Tuesday 1st july,2003 11233العدد الثلاثاء 1 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الأزمنة الأزمنة
مع السفير طراد الحارثي.. في بغداد وهذا الموقف..
عبدالله بن ادريس

حزنت لرحيل الفريق طراد الحارثي الشريف الذي قرأنا عن وفاته سطوراً قليلة آخر الأسبوع الماضي - رحمه الله -.
لم ترافق رحيله جلبة من صفحات النعي والعزاء.. كما هي عادة صحفنا المحلية والخليجية.
مع أن الراحل الكريم من رجال الدولة الذين خدموا بلادهم وحكومتهم زمناً ليس بقصير في ميدانين مهمين من ميادين الخدمة الوطنية.. هما الخدمة العسكرية والخدمة الدبلوماسية.
ففي الخدمة العسكرية يكفي أنه وصل إلى رتبة (فريق).. وفي الخدمة الدبلوماسية عرفته سفيراً للمملكة العربية السعودية في (اليمن) عدة سنوات.. ثم لقيته في بغداد عام 1408-1409هـ سفيراً للمملكة في العراق.. أيام كانت تأتيني دعوة سنوية من وزير الثقافة والإعلام في العراق (جاسم لطيف نصيف) كواحد من عشرات.. وربما مئات الشعراء العرب.. الذين يُدعون سنوياً، للمشاركة في (مهرجان المربد).. بقصائد جديدة حول الحرب الدائرة بين العراق وإيران، من باب تقوية معنويات الجيش العراقي المحب للشعر ككل العراقيين وكان السفير طراد يزور الأدباء السعوديين المدعوين إلى مهرجان المربد.. في فندق الرشيد وغيره ويرد بعضنا له الزيارة في السفارة.. وكنت منهم، وكذلك يفعل الأدباء العراقيون الذين تربطنا بهم علاقة وثيقة كالدكتور على جواد الطاهر، الشيخ العلامة محمد بهجة الأثري، أ/ هلالي ناجي، اللواء الركن محمود شيت خطاب وآخرين.
في أحد هذين العامين 1408 أو 1409هـ تقريباً أقدم (عدي ابن صدام حسين) على قتل أحد مرافقيه لخلاف نشب بينهما..، والله أعلم، بمسببات هذا القتل، وقد سجنه والده في سجن بائس، حسب قول وزير الثقافة جاسم لطيف نصيف الذي طلب مني - بزعمه - أني رئيس الوفد السعودي إلى مهرجان المربد - أن أكتب برقية (للسيد الرئيس صدام حسين أطلب منه العفو عن ابنه عدي وإطلاق سراحه.. وأن أٌُعطي البرقية إذا كتبتها إلى وكيل الوزارة (عبدالأمير مُعلاّ) لإرسالها إلى السيد الرئيس)!!
وما إن انتهت مكالمة الوزير لي حتى أتاني وكيل الوزارة المذكور والذي هو نائب المشرف العام على مهرجان المربد.. ليقول لي: هل أمرُّ عليك بعد ساعة لأخذ البرقية..؟
فقلت له: سبحان الله! وما دخلي في شؤونكم الخاصة؟!
ثم - أحبُّ (أولاً) - أن تعلموا أنني لست رئيساً للوفد السعودي.. فأنا كأي واحد منهم.. مدعوٌّ بصفتي الشخصية ولا أمثل إلا نفسي..
(ثانياً) أن ما تطلبونه منِّي لا يمكن أن أفعله.. لأن سجن عدي شأن يخصُّ نظامكم.. ولا يجوز لي ولا لغيري التدخل فيه..
وكان جواب عبدالأمير مُعَلاّ: بلى: الرئيس سيكون ممنوناً لبرقيتك.. لأنها شفاعة من السعودية. وهي الدولة التي تحكم بالشريعة الإسلامية، (هذه شهادة للمملكة). فقلت له حتى لو رضي الرئيس صدام، فإن حكومتي قد لا ترضى عن فعلي هذا.. فيما لو أطعتكم فيما تطلبون..
وانصرف عني غير مقتنع باعتراضي على هذا الأمر.
أعاد عليَّ الطلب عدة مرات خلال أيام المربد وبإلحاح وترجٍّ شديدين.. فقلت له: يا أستاذ عبد الأمير، إذا كان الوزير قد أحرجك بكثرة هذا الإلحاح عليَّ فسأعطيك خطاباً له أقول له ما قلته لك.. قال: لا.. أنا أريد أنه ما يعتبرني فشلت في إقناعك..! وأنت بهذه البرقية تُسدي لي معروفاً لن أنساه لك..!
قلت له في آخر مرة اجتمع بي في الفندق لهذا الغرض.. أرجوك أن تبلِّغ الأستاذ وزير الثقافة والإعلام شديد اعتذاري عن كتابة أية برقية أو خطاب للسيد الرئيس حول هذا الشأن.. فهذا ليس من حقي ولا من صلاحياتي ولا علاقة البتة لي بهذا الأمر.
***
على إثر ذلك اجتمعت بالزملاء السعوديين.. وأخبرتهم بما كان.. وقلت لهم: أحب أن تكونوا على بيِّنة من الأمر.. وأحب أن أسمع رأيكم حول موقفي هذا.. هل تؤيدونه أم لكم وجهة نظر أخرى..؟
وقبل أن أسمع رأيهم أخبرتهم أني سأذهب إلى السفارة السعودية لأعرض على الأستاذ السفير طراد الحارثي ما حصل، لئلا يكون هناك سوء فهم أو التباس فيما حصل أو قد يحصل، فكان ردُّ الزملاء - جزاهم الله خيراً - مطابقاً لرأيي تماماً.
***
وذهبت إلى السفارة في بغداد واجتمعت بالسفير في مكتبه.. وأخبرته بما طلبته مني وزارة الثقافة العراقية.. وامتناعي عن تحقيق طلبها.. فما رأيكم في هذا..؟
ضرب السفير بيده على يدي بشدة قائلاً: «والله خيراً فعلت.. وهذا ما يجب أن يكون.. وإن بلغ الأمر إلى حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين فسوف أشرح لها موقفك.. وتبنِّي السفارة لهذا الموقف».
هنا تنفستُ الصعداء بعد الكابوس الذي واجهني.. بطلب شفاعة في مجرم تجاوز حَدَّاً من حدود الله..!؟ ومن المؤكد أنه سيطلق سراحه بتمثيلية يجيدها بعض الحكام العرب.. وهو ما حصل بعد ذلك بأيام (لعدي) حيث جاء أهل القتيل إلى الرئيس صدام يطلبون منه العفو عن ابنه.. ويقدمون أنفسهم وأولادهم (فداء) ليمين عدي التي قتلت ابنهم!!
وهذه طبيعة التجبُّر والتكبُّر والاستبداد لصدام حسين.
أعاذنا الله من ذلك، ورحم الله الفريق طراد الحارثي آخر سفير للمملكة العربية السعودية في العراق.
لقد كان رجلاً خلوقاً، بشوشاً، قَلَّ أن تلقاه أويلقاك إلا بوجه طلق، وابتسامة عريضة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved