرب الأمس وبات على الدول الفقيرة أن تغير آمالها السياسة كي تسلم من عواصف العولمة «فالعشب يسلم من عاصف الريح للينه وميله معها حيث مالت، وأما الشجر المتكبر الذي يواجهها فينكسر ويتحطم» وتواجه الضغوط الجديدة للقدرة التنافسية أمام زحف المارد الجديد «رأس المال» الذي لا يأبه في الوصول إلى غاياته حتى لو اضطر للقفز فوق خنادق الموت.. إن العولمة ببساطة تريد تشكيل اقتصاد كوني جديد متحرر من قيود السياسة وكوابحها لذلك تجنح التوليتارية الاقتصادية ممثلة بالشركات العملاقة عابرة القارات إلى ربط آمالها ومصيرها بالتوليتارية الأمريكية على الصعيد السياسي والعسكري وبصفتها القطب الأوحد للعالم.
يرى بعض المحللين أن الحرب تضر بحلقات العولمة الاقتصادية في العالم ومنهم الباحث الصيني بمركز الدراسات الدولية التابع لجامعة «تشينغ هوا» الصينية هوو رو شينغ حيث يقول: «نمو الاقتصاد العالمي يحتاج إلى بيئة دولية آمنة ومستقرة، ولكن الحرب ستدمر حلقات العولمة الاقتصادية، وأكبر أضرارها هو زيادة تكاليف الانتاج العالمي» وأضاف الباحث: «إن العولمة الاقتصادية تحتاج إلى ضمان نظام التجارة الحرة».
عند مفترق أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي وصفها وزير الخارجية الفرنسي دومنيك دو فيلبان بأنها باتت «أم المصائب» قررت إدارة بوش الابحار في عالم سياسي مضطرب فوسمت السياسة الأمريكية بالغرور والعداوة «وللعداوة شكلان منها ما هو متكافئ كعداوة الفيل للأسد والآخر غير متكافئ كعداوة النسر للأرنب والضرر في العداوة الثانية يقع على الطرف الضعيف فالماء ولو أطيل اسخانه لم يمنعه ذلك من اطفائه النار إذا صب عليها».. النابعين من فائض القوة المتاحة لديها وتبنت العقيدة السياسة الأمريكية في عقلها الباطني اعتبار الأمن القومي قيمة خالصة بحد ذاتها لتكون غاية تبرر دونها الوسائل لتحقيقها، وهنا ألبست الإدارة الأمريكية رداء الديمقراطية لسلوكها الاستعماري المنفرد والبعيد عن مظلة الشرعية الدولية وفرض السياسات بالقوة على الآخرين، وخير من لخص العقيدة السياسية الأمريكية هو هنري كيسنجر حيث قال: «السلام الشرعي يتأسس في المحصلة على توازن القوى، وهو ليس مرادفاً للعدالة بالضرورة» وكما قال في مناسبة أخرى :«القوة ما تزال الحكم الأخير في العالم» وكان الملف العراقي هو الملف الساخن بعد الأفغاني والذي تم التعامل معه بطريقة الكاوبوي وكانت الفرصة تاريخية للأمريكان لطرح فائض القوة المتنامي وملء الفراغ الذي خلفه انهيار الاتحاد السوفيتي في المنطقة والتي يسميها الجيوبوليتيكيون الغربيون «القشرة» وهي «القوس الممتد من جنوب شرق آسيا حتى البلقان عبر آسيا الوسطى والشرق الأوسط» وهو ما عبر عنه مستشار الأمن القومي الأسبق بريجنسكي «بالثقب الأسود» نظراً لأفول الشيوعية والتخوف من زحف المد الإسلامي الأصولي لهذا الفراغ، وللتحكم والتواجد في الفضاء الجيوسياسي للمنطقة لضمان آمن القنوات المائية في منطقة الشرق الأوسط بصفتها حلقة وصل حيوية بين القارات وللتحكم بصنبور النفط الذي يمد شريان الصناعة الغربية بأسباب البقاء، بعد العراق أطلقت الإدارة الأمريكية خارطة الطريق من أدراجها سعياً في حل النزاع في منطقة الشرق الأوسط بين العرب واليهود والذي يراه الأوربيون سبباً جوهرياً من أسباب الارهاب الدولي الناجم عن شعور اليأس والاحباط للدول في المنطقة، وكان قد تم بالطبع قراءة خارطة الطريق بعدسة الأمريكان المصممة بزوايا انكسار شارونية تظهر شارون رجل السلام والمقاومة الفلسطينية بانتفاضتها بؤرة الارهاب، والقوى الليبرالية في المنطقة العربية ملهية بدمية الديمقراطية الأمريكية.
إن الاشكالية الرئيسية في عدم فهم القوى العربية للدور الأمريكي في المنطقة يكمن في ازدواجية الدور الأمريكي في كونه حكماً وخصماً في الوقت نفسه! ولكن يجب رصد هذه القضية من منظور واقع التمايز المختلف للمصالح الأمريكية مع الدول والنظم، لذلك تسعى الآن الولايات المتحدة إلى تسوية القضية الفلسطينية بشروط شارونية أمريكية تحت الذريعة نفسها «مكافحة الارهاب» وخارطة الطريق مناورة سياسة تعيد فيها الولايات المتحدة الأمريكية الحبل السري المقطوع مع الشرعية الدولية وذلك من خلال تشجيع الرباعية الراعية لخارطة الطريق المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، والوقت الآن هو الأنسب لتطبيق خارطة الطريق حيث يتم استثمار العجز والاحباط العربي عامة والفلسطيني خاصة المبطن بالصراع على السلطة الوهمية بين ياسر عرفات وأبو مازن من جهة وبين الاثنين وفصائل المقاومة من جهة أخرى المتمثلة بحماس والجهاد وكتائب شهداء الأقصى والجبهة الشعبية.
ومستقبل خارطة الطريق والتسوية السياسية مرهون بعدم تكرار نفس الأخطاء والعيوب في اتفاقية أوسلو، حيث تم حصر معظم الاجراءات في المرحلة الأولى والثانية بالاجراءات الأمنية وتركت للمرحلة الثالثة أهم المواضيع التي تهم الأطراف للتفاوض والتي تتلخص في قضية عودة اللاجئين «حيث ربط شارون رفضه لهذا المبدأ كأساس لقبوله قيام دولة فلسطينية» وقضية القدس، والحدود، والمستوطنات، مما يرجع القول إن الخارطة ستجرد الفلسطينيين أكثر من أسباب القوة «بوأد الانتفاضة والمقاومة» ومن ثم فرض الواقع المر والشروط الصهيونية على الفلسطينيين، مما يعني الدوران في حلقة المفاوضات المفرغة كما حدث في اتفاقية أوسلو وتوابعها، والحقيقة الجلية الآن أنه لم يكن لأبو عمار أن يخسر أكثر مما يخسره الآن لو أعلن قيام دولة فلسطين منذ البداية!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved